عمر المصلحي

حث ديننا الإسلامي على القيم الفاضلة والأخلاق النبيلة التي تبني الأمم وتشيد الحضارات؛ بها تتآلف القلوب ويتوحد الصف، تذوب الخلافات وتختفي المنازعات والمهاترات، فلا يبقى لها أثر ولا تقوم لها قائمة توأد في مكانها، لا تنبش تربتها ولا تسلك طرقها. ومن أعظم من تمثل الأخلاق الإسلامية قدوتنا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فعندما سئلت عائشة زوج النبي -رضى الله عنها- عن خلقه -عليه الصلاة والسلام- قالت: «كان خلقه القرآن»، ومن خلقه -صلى الله عليه وسلم- «التسامح والعفو»، ومن مواقف السماحة والعفو في حياته -صلى الله عليه وسلم- حينما همَّ أعرابي بقتله حين رآه نائمًا تحت ظل شجرة، وقد علَّق سيفه عليها. فعن جابر -رضي الله عنه- قال: «كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذات الرقاع (إحدى غزوات الرسول)، ونزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة فعلَّق بها سيفه، فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلَّق بالشجرة فأخذه، فقال الأعرابي: تخافني؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: لا، فقال الأعرابي: فمَن يمنعك مني؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: الله، فسقط السيف من يد الأعرابي، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السيف، فقال للأعرابي: مَن يمنعك مني؟ فقال الأعرابي: كن خير آخذ، فقال -صلى الله عليه وسلم: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا، ولكني أُعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبيله، فأتى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس» [صححه ابن حبان].

ومن سماحته يوم فتح مكة، حينما ملك أمر من طردوه وآذوه واتهموه باتهامات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، وضيقوا الخناق على كل أتباعه ومناصريه، وبرغم كل ذلك لم يفكر رسولنا الكريم في الانتقام أو الثأر منهم أو حتى رد الإساءة بالإساءة، حيث قال عبارته المشهورة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».. وهذه العبارة أعظم وثيقة للتسامح أطلقها رسول الله -صلى الله عليه وسلم.