غسان كنفاني

العالم المتمدن يواجه الآن ـ على رأي «الهيرالد تريبيون» في شباط الماضي - المعضلة التالية:

هل أنت مع أكياس البلاستيك، أم ضدها؟

هذا سؤال مهم للغاية، على الأقل بالنسبة إلى الصحف الأمريكية، لأنه تتوقف على الإجابة عليه مسألة حياة أو موت!

منذ أن بدأ الناس يتخلصون من النفايات بواسطة وضعها في أكياس من البلاستيك، واجهت القطط مشكلة عويصة: فلا هي تستطيع أن تفتح هذه الأكياس لتناول غذائها، ولا هي تستطيع إقناع ربات البيوت بأن يواصلن تلك العادة السيئة، ولكن الممتازة بالنسبة إلى عادة الولاء لتنكة الزبالة، ولبرميل النفايات، ولقذف البقايا من الشبابيك، وما يماثل هذه التكنولوجيا من أساليب تؤدي بصورة مباشرة إلى نشر الازدهار الغذائي في القطط، وهي عالم القطط.

ستری أنصار القطط يقولون إن أكياس البلاستيك ستؤدي إلى نتائج مهمة، رغم أن المسألة تبدو عديمة الأهمية لأول وهلة.

في الحقيقة فإن القطط ستواجه حالة من المجاعة، مما يؤدي إلى إضعاف بنيتها وإصابتها بأمراض. فإذا تركنا الجانب الأخلاقي من هذه المسألة، أن ضعف البنية هذا سيؤدي إلى عجز القطط عن مقاومة حيوانات وحشرات أقل فائدة للجنس البشري، مثل الفئران والصراصير والخنافس وإلى ما هنالك.

يرد أنصار أكياس البلاستيك على هذه التخرصات فيقولون: على العكس تماما! إنّ القطط، وقد أصبحت تواجه مشكلة إزاء الحصول على غذائها الملفوف في أكياس البلاستيك، ستتخلص من كثير من العادات السيئة التي تعلمتها في عصور الازدهار، وهي عادات من عدم الاكتراث بفأرة عابرة، أو النظر بلامبالاة إلى صرصار، وستندفع، نتيجة ذلك، إلى مستوى أكثر تقدما في فتكها بهذه الحيوانات والحشرات الضارة...

إن أحدا لم يكلف نفسه، بالطبع، عناء الدفاع عن وجهة نظر في هذا الجدل الخطير.

وهكذا، فإن الصراع المحتدم على الصفحة الأولى في جريدة «هيرالد تريبيون» حول بقاء أو عدم بقاء كيس البلاستيك، يجري تحويله كعادة الرأسمالية ـ إلى صراع بين القطط والفئران! فأين كنا، وأين صرنا؟، وعلى العكس فقد اتخذت هذه الصحيفة موقفا من هذه المسألة عندما قررت: «أنّ الكثير من سكان روما يرون أن شهية القطط للفئران ستصبح أكبر وأشد، إذا ما حيل بين القطط وبين إطعامها، أو وصولها إلى المزابل».

منذ زمان بعيد كان كل صحافي يسافر إلى أمريكا يرجع ويفقع مقالًا يبدأه بالعبارة التالية: «إنّ مزابل نيويورك وحدها، ببقايا الأطعمة التي ترمى إليها كل يوم، تستطيع إطعام نصف العالم الجائع على الأقل»... وقلة قليلة استطاعت أن ترى أنه لا ضرورة للدوران حول نصف الكرة الأرضية لتصريف مزبلة نيويورك، فثمة في الولايات المتحدة مئات الألوف من البشر يعيشون في حالة نصف مجاعة، رغم أنف الباسبور الذي يحملونه..

ذلك، فإن الذي يقف عائقا بين الجائع والمتخم، في هذا العالم، ليس كيس البلاستيك، بل أصحاب مفاتيح البنوك التي تمول الأستاذ الذي يفتح مصنع أكياس البلاستيك المشار إليها.

من يوم أن قرأت ذلك الخبر في «الهيرالد تريبيون»، وأنا أنظر إلى أكياس البلاستيك اقتحمت حياتنا على كل المستويات، وأقول لنفسي: «آه يا فارس! لم تفكر في أي يـوم مـن الأيـام بقضيـة هـذا الكيس فيا أيتها الأكياس، كـم مـن الـجـرائـم تـرتـكـب باسمك!».

هذا العالم بين الجياع وبين المتخمين، راحت ـ بمعرفة البيت الأبيض - تنقل ذلك التناقض لتفجره بين الجائعين أنفسهم.

قال شو؟ قال أكياس بلاستيك، وقطط، وشهية!

1972*

* كاتب وروائي فلسطيني «1936 - 1972»