تزداد متطلبات الفضاء الإلكتروني بالشرق الأوسط في ظل تزايد أهمية التكنولوجيا الرقمية، وتغلغل التقنيات الحديثة في حياتنا اليومية. وتوقع موقع «مشاريع الأمن السيبراني» الإلكتروني أن تزداد الخسائر الناجمة عن الجرائم الإلكترونية على المستوى العالمي 15 % سنويا على مدى الأعوام الخمسة القادمة، لتصل تكلفتها إلى 10.5 تريليونات دولار سنويا بحلول 2025. أما في الشرق الأوسط، فقد أشار تقرير، نشرته شركة «راك سبيس تكنولوجي» أخيرا، إلى أن نسبة المؤسسات التي تثق في قدرتها على فهم أثر التهديدات السيبرانية على أعمالها لا تتجاوز 48 %، بينما ترى ثلاث مؤسسات من كل خمس مؤسسات أنها قادرة على مواجهة الأحداث الحالية. وعلى الرغم من أن التهديدات تتعلق بالمعايير التقنية المطبقة، فإن بروتوكولات الأمن السيبراني قد تتداخل بشكل غير مبرر مع القضايا التجارية والجيوسياسية، حيث يمكن أن يؤدي تسييس قضايا الأمن السيبراني بشكل غير مبرر إلى تراجع الثقة بين الدول، ويمنع عنا جملة من الابتكارات التكنولوجية المتطورة التي ترتقي بحياتنا الرقمية المعاصرة.
وليس النزاع التقني المتواصل بين الولايات المتحدة والصين سوى واحد من الأمثلة على تسييس القضايا التقنية، حيث أدى التركيز على تحجيم شركات التكنولوجيا الصينية، وإدراج العملاق الصيني «هواوي» على القائمة السوداء إلى الإضرار باستثمارات الجيل الخامس، ونقص إمدادات الرقائق الإلكترونية على المستوى العالمي، مما أدى بدوره إلى ضغط بعض الدول، وحتى الشركات المنافسة لـ«هواوي» مثل «إريكسون»، من أجل إلغاء الحظر المفروض على الشركة.
وقال الخبراء في العديد من المناسبات إن محاولات الهيمنة على التكنولوجيا في جميع المجالات هو أمر غير عقلاني. كما أكدوا أنه يمكن تجنب هذه المشكلات من خلال اعتماد المعايير الدولية للأمان المُجمع عليها. وأشار الخبير التقني ديفيد كوه إلى ذلك، عندما قال: التطورات التي شهدناها على مدى الأعوام الماضية أدت إلى ازدياد الحاجة للتعاون على المستوى العالمي من أجل توفير فضاء إلكتروني آمن، ويمكن الاعتماد عليه، وتشغيله بشكل مشترك. يعتبر النظام القائم على الأنظمة، والمعايير المتفق عليها بين الدول، والمتوافقة مع القوانين والأطر التنظيمية المحلية من المقومات الأساسية لتوفير فضاء إلكتروني ملائم للأعمال والأفراد، ويسهم في تعزيز الثقة بين الدول، وتحسين قدرتها على التنبؤ بالأخطار، والتعامل معها وتحقيق الاستقرار، وهما أمران ضروريان لدفع عجلة التنمية الاقتصادية. واتخذ العديد من الخبراء الإستراتيجيين موقفا مشابها، حيث أشاروا إلى أن الحكومات في الشرق الأوسط تبذل جهودا كبيرة لتوفير بيئة رقمية آمنة، إلا أن هذه الجهود لا تندرج ضمن إستراتيجية متكاملة، وإنما هي مجرد إجراءات منفصلة عن بعضها، في إطار مواكبة الأحداث.
الانطلاق من الشبكات
على الرغم من أنه يجب على الأفراد والمؤسسات اعتماد معايير وممارسات معينة، للحد من هجمات الأمن السيبراني، ولكن توفير البنية التحتية الرئيسية لشبكات تقنية المعلومات والاتصالات هو أمر جوهري. وقد ناقشت الأطراف الفاعلة في القطاع التقني بالشرق الأوسط، من خلال العديد من الفعاليات التي عقدت أخيرا، سبل بناء فضاء إلكتروني أكثر استقرارا في مرحلة بعد الجائحة بالاعتماد على المعايير والقوانين الدولية الخاصة بالشبكات. ودعا جواد عباسي، رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى الجمعية الدولية للهاتف المحمول، وغيره من المسؤولين، إلى التعاون المفتوح في مجالي الأمن والمعايير، في إطار مشاركة الجمعية الدولية للهاتف المحمول في مؤتمر «يوم الابتكار العربي»، الذي نظمته «هواوي» على هامش معرض «جيتكس» العالمي، وترددت أصداء هذه الدعوة في العديد من المنتديات.
وفي مؤتمر «جايسك» الأمني لهذا العام، أطلق فريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية، التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، أول مجموعة عمل لأمن الجيل الخامس من أجل وضع معايير مفتوحة ومشتركة، ويمكن الاعتماد عليها في توفير بنية الجيل الخامس التحتية للمزيد من المجتمعات.
وانضم العديد من الشركاء إلى هذه الجهود، بمن فيهم الشركات التي تتمتع بالخبرة مثل «هواوي»، التي تشارك في الإشراف على مجموعة العمل.
وفي المؤتمر العربي الخامس لأمن المعلومات، الذي عُقد في خريف العام الحالي، تم تسليط الضوء على اختبار أمان تجهيزات الشبكات (NESAS)، الذي شارك في تطويره كل من الجمعية الدولية للهاتف المحمول ومشروع شراكة الجيل الثالث، حيث يوفر الاختبار أساسا مشتركا على المستوى العالمي، ويمكن لمشغلي الاتصالات ووكالات أمن تقنية المعلومات والاتصالات المحلية في المنطقة الاعتماد عليه لإدارة أعمالهم، ولا سيما الأعمال المتعلقة بأمن شبكات الجيل الخامس وكفاءتها. والغريب في الأمر أن شركة «هواوي» الصينية، التي شنت ضدها الإدارة الأمريكية السابقة، بقيادة الرئيس، حملة واسعة، لتقييد أعمال شبكات الجيل الخامس لديها، كانت فعليا أول شركة تجتاز اختبارات الجمعية الدولية للهاتف المحمول في مجال اختبار أمان تجهيزات الشبكات.
اليوم تبرز أهمية أمن شبكات الجيل الخامس على ضوء التقدم الكبير الذي حققته العديد من دول الشرق الأوسط على طريق نشر هذه الشبكات، والاستفادة من ميزاتها لقطاع الأعمال والأفراد.
وتدعم هذه التقنية الارتقاء بالبنية التحتية، لتسهم في تعزيز أعمال وخدمات قطاعات حيوية مثل التعليم الذكي والرعاية الصحية والنفط الغاز وغيرها، حيث أصبح التحول الرقمي بالاعتماد على الجيل الخامس جزءا أساسيا من إستراتيجيات التنمية في معظم دول الشرق الأوسط. وتوقعت شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» أن تسهم شبكات الجيل الخامس في دعم اقتصادات أوروبا والشرق الأوسط بما يصل إلى 361 مليار دولار بحلول 2030.
وعلى الرغم من ضرورة مراعاة المتطلبات المحلية، فإن اعتماد معايير الأمن السيبراني بما يتماشى مع القوانين المعتمدة على المستوى الدولي لن يعود بالنفع على دول منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل سيسهم في رفع سقف التعاون المفتوح، وتضافر الجهود لإنتاج ابتكارات جديدة، تسهم في تعزيز الثقة بين الدول، وتحقيق النجاح المشترك، سواء على مستوى نشر شبكات الجيل الخامس أو الاعتماد على الحوسبة السحابية، أو غيرها من التقنيات الناشئة، لتطوير أعمال سائر القطاعات والصناعات الأخرى، ودفع عجلة التطور الاجتماعي، بما يتماشى مع الخطط والرؤى الوطنية الطموحة لدول المنطقة.
وليس النزاع التقني المتواصل بين الولايات المتحدة والصين سوى واحد من الأمثلة على تسييس القضايا التقنية، حيث أدى التركيز على تحجيم شركات التكنولوجيا الصينية، وإدراج العملاق الصيني «هواوي» على القائمة السوداء إلى الإضرار باستثمارات الجيل الخامس، ونقص إمدادات الرقائق الإلكترونية على المستوى العالمي، مما أدى بدوره إلى ضغط بعض الدول، وحتى الشركات المنافسة لـ«هواوي» مثل «إريكسون»، من أجل إلغاء الحظر المفروض على الشركة.
وقال الخبراء في العديد من المناسبات إن محاولات الهيمنة على التكنولوجيا في جميع المجالات هو أمر غير عقلاني. كما أكدوا أنه يمكن تجنب هذه المشكلات من خلال اعتماد المعايير الدولية للأمان المُجمع عليها. وأشار الخبير التقني ديفيد كوه إلى ذلك، عندما قال: التطورات التي شهدناها على مدى الأعوام الماضية أدت إلى ازدياد الحاجة للتعاون على المستوى العالمي من أجل توفير فضاء إلكتروني آمن، ويمكن الاعتماد عليه، وتشغيله بشكل مشترك. يعتبر النظام القائم على الأنظمة، والمعايير المتفق عليها بين الدول، والمتوافقة مع القوانين والأطر التنظيمية المحلية من المقومات الأساسية لتوفير فضاء إلكتروني ملائم للأعمال والأفراد، ويسهم في تعزيز الثقة بين الدول، وتحسين قدرتها على التنبؤ بالأخطار، والتعامل معها وتحقيق الاستقرار، وهما أمران ضروريان لدفع عجلة التنمية الاقتصادية. واتخذ العديد من الخبراء الإستراتيجيين موقفا مشابها، حيث أشاروا إلى أن الحكومات في الشرق الأوسط تبذل جهودا كبيرة لتوفير بيئة رقمية آمنة، إلا أن هذه الجهود لا تندرج ضمن إستراتيجية متكاملة، وإنما هي مجرد إجراءات منفصلة عن بعضها، في إطار مواكبة الأحداث.
الانطلاق من الشبكات
على الرغم من أنه يجب على الأفراد والمؤسسات اعتماد معايير وممارسات معينة، للحد من هجمات الأمن السيبراني، ولكن توفير البنية التحتية الرئيسية لشبكات تقنية المعلومات والاتصالات هو أمر جوهري. وقد ناقشت الأطراف الفاعلة في القطاع التقني بالشرق الأوسط، من خلال العديد من الفعاليات التي عقدت أخيرا، سبل بناء فضاء إلكتروني أكثر استقرارا في مرحلة بعد الجائحة بالاعتماد على المعايير والقوانين الدولية الخاصة بالشبكات. ودعا جواد عباسي، رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى الجمعية الدولية للهاتف المحمول، وغيره من المسؤولين، إلى التعاون المفتوح في مجالي الأمن والمعايير، في إطار مشاركة الجمعية الدولية للهاتف المحمول في مؤتمر «يوم الابتكار العربي»، الذي نظمته «هواوي» على هامش معرض «جيتكس» العالمي، وترددت أصداء هذه الدعوة في العديد من المنتديات.
وفي مؤتمر «جايسك» الأمني لهذا العام، أطلق فريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية، التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، أول مجموعة عمل لأمن الجيل الخامس من أجل وضع معايير مفتوحة ومشتركة، ويمكن الاعتماد عليها في توفير بنية الجيل الخامس التحتية للمزيد من المجتمعات.
وانضم العديد من الشركاء إلى هذه الجهود، بمن فيهم الشركات التي تتمتع بالخبرة مثل «هواوي»، التي تشارك في الإشراف على مجموعة العمل.
وفي المؤتمر العربي الخامس لأمن المعلومات، الذي عُقد في خريف العام الحالي، تم تسليط الضوء على اختبار أمان تجهيزات الشبكات (NESAS)، الذي شارك في تطويره كل من الجمعية الدولية للهاتف المحمول ومشروع شراكة الجيل الثالث، حيث يوفر الاختبار أساسا مشتركا على المستوى العالمي، ويمكن لمشغلي الاتصالات ووكالات أمن تقنية المعلومات والاتصالات المحلية في المنطقة الاعتماد عليه لإدارة أعمالهم، ولا سيما الأعمال المتعلقة بأمن شبكات الجيل الخامس وكفاءتها. والغريب في الأمر أن شركة «هواوي» الصينية، التي شنت ضدها الإدارة الأمريكية السابقة، بقيادة الرئيس، حملة واسعة، لتقييد أعمال شبكات الجيل الخامس لديها، كانت فعليا أول شركة تجتاز اختبارات الجمعية الدولية للهاتف المحمول في مجال اختبار أمان تجهيزات الشبكات.
اليوم تبرز أهمية أمن شبكات الجيل الخامس على ضوء التقدم الكبير الذي حققته العديد من دول الشرق الأوسط على طريق نشر هذه الشبكات، والاستفادة من ميزاتها لقطاع الأعمال والأفراد.
وتدعم هذه التقنية الارتقاء بالبنية التحتية، لتسهم في تعزيز أعمال وخدمات قطاعات حيوية مثل التعليم الذكي والرعاية الصحية والنفط الغاز وغيرها، حيث أصبح التحول الرقمي بالاعتماد على الجيل الخامس جزءا أساسيا من إستراتيجيات التنمية في معظم دول الشرق الأوسط. وتوقعت شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» أن تسهم شبكات الجيل الخامس في دعم اقتصادات أوروبا والشرق الأوسط بما يصل إلى 361 مليار دولار بحلول 2030.
وعلى الرغم من ضرورة مراعاة المتطلبات المحلية، فإن اعتماد معايير الأمن السيبراني بما يتماشى مع القوانين المعتمدة على المستوى الدولي لن يعود بالنفع على دول منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل سيسهم في رفع سقف التعاون المفتوح، وتضافر الجهود لإنتاج ابتكارات جديدة، تسهم في تعزيز الثقة بين الدول، وتحقيق النجاح المشترك، سواء على مستوى نشر شبكات الجيل الخامس أو الاعتماد على الحوسبة السحابية، أو غيرها من التقنيات الناشئة، لتطوير أعمال سائر القطاعات والصناعات الأخرى، ودفع عجلة التطور الاجتماعي، بما يتماشى مع الخطط والرؤى الوطنية الطموحة لدول المنطقة.