بقراءة تاريخ جماعة الإخوان المسلمين «الإرهابية»، سيتضح للمرء أنها لا يمكن أن تكون عنصراً طبيعياً يشابه غيره من الأحزاب أو التكتلات السياسية، التي تتبنى برنامجاً تستطيع من خلاله المنافسة على السلطة، وبالتالي المشاركة في الحكم، بل هي بمثابة صداع دائم منذ تأسيسها على يد حسن البنا في عشرينيات القرن الماضي.
ومنذ تلك الحقبة التاريخية وإلى الآن، يصارع فلول الإخوان المسلمين «الإرهابية» من أجل البقاء، تارةً بالتطرف، وأخرى بادعاء المظلومية. واليوم يرى قادة التنظيم الدولي، أن تشكيلهم ومنهجيتهم السياسية، ذهبت ضحية تكالب بعض العواصم لا سيما العربية، وهذا بالمجمل غير صحيح، إذا ما أخذنا بالاعتبار العوامل التي أسهمت في تدني مستوى الشعبية، على رأسها عدم الإيمان، بأي مشروع تقدُمي تتبناه الجماعة، ويضعها على خارطة المشهد السياسي لأي دولة.
من الواضح تجاهل القيادات للانقسام الذي تعيشه ليبيا، نظير قتال أحد أجنحة التنظيم للبقاء في الحياة السياسية الليبية، والخسارة التي مُني بها فرعه في تونس الممثل بحركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي، وفي المغرب، أخيراً، من خلال الحيلولة دون عودة حزب العدالة والتنمية المحسوب على «الإخوان المسلمين» بقيادة عبد الإله بن كيران، وقبل ذلك سقوطهم المدوي في مصر، ولا ترغب– قيادات الصف الأول– اعتبار ذلك ضمن دلائل لفظ الرأي العام العربي للجماعة، نتيجة إفلاس المشروع الذي تحمل رايته، كونه يخدم مشروعها الخاص، وليس برنامجاً وطنياً من شأنه خدمة الصالح العام. وعلى هذا الأساس تتعالى الجماعة، على حالة الكراهية تجاه نمطها السياسي، الناتج عن انقلاب رموزها وقياداتها على دولهم، بعد إزاحتهم من المشهد بسبب فشلهم في السياسة، عقب أن منحتهم حالة المخاض العسيرة التي عاشتها «ديمقراطيات» العالم العربي، إبان ما يسمى «الربيع العربي»، فرصة تولي الحكم في عدد من الدول العربية. وقد كشفت السنوات الماضية المستور، وانجلت العدائية السياسية التي تشكلها لأي حالة استقرار في العالم العربي، وكانت مصر الدولة الأكثر من حيث مساهمتها في انفضاح حالة البغضاء، التي لعب على وترها التنظيم الدولي، عقب سقوطه سياسياً. لكن اللافت في الأمر، هو الاستمرارية التي يعيشها الإخوان المسلمون، التي تحتاج لعديد من العوامل، على رأسها العامل المالي. وهذا المجال يقود لطرح سؤالٍ بديهي، حول المصدر الذي استطاعت من خلاله توفير الغطاء المالي لها وللمؤيدين ممن تم استقطابهم لتحويلهم لمنصات ضد دولهم، في الحقيقة لا أعلم. إلا أني أدرك أن من يتصور قيام واستمرار، تكتل دولي بهذا الحجم والإرث التاريخي، على تمويل المُحسنين، والمتحمسين والمؤيدين، من دون النظر لاستثمار تلك الأموال، هو إما وأهم، أو ساذج، أو في خانة أخرى من الحياة الطبيعية.
إذن فالمساحة للبحث عن مجالات «الاستثمارات الإخوانية» مفتوحة للجميع. ومن هذا الباب أرى مشروعية ربط عمليات استثمار وتدوير الأموال من قبل الجماعة، بالقرار الصادر عن الحكومة التركية، مؤخراً، القاضي بمنع التحويلات المالية من بنوكها، التي طالما عمدت قيادات التنظيم على تمريرها، لتغذية التابعين، كانوا في مصر أو في تونس أو في غير دولة؛ وهو القرار المقرون بوقف تجنيس أعضاء التنظيم، وقبل ذلك إغلاق مكاتب الجماعة في إسطنبول، ومنعها من عقد اجتماعات غير مصرحة. والسؤال الأكثر جدارة، هو كيف أيقنت الحكومة التركية بالخسارة الحتمية لمشروع الجماعة؟ لعدة أسباب: أهمها أن ميزان الخسارة رجح بكفته على الربح في التعاطي مع هذا التنظيم.
ثم إن صانع القرار التركي استدرك، أن استمرار الخصومة مع دول كبرى مؤثرة في المنطقة كمصر، على حساب جماعة تعاني من عدم قبول في الرأي العام العربي، ليس من السياسة في شيء، وأنه رهانٌ خاسر لا محالة.
وعلى المستوى الاستراتيجي، فإن احتضان قيادات الجماعة قبل ثماني سنوات، أجهض المعادلة التي تبناها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بداية حكمه، التي تقوم على قاعدة «صفر مشاكل» مع دول العالم لا سيما دول الجوار.
أتصور أن الإخوان المسلمين مارسوا نوعاً من «تغييب الوعي» بحق شعوب وحكومات «على رأسها الحكومة التركية»، وهذا ما دفع أنقرة لدعمهم بالمطلق، لسنوات عديدة، حتى جاء الوقت لرفع الغطاء عنهم؛ ما تسبب حسب ما يتضح بحالة من التخبط بات يعانيها التنظيم برُمته، وفقاً لما يشير له ما يتردد حول نشوب خلافات عميقة بين الصف الأول من القيادات، والثاني الذي يمثله شباب من المغرر بهم. وللمتابع الدقيق لهذا الملف، أن يلمس حتى ولو بالإيحاء البعيد، نوعاً من تخلي الرموز عمن كانوا يمثلون جبهةً مضادة وتصدروا المشهد الإعلامي، بعد تبخر مشروعهم العميق في مصر، وتونس، وبعض الشيء في المملكة المغربية.
فتخلي القيادات عن «المرتزقة»، بعد أن أجبرتهم الاستخبارات التركية على وقف الهجمات الإعلامية ضد مصر، عقب قول المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جليك الشهر ما قبل الماضي، أن حجم التبادل التجاري بين بلاده والقاهرة، تخطى حاجز 4 مليارات دولار، كان محتوماً، وذلك نتيجة رسالة أكدت أن أنقرة حسمت أمرها بالتخلي عن ثُلة من «الشرذمة»، على حساب عودة المياه لمجاريها مع مصر. يحق لي بعد الإسهاب بالحديث عن هذه الجماعة المارقة، التباهي بأن بلادي السعودية فهمت الموقف مبكراً، ووضعتها على قوائم الإرهاب ولحق بها عدد من الدول الخليجية والعربية، ليس من باب البحث عن خصوم، فالجماعة أقل وأدنى، إنما ثمة ما يمكن اعتباره «استشراف المستقبل».
لك أن تتخيل يا صديقي، وجود عناصر من هذه الجماعة التي تستظل تحت تنظيم دولي تحكمه قوانين وأعراف وعملية انضباطية، بالتزامن مع التحديث والتطوير الذي تقوم به الرياض، وشمل كل تفاصيل الحياة في السعودية، كيف سيكون شكل الدولة؟ حتماً ليس كما أنتظر، وتتمنى.
لذا وجب وضعهم في الخانة التي يستحقونها، فمنهجيتهم لا مكان لها إلا صفحات الماضي، ولا محل لرموزهم إلا وراء القضبان.
وأنا وأنت.. آن لنا الاستمتاع بمشاهدة صراع الفيلة الذي نشب بينهم،حتى ينفقوا واحداً بعد آخر.
مع السلامة.
ومنذ تلك الحقبة التاريخية وإلى الآن، يصارع فلول الإخوان المسلمين «الإرهابية» من أجل البقاء، تارةً بالتطرف، وأخرى بادعاء المظلومية. واليوم يرى قادة التنظيم الدولي، أن تشكيلهم ومنهجيتهم السياسية، ذهبت ضحية تكالب بعض العواصم لا سيما العربية، وهذا بالمجمل غير صحيح، إذا ما أخذنا بالاعتبار العوامل التي أسهمت في تدني مستوى الشعبية، على رأسها عدم الإيمان، بأي مشروع تقدُمي تتبناه الجماعة، ويضعها على خارطة المشهد السياسي لأي دولة.
من الواضح تجاهل القيادات للانقسام الذي تعيشه ليبيا، نظير قتال أحد أجنحة التنظيم للبقاء في الحياة السياسية الليبية، والخسارة التي مُني بها فرعه في تونس الممثل بحركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي، وفي المغرب، أخيراً، من خلال الحيلولة دون عودة حزب العدالة والتنمية المحسوب على «الإخوان المسلمين» بقيادة عبد الإله بن كيران، وقبل ذلك سقوطهم المدوي في مصر، ولا ترغب– قيادات الصف الأول– اعتبار ذلك ضمن دلائل لفظ الرأي العام العربي للجماعة، نتيجة إفلاس المشروع الذي تحمل رايته، كونه يخدم مشروعها الخاص، وليس برنامجاً وطنياً من شأنه خدمة الصالح العام. وعلى هذا الأساس تتعالى الجماعة، على حالة الكراهية تجاه نمطها السياسي، الناتج عن انقلاب رموزها وقياداتها على دولهم، بعد إزاحتهم من المشهد بسبب فشلهم في السياسة، عقب أن منحتهم حالة المخاض العسيرة التي عاشتها «ديمقراطيات» العالم العربي، إبان ما يسمى «الربيع العربي»، فرصة تولي الحكم في عدد من الدول العربية. وقد كشفت السنوات الماضية المستور، وانجلت العدائية السياسية التي تشكلها لأي حالة استقرار في العالم العربي، وكانت مصر الدولة الأكثر من حيث مساهمتها في انفضاح حالة البغضاء، التي لعب على وترها التنظيم الدولي، عقب سقوطه سياسياً. لكن اللافت في الأمر، هو الاستمرارية التي يعيشها الإخوان المسلمون، التي تحتاج لعديد من العوامل، على رأسها العامل المالي. وهذا المجال يقود لطرح سؤالٍ بديهي، حول المصدر الذي استطاعت من خلاله توفير الغطاء المالي لها وللمؤيدين ممن تم استقطابهم لتحويلهم لمنصات ضد دولهم، في الحقيقة لا أعلم. إلا أني أدرك أن من يتصور قيام واستمرار، تكتل دولي بهذا الحجم والإرث التاريخي، على تمويل المُحسنين، والمتحمسين والمؤيدين، من دون النظر لاستثمار تلك الأموال، هو إما وأهم، أو ساذج، أو في خانة أخرى من الحياة الطبيعية.
إذن فالمساحة للبحث عن مجالات «الاستثمارات الإخوانية» مفتوحة للجميع. ومن هذا الباب أرى مشروعية ربط عمليات استثمار وتدوير الأموال من قبل الجماعة، بالقرار الصادر عن الحكومة التركية، مؤخراً، القاضي بمنع التحويلات المالية من بنوكها، التي طالما عمدت قيادات التنظيم على تمريرها، لتغذية التابعين، كانوا في مصر أو في تونس أو في غير دولة؛ وهو القرار المقرون بوقف تجنيس أعضاء التنظيم، وقبل ذلك إغلاق مكاتب الجماعة في إسطنبول، ومنعها من عقد اجتماعات غير مصرحة. والسؤال الأكثر جدارة، هو كيف أيقنت الحكومة التركية بالخسارة الحتمية لمشروع الجماعة؟ لعدة أسباب: أهمها أن ميزان الخسارة رجح بكفته على الربح في التعاطي مع هذا التنظيم.
ثم إن صانع القرار التركي استدرك، أن استمرار الخصومة مع دول كبرى مؤثرة في المنطقة كمصر، على حساب جماعة تعاني من عدم قبول في الرأي العام العربي، ليس من السياسة في شيء، وأنه رهانٌ خاسر لا محالة.
وعلى المستوى الاستراتيجي، فإن احتضان قيادات الجماعة قبل ثماني سنوات، أجهض المعادلة التي تبناها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بداية حكمه، التي تقوم على قاعدة «صفر مشاكل» مع دول العالم لا سيما دول الجوار.
أتصور أن الإخوان المسلمين مارسوا نوعاً من «تغييب الوعي» بحق شعوب وحكومات «على رأسها الحكومة التركية»، وهذا ما دفع أنقرة لدعمهم بالمطلق، لسنوات عديدة، حتى جاء الوقت لرفع الغطاء عنهم؛ ما تسبب حسب ما يتضح بحالة من التخبط بات يعانيها التنظيم برُمته، وفقاً لما يشير له ما يتردد حول نشوب خلافات عميقة بين الصف الأول من القيادات، والثاني الذي يمثله شباب من المغرر بهم. وللمتابع الدقيق لهذا الملف، أن يلمس حتى ولو بالإيحاء البعيد، نوعاً من تخلي الرموز عمن كانوا يمثلون جبهةً مضادة وتصدروا المشهد الإعلامي، بعد تبخر مشروعهم العميق في مصر، وتونس، وبعض الشيء في المملكة المغربية.
فتخلي القيادات عن «المرتزقة»، بعد أن أجبرتهم الاستخبارات التركية على وقف الهجمات الإعلامية ضد مصر، عقب قول المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جليك الشهر ما قبل الماضي، أن حجم التبادل التجاري بين بلاده والقاهرة، تخطى حاجز 4 مليارات دولار، كان محتوماً، وذلك نتيجة رسالة أكدت أن أنقرة حسمت أمرها بالتخلي عن ثُلة من «الشرذمة»، على حساب عودة المياه لمجاريها مع مصر. يحق لي بعد الإسهاب بالحديث عن هذه الجماعة المارقة، التباهي بأن بلادي السعودية فهمت الموقف مبكراً، ووضعتها على قوائم الإرهاب ولحق بها عدد من الدول الخليجية والعربية، ليس من باب البحث عن خصوم، فالجماعة أقل وأدنى، إنما ثمة ما يمكن اعتباره «استشراف المستقبل».
لك أن تتخيل يا صديقي، وجود عناصر من هذه الجماعة التي تستظل تحت تنظيم دولي تحكمه قوانين وأعراف وعملية انضباطية، بالتزامن مع التحديث والتطوير الذي تقوم به الرياض، وشمل كل تفاصيل الحياة في السعودية، كيف سيكون شكل الدولة؟ حتماً ليس كما أنتظر، وتتمنى.
لذا وجب وضعهم في الخانة التي يستحقونها، فمنهجيتهم لا مكان لها إلا صفحات الماضي، ولا محل لرموزهم إلا وراء القضبان.
وأنا وأنت.. آن لنا الاستمتاع بمشاهدة صراع الفيلة الذي نشب بينهم،حتى ينفقوا واحداً بعد آخر.
مع السلامة.