محمد الدوسري

في نهاية العام المنصرم الذي انقضى بكل ما فيه من خير وشر، لفت نظري وهالني -كمواطن بسيط جدًا- ما رأيتُ وسمعتُ وشاركتُ في بحث وقائع وتصرفات لا تليق بهذا الإنسان المعاصر في مجتمعنا، قد تم ارتكابها وبشكل متكرر دون رحمة.

ولأن من طبع الإنسان أن يسأل عن السبب ويستقصي العلل، ومن طبع العقل أن يتتبع الجزئيات ويجمع ما تشابه منها ليطلق عليه حكما عاما، فقد بحثتُ عن الأسباب، فوجدت أنه قد تمثلت أسباب تلك التصرفات والوقائع في إنهاء عقود المواطنين في كثير من الشركات والمؤسسات الخاصة والعامة عند نهاية 2021، وذلك تأسيسا على المادة 77 من نظام العمل، والتي تخول رب العمل أن يُنهي عقد أي موظف مهما كانت خدمته في طول زمنها أو كانت خدمته تتسم بالوفاء والأمانة والإخلاص.

وتلك السلطة المطلقة في إنهاء عقود الموظفين لا يُحدها حد ولا يُقيدها قيد، ما عدا أن يدفع لذلك الموظف مقابل راتب شهرين ثم يُسرحه في عالم المجهول، عالم البطالة، وهو عالم مخيف ومهين لما يتسم به من إشكالات، حيث إنه يتصف بعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي، وذلك هو المكون الحقيقي لأي اختلالات أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية. ولا شك أن عدم الاستقرار هو الوقود الحقيقي لمرض العصر، وهو ركوب موجة الإرهاب بمسميات ومصطلحات وأغراض كثيرة، وجميعها تدور حول حماية حوزة الدين، وإن فقد عصب الحياة الذي هو المال وهو غالبًا ما يكون مستمدًا من تلك الوظائف والأعمال التي يعمل بها أبناء هذا الوطن في مجالات شتى، لهو عنصر أساسي في جميع إشكاليات مرض العصر وهو الإرهاب.

بيد أن تلك المادة التي تم تسليطها على المواطنين العاملين في الشركات والمؤسسات العامة والخاصة ممن ينطبق عليها نظام العمل، كانت ولا تزال هي المحفز الرئيس لظاهرة البطالة، سواءً كانت البطالة بارزةً للعيان أم كانت مقنعةً ومخفية.

ذلك الفصل من العمل ينطبق على الشركات الخاصة والعامة، وذلك أن كثيرًا من شركات ومؤسسات القطاع العام أصبحت تجعل العلاقة بينها وبين موظفيها علاقة عمالية، وهي علاقة يحكمها نظام العمل كما هو منصوص عليه في المادة الخامسة (تسري أحكام هذا النظام على الآتي: كل عقد عمل يلتزم بمقتضاه أي شخص بالعمل لمصلحة صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه؛ مقابل أجر وعمال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة)، فكل عقد عمل تم إبرامه في المؤسسات والشركات العامة والخاصة إذا ما تحققت فيه صفة التبعية وسلطة الإشراف والرقابة فهو عقد عمل بغض النظر عن صفة رب العمل سواء كان يحمل الصفة الخاصة أم العامة.

إلا أن المؤسسات العامة التي هي تابعة للجهات الحكومية فإن أنظمتها عادة ما تنص على أن موظفيها ينطبق عليهم نظام العمل أو نظام التأمينات الاجتماعية، وهناك قاعدة في التمييز بين علاقة الموظف هل هي علاقة تنظيمية أم علاقة عمالية، فمن كان تعيينه بقرار إداري من قبل صاحب الصلاحية في الجهات الإدارية التابعة للحكومة، فإن تبعيته تصبح تنظيميةً، بمعنى أن نظام الخدمة المدنية هو الحاكم على تلك العلاقة بين الموظف وجهة الإدارة، أما إذا لم تكن العلاقة بين الموظف ومن يعمل لديه تنظيمية، فهي علاقة تحكمها عادة الرابطة العمالية التي تندرج تحت نطاق نظام العمل فتطبق عليه أحكامه وشروطه.

وكان نظام العمل السابق يُحد من سلطة الجهات التي تملك حق إنهاء العقود، وذلك بأن جعل للجهات القضائية حق التعويض العادل وحق إرجاع الموظف إلى عمله عندما يُكيف الجهات القضائية أن إنهاء عقد العامل أو الموظف كان إنهاءً تعسفيًا، وقد تم إساءة استعمال ذلك الحق.

بيد أن المادة 77 التي تنص على أنه (ما لم يتضمن العقد تعويضًا محدداً مقابل إنهائه من أحد الطرفين لسبب غير مشروع، يستحق الطرف المتضرر من إنهاء العقد تعويضًا على النحو الآتي: -1 أجر خمسة عشر يومًا عن كل سنة من سنوات خدمة العامل، إذا كان العقد غير محدد المدة، -2 أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة، 3- يجب ألا يقل التعويض المشار إليه في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة عن أجر العامل لمدة شهرين).

أصبحت تلك المادة سلطة مرعبة ومخيفة في أيدي الإدارات التنفيذية بالشركات الخاصة والعامة لإنهاء عقد أي موظف، فمن كان عقده محدد المدة أم كان عقده غير محدد المدة، فإن الشركات أصبحت تضع نصًا صريحا في أن الشركة لها الحق في إنهاء العقد، فإذا أنهت الشركة عقد أي موظف فإنه يستحق تعويضًا بمقدار شهرين فقط، وهذه المادة فيها مخالفة صريحة لما هو معمول به في أنظمة العمل المقارنة في حق العامل أو الموظف في أن له حق الرجوع للعمل إذا ما كان فصله تعسفيًا. وهذا الحق كذلك تم سلبه من القضاء الذي هو الملاذ الآمن لتحقيق العدالة، علما أن النظام السابق للعمل كان يُعطي حق إرجاع العامل لعمله لسلطة الجهات القضائية، وهذا الحق تم سلبه، فأصبحت الجهات القضائية مقيدة فقط بالتعويض المالي بمقدار شهرين، وذلك أن الفقرة الثالثة من المادة السابعة والسبعين قد نصت على الحد الأدنى من التعويض. وهذه الفقرة فتحت الباب على مصراعيه للشركات والمؤسسات العامة والخاصة إذا ما أرادت التخلص من أي موظف كان عقده عقدًا عماليًا ولن تخشى أي سلطة يمكن أن تُساند هذا العامل والموظف المغلوب على أمره في أن يتم إرجاعه للعمل أو مناقشة حقيقة الأسباب المنهية لتلك العلاقة العمالية.

فهذه المادة تحتاج إلى إعادة نظر من أجل مصلحة هذا الوطن العليا وخصوصًا أن هناك شركات عديدة وبشكل كبير قد تمكن فيها غير السعوديين في الوظائف القيادية التي يتم فيها اتخاذ قرارات إنهاء عقود الموظفين.

وهذه إشكالية واضحة لنا فيما عملنا فيه من شركات، فأصبح الموظفون السعوديون أبناء هذا الوطن تحت رحمة القيادات التنفيذية الأجنبية، وهذا يُشكل خطرا كبيرا على استقرار وأمن هذا الوطن، وخصوصا أن كثيرا من أبناء هذا الوطن لديهم القدرة في أن يكونوا فداءً له، لذا فإن النظر لهذه المادة المربكة لأمن واستقرار هذا الوطن أصبح أمرا ملحا وضروريا.