معارضو الرئيس كرزاي الذين حاربوا مع قوات تحالف الشمال خلال فترة قيادة مسعود يعرفون مدى خطورة العمليات العسكرية للمتمردين في هذه المدينة. قال لي أحد عناصر تحالف الشمال 'إذا سقط الشمال، فسيضيع البلد كله معه'
في منتصف ليلة الخميس 1 يوليو، كسرت أصوات إطلاق نار كثيف صمت حي وزير أكبر خان، واندفعت أنا وباقي السكان خارج المنزل لنرى ماذا كان يجري. حي وزير أكبر خان له قيمة كبيرة ووضع خاص. فقد بني هذا الحي خلال فترة حكم آخر شاه حكم أفغانستان، زاهر شاه، ويقيم فيه أبناء الطبقة المثقفة والغنية من أهالي العاصمة الأفغانية كابول، ويتمتع بوجود بعض الحدائق القليلة التي لا يزال بالإمكان العثور عليها في كابول. هذا الحي الذي نجا من الحرب الأهلية والاضطرابات المختلفة الأخرى مبني على الطريقة الغربية وتقطنه بعض الأسر الأفغانية العريقة بالإضافة إلى بعض المستأجرين الأجانب الذين يأتون إلى كابول لأسباب متفرقة.
ويوجد حي آخر للعائلات الغنية بني منذ حوالي سنتين فقط، واسمه حي شير بور، وهو محمي بشكل مكثف لأنه يحوي منازل زعماء حرب سابقين وتجار مخدرات وبعض محدثي النعمة الذين جمعوا ثرواتهم بطرق مختلفة. لكن وجود السفارات الأجنبية وعدد من المنظمات غير الحكومية ومندوبي الصحافة وأجهزة الإعلام من شتى أنحاء العالم في حي وزير أكبر خان جعل هذا الحي منطقة آمنة ومرغوبة للسكن، وهو شبيه إلى حد ما بـالمنطقة الخضراء في بغداد.
عندما خرجنا أمام المنزل، قال لنا أحد الموجودين إن مسلحا كان يركب سيارة تنطلق مسرعة خلف سيارة أخرى أطلق النار عدة مرات من بندقية كلاشنكوف كان يحملها. أحد الجيران الآخرين، الذين خرجوا وهم يرتدون ملابس النوم ليروا ما كان يحدث، قال لي بصوت هامس إنهم خاطفون.
في كابول، هناك نوعان من الخوف يتنافسان في صدور الناس: الخوف من المفجرين الانتحاريين الذين ترسلهم حركة طالبان والخوف من عصابات الخطف. كوابيس الخاطفين تجعل حياة الأثرياء في أفغانستان بائسة، لكنها تجعل عمل الشركات الأمنية الخاصة ينتعش ويزدهر. في كل يوم أشاهد جاري الثري يغادر منزله ليركب في سيارة مدرعة ويذهب إلى عمله، فيما تتبع السيارة شاحنة على متنها مجموعة من الرجال المسلحين الذين يرتدون سترات واقية من الرصاص. وبالطبع فإن ذلك ليس خدمة مجانية، فالشركة الأمنية الخاصة التي تتولى حماية هذا الرجل تقبض منه 500 دولار عن كل رجل أمن في مجموعة الحماية شهريا، لكن رجل الأمن يستلم نصف هذا المبلغ فقط فيما يذهب النصف الثاني لتغطية مصاريف إدارية وأرباح للشركة. هؤلاء الحراس تلقوا تدريبات خاصة ولديهم رخصة لإطلاق النار والقتل في حال تعرض الشخص الذي يقومون بحمايته للخطر.
إن نظرة واقعية إلى الظروف تبين أن الشرطة الأفغانية الرسمية لن تتمكن خلال العام القادم، ولا في السنوات القليلة القادمة ربما، من توفير الخدمات الأمنية اللازمة في كابول. لكن هذا الوضع الفوضوي قد يكون مفيدا بالنسبة لبعض الأشخاص الفاسدين في الحكومة الأفغانية وشركائهم من رجال الأعمال، وهو يخدم مصالحهم بشكل جيد.
لكن هناك شعورا قويا بأن الولايات المتحدة تتجه نحو سياسة جديدة بعد إزاحة الجنرال ماكريستال من منصبه واستبداله بالجنرال بترايوس. يتوقع الجنرال دافيد بترايوس، وكذلك كثير من المراقبين، أن هذا الصيف سيكون صعبا جدا في أفغانستان. في الوقت الذي تتغير فيه سياسة التساهل مع المتمردين ومحاولة الوصول إلى اتفاق سلام معهم حسب رغبة الرئيس كرزاي نحو سياسة أكثر تشددا ومواجهة مع طالبان، فإن الأمريكيين قد يجدون أنفسهم ليس في مواجهة طالبان فقط بل في مواجهة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي أيضا. فهل يكشف المستقبل القريب عن نهاية وجوده في السلطة؟
في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة 2 يوليو، اقتحم ستة انتحاريين المجمع الذي يضم المتعاقدين الأمريكيين الذين يعملون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مدينة قندز شمال أفغانستان وقتلوا أربعة أشخاص على الأقل. دامت المعركة حوالي ست ساعات قتل خلالها جميع المتمردين المهاجمين وجرح 23 شخصا أيضا. قندز، إحدى المدن الشمالية الرئيسية في أفغانستان، أقل خطرا وعرضة للهجمات من قندهار. لكن المدينة أصبحت عرضة للمنافسة الشديدة خلال السنة الماضية فيما حاول قادة حركة طالبان إحكام قبضتهم وسيطرتهم على مناطق كانت حتى وقت قريب تعتبر آمنة نسبيا. كانت القوات الألمانية هي القوات الأبرز في المنطقة، لكن القوات الأمريكية بدأت تصل إلى المناطق الشمالية في أفغانستان لدعم وجود قوات الناتو في قندز والمناطق الشمالية الأخرى. معارضو الرئيس كرزاي الذين حاربوا مع قوات تحالف الشمال خلال فترة قيادة أحمد شاه مسعود وكان مقر قيادتهم في قندز يعرفون مدى خطورة العمليات العسكرية للمتمردين في هذه المدينة. قال لي أحد عناصر تحالف الشمال إذا سقط الشمال، فسيضيع البلد كله معه!