يكتب في هذه المساحة، كل سبت، ذو الشنب الكثيف، والقلب الرقيق، واللغة البستانية، أحمد عسيري، وجل القراء يظنونه كاتباً وحسب، بل إن سائلاً سألني: منذ متى وأحمد عسيري يكتب؟! فأجبته: مذ لم تك شيئا مذكورا، لأن بين يدي له مقالات فارهة، يعود تاريخ بعضها إلى ما قبل النكسات، أي إلى ما يقترب من 45 عاما، حيث مارس العم صبر العسيري الكتابة منذ الثمانينات الهجرية، وكانت له زوايا صحفيّة عدّة منها: كلمات ساهرة، بصحيفة الجزيرة الأسبوعيّة، و: رزقي على الله، بصحيفة عكاظ سنة 1400، و: إن صحَّ التعبير، بصحيفة البلاد بين عامي 1418، و1422هـ، إلى أن استقر بين أقواس الوطن منذ عام 1423.
والكاتب أحمد عسيري مجايل لنصفه الشاعر، فقد كنتُ طفلاً عندما قرأتُ قصائد من الجبل، وقرأتُ فيه هنا عيناك يا أمّاه....، قرأتُها مراتٍ، وبكيتُ بعدد مرّات قراءتِها؛ بكيتُ لأنّها شعرٌ خالص، ثم قرأتُ له أكثر، فاكتشفت الملاحة، من خلال قصيدةٍ له، في كتاب أبها في التاريخ والأدب، للرّاحل علي آل عمر عسيري ـ رحمه الله ـ ثم عدتُ إلى قصاصات الوراء، لأقرأ له قصائد تقطر رقةً.
أما ثالث الأحمدين، فهو المذيع التلفزيوني الراحل أحمد عسيري، الذي سبق رفيقيه الكاتب والشاعر، إلى صمته الأخير منذ عشرين عاما، وقد عرفتُ صوتَه الأخّاذ من خلال نافذة على بلدي، فتمنّيت أن أحذو حذوه، فكنتُ أدنى منه، ولن أستطيع أن أكونه، لأن للكاريزما متطلباتها التي يمتلكها، وأفتقدها.. حينها كان أحمد عسيري، نكهةَ أبها، في زمنٍ كان فيه حضورُ أبها ـ تلفزيونياً ـ عيداً.
ومضت الأيام، فإذا به يقترب، حتى تقاطعتُ معه في كلّ الطّرقات.. فطوّقني بألف معروف، وفي كل تقاطع، يكون جميلاً بإنسانيته وصدقه وإبداعه وبساطته وحبه وقسوته وطُرفته، يكون جميلاً حتّى في تراجعاتهِ، وغضبه، وخصامه، وتجاهلاتِه؛ يكون جميلاً لأنه كذلك في كل حالاته.
العم صبر العسيري، يقودُ المبدعين، فيهم، حتّى صار دمُه محبرةَ الأجيال المبدعة.. فمنذُ أربعين عاماً، وهو يتَكاثر حتّى صار قبيلةً من المبدعين، والفاعلين في العمل العام.
تعرّضتُ ـ عبر سنوات الموت ـ لغيرِ طعنةٍ فجائية.. وتوقفتُ عن الأمل والثقة والكلام والحياة والحب، فوجدته يشير إلي آمراً: ابتسمْ، ستبقى ويذوبون.. ستبقى ولا يحيط المكْر.....
حين يكتب أحمد عسيري، فإنّه يسطرُ للأرض والهم والأهلين مقالات تطهّر جمالنا الثقافي من أدران الرغبات الذاتية، وتشفينا من الصداع النصفيّ الذي تصيبنا به مقالات المتشنجين. أما حين يوقظ فينا القصيدة، فإنه يزرع في حقول القلوب رياحين الحياة، وذلك يحتاج إلى مقال آخر.