في الدول المتقدمة، يتم إنشاء أنظمة عمل وعمال تقلل من سطوة وتحيز المديرين والتجار، ويعطى الموظف فترة زمنية كافية لترتيب وتدبير أموره الوظيفية والمالية، وهو ما لا يتوفر في أنظمة العمل والعمال السعودية

في حدث مفاجئ ومستغرب، وبدون أي مقدمات، قام مجلس الغرف التجارية بالاستغناء عن خدمات أمينها العام الدكتور فهد السلطان والذي خدم المجلس والمملكة على مدى عدة سنوات إضافة إلى خدمته في الدولة في سنوات سابقة، والتي كان فيها مثالاً للعمل المخلص والوطني مع تمتعه بسمعة مهنية وأخلاقية في العمل، وهذا ما عرف به في الوسط التجاري والحكومي. ما فاجأ وآلم مجتمع الأعمال والمهتمين والمراقبين هو ليس في إنهاء خدمات موظف قطاع خاص وإنما في طريقة التعامل مع الموظفين (وخصوصاً السعوديين) في القطاع الخاص والعام وكأنهم من ضمن ممتلكات التجار، وأجزم بأنه لو كان الأمين العام أحد التجار أو أحد المحسوبين على أحد أو بعض الأسماء التجارية المعروفة لما تم التعامل معه بهذه الطريقة غير اللائقة، هذا إذا ما تم اتخاذ قرار الاستغناء أصلاً!
ما حصل للأمين العام لمجلس الغرف في سرعة اتخاذ قرار الاستغناء وتنفيذه الفوري، دون النظر في وضع أي اعتبار لمكانة ومستقبل وسمعة وتاريخ الموظف المالية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وليس فقط فقد المزايا المالية من رواتب وبدلات وحتماً فقدان الأمن الوظيفي؛ يؤكد ما ذكرناه مرارًا وتكراراً من عدم عدالة نظام العمل والعمال، نظام أنشئ لمصلحة التجار (أرباب العمل) وعلى حساب مصلحة الطرف الآخر، العامل أو الموظف، فيكفي أن نعرف أن نظام العمل والعمال يعطي صلاحية مطلقة للتاجر بأن يحدد مدة التعاقد، ولا يمنع إنهاء التعاقد في أي وقت ودون النظر في أسباب الإنهاء (شخصية كانت أم نتيجة سوء أداء أو تعسفية) طالما أن العقد الموقع بين التاجر والموظف يسمح بذلك، فلا اعتبار لما قد يحصل للموظف من أضرار نفسية واجتماعية ومالية واقتصادية للمستقبل القريب والبعيد، وللكثير من أبناء وبنات الوطن وليس الأمين العام لمجلس الغرف وحده، نتيجة للتصرفات التعسفية من إنهاء خدماتهم نتيجة تصرفات شخصية، ونتيجة لضعف وتحيز نظام العمل والعمال لمصلحة التجار على حساب الأضعف – الموظف- لا شيء مقارنة بعقاب المجتمع، عقاب لا يقف فقط عند الابتعاد عن هؤلاء وعدم التعامل معهم سواء في التوظيف أو التعاقد الجزئي أو اللقاءات الاجتماعية، بل ويتعداها إلى اختلاق القصص والإشاعات حول أسباب إقالتهم والتي قد تصل إلى حد القذف في الأمانة والأخلاق!
في الدول المتقدمة، هناك مبدأ قانوني ينص على أن روح القانون فوق نص القانون (Substance over Form)، وبناء على ذلك، لا يمكن الاستغناء عن موظف دون وجود أسباب جوهرية، أسباب تتعلق بسوء الأداء أو نتيجة لعدم الحاجة للوظيفة أو القطاع ككل، وكل ذلك يتم إثباته من خلال أدلة وقرائن، وليس نتيجة لرغبات شخصية أو تغيرات في الإدارة أو اختلافات شخصية، في الدول المتقدمة، يتم إنشاء أنظمة عمل وعمال تقلل من سطوة وتحيز المديرين والتجار، وهذا لا يتوفر في أنظمة العمل والعمال السعودية، في الدول المتقدمة، يتم احترام حقوق ووضع الموظف النفسي والاجتماعي والمالي ويعطى فترة زمنية كافية لترتيب وتدبير أموره الوظيفية والمالية، وهذا أيضاً لا يتوفر في أنظمة العمل والعمال السعودية.
الدولة حفظها الله لم تقصر مع الوطن وأبناء وبنات الوطن، وتبذل الغالي والنفيس لتحقيق الأمن والرفاهية الاقتصادية لكل مواطن ومواطنة، وما تخصيص ميزانيات استثنائية متتالية إلا شاهد على هذا التوجه، وما زال هناك المزيد من العمل الدؤوب في هذا الاتجاه، وكلنا أمل وثقة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله وولي عهده الأمين وزير الداخلية الأمير نايف حفظه الله في الدعم المتواصل لرفعة شأن الوطن.
الدولة حفظها الله لم تقصر مع التجار، فقدمت لهم قروضا بمئات المليارات على مدى السنوات الماضية ودون فوائد، وقدمت لهم أراضي صناعية وخدمية بأسعار رمزية، ومنحتهم مزايا تنافسية وحصرية على بعض المشاريع والخدمات الحكومية، واستثنتهم من دفع الضرائب، وسمحت لهم باستقدام العمالة الأجنبية، وكل ذلك على أمل العمل جنباً إلى جنب مع الدولة، كشريك استراتيجي في توفير وظائف نوعية وتنافسية وشريفة ومجزية لأبناء وبنات الوطن، شريك استراتيجي في زيادة الدخل القومي من خلال زيادة الصادرات للخارج ولمنتجات وسلع وخدمات ذات مزايا تنافسية عالمية، شريك استراتيجي في زيادة وتفعيل الدورة الاقتصادية النقدية من خلال إعادة استثمار العائدات النقدية داخل الاقتصاد السعودي، فماذا حصل؟
رغم كل المزايا المالية والمغريات والمكاسب المقدمة للتجار، كانت النتائج مخيبة للأمال، فوظائف القطاع الخاص – أكثر من (8) ملايين وظيفة – ذهبت للأجانب، ولم تكن هناك زيادة في الدخل القومي حيث إن جل الإنتاج من القطاع الخاص يذهب للاستهلاك المحلي وليس للأسواق العالمية، ويضاف إلى كل ذلك الخلل في الدورة الاقتصادية نتيجة مئات المليارات من تحويلات سنوية للعمالة الأجنبية والشركات الأجنبية والسعودية على حد سواء.
وأما ما يحصل في الغرف التجارية فأمر آخر، فهي ليست إلا مجمعا وناديا للتجار (Country Club)، يستمد إيراداته المالية وبالمليارات سنوياً من المواطنين بحجة تصديق خطابات الشركات مقابل التسجيل في الغرف التجارية، مبالغ خرافية وغير مبررة في ظل عدم وجود خدمات حقيقية وملموسة لمجتمع المال والأعمال، بينما المؤسسات والشركات مسجلة في وزارة التجارة والصناعة في الأصل وليس في الغرف التجارية!
على مدى سنوات وسنوات عملت وزارة العمل وتحتها صندوق تنمية الموارد البشرية على مبادرات لمحاربة البطالة، وتم استنزاف موارد مالية كبيرة قد تصل إلى عشرات أو مئات المليارات سنوياً، ولكن دون نتائج ملموسة، بل إن الوضع يزداد سوءا، فنسب البطالة تزداد وأعداد العمالة الأجنبية تزداد والشركات الأجنبية تزداد، وما زالت الوعود تتكرر سنة بعد أخرى، والمستفيد الوحيد بكل وضوح هم التجار السعوديون والأجانب ومعهم العمالة الأجنبية والمتنفعون من هنا وهناك، وأما المواطنون فما زالوا في انتظار عطف التجار وتكرمهم!
ما حصل لأمين عام مجلس الغرف لم ولن يكون الأخير في طريقة تعاطي التجار مع الموظفين وخصوصاً السعوديين، فما زالت الغلبة لهم وبالقانون، للأسف.
ويبقى دائما وأبداً الأمل معقوداً بالله ثم بقيادة البلد وفقها الله، بإعادة تسوية المعادلة بين التجار والموظفين، تسوية تعدل من نظام العمل والعمال، تسوية تضمن العدالة في الحقوق والواجبات، دون تغليب جانب على آخر، تسوية تمثل خطوة حقيقية في الحرب على البطالة.