محمد ناصر

قال كثير من العلماء إن الله بعث كل نبي من الأنبياء بمعجزة تناسب أهل زمانه. فزمان موسى عليه السلام غلب عليه السحر، فلقفت عصا موسى ثعابينهم التي ما هي إلا الحبال والعصي.

وفي زمان عيسى عليه السلام غلب الطب، فجاءهم بما لا قبل لهم به، وهو إحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص، وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعث في زمن الفصحاء والبلغاء فأتاهم بكتاب من الله عز وجل، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بسورة من مثله لم يستطيعوا أبدا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

وهكذا خاطب الله كل أمة بنقطة قوتها، والغاية من هذا تحقيق الإيمان.

مثلما ورد في الأثر للحسن البصري: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل. في عصر شيوع القلم هناك أصوات تنادي بالتحفظ حول الإعجاز العلمي العظيم حتى لا يضيع باجتهادات بشرية، ويُنزع عنه ثوب القداسة والتعظيم إلى رداء علم مادي صرف.

لكن ليس كل تفسير علمي يرتقي إلى رتبة الإعجاز، وكتم الإعجاز العلمي بالكلية وعلى إطلاقه هو من ضعف الفقه والعلم، ولا ينكره إلا غر مكابر، والحقيقة المطلقة أن القرآن دعانا إلى التفكر والتفكير والبحث.. قال تعالى (إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر) ذمه الله بسوء التقدير ولم يذمه بالتفكير؛ لأنه مفاتيح الخير والعلم والهدى والرشاد، ومحال أن القرآن يتناقض. والإعجاز هو أسلوب من روائع التفكير في القرآن والآيات والربط بين كتاب الله المفتوح «الكون» وكتاب الله المحفوظ «القران»، والفكر بداية النور والهدى.

مثلما لكل شيء بداية. فمثلا بداية الكتاب الفاتحة، وبداية الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم، بداية استهلال للتفكير والتعقل ومباركته، ولو تأملناها لألفيناها قد جمعت معاني الكتب السماوية السابقة في القرآن، ثم جمعت معاني القرآن في الفاتحة، ثم جمعت معاني الفاتحة في البسملة، وأول حرف الباء، ومن تأويله (بي يا الله ما كان وما يكون وما سيكون)، ونلاحظ أنها نقطة البداية ولكل نقطة نهاية نرجع لنقطة البداية، ونبتدئ من جديد لأنها مباركة وتصفية فكرية، قال تعالى (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها),

ومما يدور في الفكر أن الغرب بوسائله البحثية المتطورة من تكنولوجيا وتقنية لن يستطيع إماطة اللثام وحل كثير من الألغاز الكونية والعلمية، ما لم يتكامل في مجهوداته فيعرضها على علماء المسلمين، فتضيء الحقيقة كاملة من أسرار وسبق علمي مختزل في منهج القرآن والسنة، كيف لا والله سبحانه يقول (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، فمقتضى سنريهم تدل على الاستمرار، بالإضافة إلى أن الله حذرنا من افترائهم أحيانا بقوله تعالى (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا).

ولماذا نخفي الإعجاز العلمي في حياتنا العلمية والدعوية وقد أسلم لله الكثير من علماء الغرب من هذا الباب، لكن الصواب.

والأمر الذي لا يعاب هو تكليف جهابذة الأمة من العلماء وأهل الألباب والرصانة، ووضع قواعد من البنى المنهجية والضوابط الشرعية، كذلك الدمج بالأصول والمراجع العلمية القديمة والثابتة.