يبدو أن الرصيد الداخلي والدولي للسياسات الإيرانية المتخبطة في تدهور مستمر، حيث سجل المؤشر الإخباري خلال
يبدو أن الرصيد الداخلي والدولي للسياسات الإيرانية المتخبطة في تدهور مستمر، حيث سجل المؤشر الإخباري خلال الأسبوعين الماضيين حادثتين مهمتين لم تمرا مرور الكرام على المشهد السياسي الإقليمي والدولي؛ الأولى داخلية وقد حصلت خلال مباراة كرة قدم بين فريقين إيرانيين أحدهما ينتمي لإقليم أذربيجان ذي الأغلبية التركية شمال إيران، حيث هتفت الجماهير ذات القومية الأذرية بـالخليج العربي بدلاً من التسمية الإيرانية المعروفة: الخليج الفارسي.
أما الحادثة الثانية فهي تهديد الخارجية الإيرانية بمقاضاة شركة (جوجل) لحذفها مسمى الخليج الذي يفصل إيران عن شبه الجزيرة العربية من خرائطها، حيث يختلف العرب والفرس على التسمية، فبينما تصر إيران على تسميته بالخليج الفارسي تعتمد الدول العربية تسميته بـالخليج العربي، ونتيجة لهذا الموقف أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن التكنولوجيا الحديثة تستخدم اليوم بالمسائل السياسية وهي من الإجراءات الجديدة التي يستخدمها الأعداء ضد إيران.
وسبق للأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية أن وصف تسمية الخليج الفارسي بأنها ضحك على التاريخ لأن الوجود العربي على الساحل الشرقي للخليج العربي مستمر ومثبت تاريخياً منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام فيما الوجود الفارسي هناك مستحدث لا يعود لأكثر من الدولة الصفوية، أي منذ حوالي خمسة قرون.
وتنوه موسوعة (Wikipedia) الإلكترونية في مقالة بعنوان الخليج العربي إلى أنه نتيجة للتخريب فقد تم تعطيل القدرة على تحرير الصفحة للمستخدمين الجدد أَو المجهولين بصورة مؤقتة، إذ يبدو أنه تخريب إيراني متعمد بسبب هذه التسمية، مشيرة إلى أن الساحل العربي للخليج أطول من الساحل الإيراني بأكثر من ألف كيلومتر، وتؤكد الموسوعة أن تسمية الخليج العربي معتمدة في كافة البلدان والمنظمات العربية، وتعتمدها الأمم المتحدة في محاضرها ومراسلاتها باللغة العربية.
ولتأكيد الاختلاف في التسمية تشير الموسوعة إلى أن تركيا في العصر الحالي الآن والعثماني سابقاً تطلق اسم خليج البصرة بينما تستعمل بقية دول العالم تسمية الخليج الفارسي نقلاً عن المصادر الغربية، وتعرض الموسوعة خارطة قديمة نُشرت عام 1634 للميلاد في الأطلس الصغير الذي يظهر فيه الخليج وقد كتب عليه باللاتينية اسم الخليج العربي.
إذاً كلتا التسميتين موجودة في قلب التاريخ، وكل واحدة لا تعني بطبيعة الحال كل ضفاف الخليج، فقد جاءت التسمية الفارسية نتيجة الوجود الإيراني على الضفة الشرقية للخليج، وجاءت تسمية الخليج بـ(العربي) نتيجة وجود عدة دول عربية على ضفته الغربية، بغض النظر عن الخرائط الأجنبية التي تعتمد كلمة الفارسي في التسمية، إلا أنه من المستحيل أن تبقى الأمور على حالها كمجرد خلاف في ظل التصعيد الذي تتبعه إيران اليوم، وهي تحتل ثلاث جزر تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
إن تسمية الخليج من الجهتين تثير اختلافاً محموماً لا يمكن حله توافقياً في ظل التصعيد والاختلاف السياسي والإيديولوجي، فظهور تسمية الخليج الفارسي في الوثائق والخرائط الإيرانية أمر طبيعي وهذا أمر من الصعب تغييره، ولذلك يفترض أن تقبل إيران أيضاً بالتسمية العربية للخليج ولا تحاول فرض رؤيتها على الدول والمنظمات والجهات الأخرى التي ترغب بوصف الخليج بأنه عربي؛ فالدول الممتدة على الضفة الغربية للخليج تتمسك بحقها في التسمية لاعتبارات تاريخية وسياسية وجغرافية وقومية.
ورغم الجدال بين الدول العربية وإيران حول التسمية، إلا أن السبب ليس التسمية بحد ذاتها، ولا حتى استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، التي كانت تحتلها زمن الشاه أيضاً، حيث لم يظهر التصعيد السياسي والمذهبي بهذا الشكل إلا بعد ارتقاء الملالي للحكم في إيران بعد الثورة الخمينية عام 1979، وبات التوتر مسيطرا على العلاقات العربية الإيرانية، بل هي أكثر تأزماً كلما تقدم بها الوقت بفعل الأحداث السياسية المتلاحقة التي لم تبد خلالها إيران نية حسنة تجاه الدول العربية إلا في فترات ابتعاد المحافظين الإيرانيين عن الساحة السياسية الإيرانية، ووجود معتدلين أمثال هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، وخاصة أن العلاقات التاريخية لم تكن بهذا السوء الذي هي عليه اليوم بعد الثورة الخمينية.
وأستطيع التأكيد أن تسمية الخليج ستؤول إلى خلاف هامشي جداً لو أبدت السياسة الإيرانية نية صافية في مد اليد لفتح صفحة جديدة بينها والدول العربية-ولا سيما دول مجلس التعاون- وإلا فإن موقعتي ذي قار والقادسية ستكونان حاضرتان بقوة في المخيال السياسي والمذهبي وهذا ما يجعل استمرار تفاقم أزمة العلاقات أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه ولا إصلاحه، وخاصة وسط موجة تطرف ديني تعج بالكراهية من المذهبين، وهذا ما قد يعصف أكثر بالمجتمعات في الجانين العربي والإيراني.