المتشددون الذين يبدون طاعة مطلقة للمرشد الأعلى خامنئي يرغبون في تشكيل حكومة راديكالية بعد انتهاء فترة ولاية نجاد الرئاسية. هم يعتقدون أن أحمدي نجاد لم يكن قويا ومحافظا بما فيه الكفاية. من يستطيع أن يرضيهم إذا؟

ربما يكون عام 2012/2013 من أهم السنوات الانتخابية في العالم منذ عقود. بعض الحكام الدكتاتوريين تمت الإطاحة بهم في بعض الدول، وهناك انتخابات ديموقراطية لاختيار رؤساء جدد في بعض الدول الأخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة وإيران. من المثير للاهتمام أن بعض الانتخابات لها تأثير على الصعيد الدولي. وفيما لا يزال الرئيس الأميركي يمتلك فرصة للفوز بدورة انتخابية ثانية والعودة إلى البيت البيض، خسر الرئيس ساركوزي الرهان أمام منافسه الاشتراكي الذي يعتبر أول رئيس اشتراكي يدخل الأليزيه منذ حوالي 20 عام. وفي روسيا، عاد فلاديمير بوتين مرة أخرى إلى الكرملين بعد أن خدم فترة كرئيس للوزراء.
بعض هؤلاء الزعماء، مثل بوتين، لديهم تاريخ يبين كيف سيقودون بلادهم في السنوات القادمة، أما البعض الآخر، مثل الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند، فمن المبكر الحكم عليهم. عودة بوتين إلى الكرملين سوف تجعل دولا مثل إيران وسورية تشعر بالراحة، لكن الانتخابات الأكثر أهمية بالتأكيد هي الانتخابات الأميركية القادمة التي يتنافس فيها الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما مع المرشح الجمهوري ميت رومني.
أما الانتخابات الرئاسية في إيران فيتوقع أن تكون مختلفة عن غيرها، حيث إنها قد تأتي برئيس متطرف أو ـ في حال إحداث تعديلات دستورية كما يتحدث البعض ـ قد يتولى الحكم رئيس وزراء بدلا من رئيس جمهورية. الرئيس الذي يتوقع أن تنتجه الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران قد يجعل الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد يبدو ليبراليا في نظرته للعلاقة مع الدول الغربية.
الخوف هو أن تقع إيران في أيدي التيار المتشدد، الأمر الذي قد يؤدي إلى عزلها عن المجتمع الدولي بشكل أكبر. الانتخابات التشريعية في إيران انتهت لتوها، وسيبدأ البرلمان الجديد مهماته بشكل منتظم خلال أسابيع من الآن، وعند ذلك سنتمكن من معرفة مواقف وتوجهات الأعضاء الجدد الذين يدخلون البرلمان للمرة الأولى من خلال الاصطفاف السياسي الذي سيتبلور خلال فترة وجيزة. لكن من الواضح أن الأغلبية التي فازت بمقاعد البرلمان هم من مؤيدي المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي. وقد أعلن خامنئي عن تأييده لإلغاء الانتخابات الرئاسية المكلفة في إيران والاستعاضة عنها بمنصب رئيس الوزراء الذي يمكن اختياره بسهولة من قبل البرلمان الإيراني. المرشد الأعلى وجد أن الانتخابات الرئاسية معقدة ومثيرة للجدل، ولذلك فإن من الواضح أن لديه خططا لإلغاء هذه الانتخابات بشكل نهائي.
حتى لو لم يتمكن المرشد الأعلى من تطبيق خطته هذه المرة فإن نتائج الانتخابات البرلمانية تظهر بوضوح أن المتشددين تغلبوا على الإصلاحيين والمحافظين الأقل تشددا مثل أحمدي نجاد نفسه. بالنسبة لكثير من الإيرانيين فإن العقوبات تزيد حياة الناس العاديين بؤسا وصعوبة في الوقت الذي تساعد فيه الحكومة على زيادة سلطتها وتطبيق إجراءات أشد بحق المواطنين. العقوبات على الاقتصاد الإيراني أنتجت جيلا جديدا من المتشددين الذين يعتقدون أن العقوبات تم وضعها لتغيير النظام. المتشددون يشكلون خطرا حقيقيا على الشعب الإيراني أكثر من التهديد النووي الذي يشعر العالم بالقلق منه.
هؤلاء المتشددون الذين يبدون طاعة مطلقة للمرشد الأعلى خامنئي يرغبون في تشكيل حكومة راديكالية تحل محل أحمدي نجاد وحكومته بعد انتهاء فترة ولايته الرئاسية. هم يعتقدون أن أحمدي نجاد لم يكن قويا ومحافظا بما فيه الكفاية. من يستطيع أن يرضيهم إذا؟ ليس من الواضح من يرغب في دخول المنافسة على الرئاسة في الانتخابات القادمة في إيران، لكن من المؤكد أنه إذا وصل شخص من المتشددين المقربين من خامنئي إلى الرئاسة فإن الناس سوف يتذكرون أحمدي نجاد على أنه معتدل.
وبالعودة إلى فرنسا، فإن وصول الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند إلى قصر الأليزيه سوف يعيد على الأغلب تشكيل السياسة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط. المراقبون الذي يعرفون شخصية وفكر الرئيس الفرنسي الجديد يتوقعون أن يكون تركيزه الأساسي هو على شعبه وعلى الاقتصاد الفرنسي بالدرجة الأولى، لذلك فإن من المستبعد أن يزج فرنسا في أي حرب جديدة. لقد وعد هولاند بسحب القوات الفرنسية من أفغانستان بشكل مبكر. وبالمقارنة مع الرئيس السابق ساركوزي الذي كان ينتهج سياسة معادية لإيران ويولي اهتماما كبيرا بالسياسة الخارجية، قد يكون الرئيس الفرنسي الجديد أكثر اهتماما بالشأن الداخلي منه بالشأن الدولي في السنة الأولى من انتخابه على الأقل. هذا الأمر سيجعل أحمدي نجاد يشعر بالراحة في آخر سنة له كرئيس للجمهورية الإسلامية.
إن المستقبل الغامض لإيران على المدى القريب قد يتضح عندما يتبين الفائز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة. هناك قضايا كثيرة تتعلق بالتطورات السياسية القادمة في إيران، وعلى رأسها مسألة الإصلاح والعلاقات مع دول الجوار وباقي دول العالم والوضع الاقتصادي والمعيشي للشعب الإيراني الذي يعاني من ضغوط كبيرة بسبب الحصار الاقتصادي.
كل هذه القضايا ستبقى عالقة لمدة عام آخر بانتظار استكمال الانتخابات في الولايات المتحدة وإيران وربما بعض الدول الأخرى.. فهل يستطيع العالم أن ينتظر عاما آخر؟