شهدنا تقدما طبيا هائلا على مستوى العلاج أو الدواء، وكذلك في الأجهزة الطبية التي مكنت من الوصول والمساعدة في تشخيص الكثير من الأمراض، والقضاء على البعض منها. ومع هذا التقدم الذي يخدم الإنسانية، التي تعد الركيزة الأساسية في هذه المهنة ومنذ القدم، إلا أنه مع الأسف أصبح الطب في واقعنا اليوم، وقبل سنوات متقاربة، ذا طابع تجاري بحت على نحو مقلق، إذ دخلت التجارة في الطب بأشكال عدة وبطرق مختلفة، إذ تسعى إلى الربح المادي دون أن يكون هناك أثر للبعد الإنساني الذي يقدر حالة المريض ومعاناته على مستوى العالم كافة، حتى في الدول المتقدمة، على الرغم من وجود هيئات ومؤسسات صحية مدافعة، لكن ضاعت جهودها بفعل الطمع المادي الجشع الجارف الذي أخذت دائرته تتسع مع دخول وسائل طبية مختلفة جديدة وحديثة ومتنوعة مثل الغذاء والعناية بمظهر الجسم والعناية التجميلية بشكل عام للجنسين.
سوف نلقى الضوء على أمثلة لهذا التوجه التجاري الطبي في أمريكا عبر دراسة وبحث مستفيض، ربما تكون متأخرة قليلا نوعا ما، ولكنها تعطي الحقيقة حول هذا التوجه، قام بها فريق عمل من جامعة «كورنيل» الامريكية في نيويورك، بقيادة ماديلون لوبين فينكل، أستاذة الصحة العامة الإكلينيكية بكلية «ويل» للطب في الجامعة نفسها تحت عنوان «الحقيقة والأكاذيب في قضايا الصحة العامة». تطرقت «فينكل» وفريقها في هذه الدراسة إلى عدة جوانب مختلفة تتعلق بالصحة والأمراض المختلفة، ولكننا هنا سوف نركز على الموضوع الذي يهمنا، وهو تجارة الطب في مجالين فقط.
من ضمن مواضيع البحث المتعددة، أشار البحث إلى زيادة المكملات الغذائية في أمريكا بشكل درامي، ووثق في مسح عن استهلاك هذه المكملات في 1990 معدل انتشار طيلة 12 شهرا، بلغ 5.2%، في استخدام أي مستحضر عشبي. وفي بحث مماثل لـ1997، زاد معدل الانتشار إلى 12%، مما يصور زيادة الاستهلاك تلك المكملات خلال فترة قصيرة. وتشير تقديرات النتائج الأخيرة إلى أن نحو خمس الأمريكيين يستخدمون حاليا نوعا واحدا على الأقل من المكملات الغذائية يوميا مع اختلاف التعاطي باختلاف المنتج، أي بين الفيتامينات والأعشاب وغيرها، مما بدوره حول صناعة المكملات إلى صناعة غذائية ضخمة، قدرت مبيعاتها في 2006 بنحو 20 بليون دولار، ووصل هذا الرقم عبر ألف مصنع، يسوق 29 منتجا.
نأتي للأهم، وهو أمان هذه المكملات الغذائية على الصحة، الذي صار فيه جدال واسع، حيث إن هناك، بطبيعة الحال، آثارا جانبية ضارة لتلك المكملات الغذائية، تتضمن كل درجات الشدة، وتؤثر في كل أجهزة أعضاء الجسم، وهذه الشدة تتراوح من المعتدلة (الحساسية والغثيان والإسهال) إلى الخطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم، وزيادة ضربات القلب، والأزمات القلبية، واختلال وظائف الكبد. ما زال الأمر في سجال قوي حول تصنيف هذه المكملات بين الغذاء والدواء، وكذلك في مسألة وضع بطاقة المنتج التي تقول إن هذا المكمل يشفي مرضا معينا أو يمنعه، والذي يدحض هذه العبارات هو أن الأدلة الوبائية تكذب هذا إلا في حالة بعض المنتجات الآمنة التي تحمل معلومات دقيقة موثقة، لكن يبقى هناك سعى مسعور من تجار تلك المكملات الغذائية التي تدر الربح الوفير. تأتي بعد المكملات الغذائية «السمنة» التي صاحبتها أرقام صادمة:
* %46 من الأمريكيين يعانون زيادة الوزن أو السمنة.
* 300 ألف وفاة سنويا يمكن ربطها بالسمنة.
* إنفاق 30 بليون دولار سنويا على منتجات فقدان الوزن وخدماتها.
* ارتفاع السمنة بين الأطفال بطريقة مثيرة للإزعاج.
لقد تغيرت النظرة إلى السمنة، وأصبح شكل الجسم البدين رمزا على عدم الجاذبية، وأسهمت في هذا عاصمة السينما «هوليوود»، التي راحت تروج للغذاء الصحي عبر النجوم الذين جعلوا من النحافة رونقا وجذبا، والتي معها ولدت صناعة ضخمة لإنقاص الوزن، وصدرت تشريعات، لكبح هذا عن طريق تنظيم سوق الإعلان والتسويق، ورفع ضرائب على الأطعمة قليلة القيمة الغذائية مثل الحلوى والمشروبات الغازية في بعض الولايات، كانت حصيلتها نحو بليون دولار سنويا، تذهب للخزانة العامة لكل ولاية.
ولكن هذه التشريعات لم تصمد طويلا بسبب الضغوط القوية التي مارستها صناعة الطعام، مما أدى إلى إلغائها في بعض الولايات، بالإضافة إلى جماعات الضغط على المستوى القومي ومستوى الولاية.
إن من مصلحة صناعة الأطعمة على كل المستويات، بما فيها الزراعة ومنتجات الأطعمة والأطعمة السريعة والمطاعم، التركيز على كمية الطعام الذي يأكله الناس، ويتضح الأمر جليا عندما ينفق منتجو الطعام نصيبا ضخما من الأموال على حملات انتخابات الكونجرس، لضمان استمرار منافعهم. سوف انتقل إلى واقعنا، وانقل الصورة التي، في رأيي، مكملة لما ذكرت سابقا، ولكن بطريقة مختلفة، والتي تسعى إلى تحقيق الربح المادي عبر الدعاية والتحايل والاستغلال والجهل وعدم الوعي الطبي. بداية قد تكون وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي قنوات يمكن أن تزيد التثقيف الصحي من خلال إطلالة بعض الأطباء عليها، إذ يمكن أن نقول إنها حققت بعض الوعي لدى المجتمع لدينا، ولكن هناك أمر آخر، وهو في غاية الاستهجان، عندما يقوم الطبيب بعمل دعائي إعلامي له من خلال هذه القنوات، والذي نجده عند بعض الأطباء الذين هم من ناقصي الخبرة وغير مطلعين على الأبحاث والدراسات الحديثة، ولا يوجد لهم حضور مكثف في الكثير من المؤتمرات واللقاءات الطبية في مجال عملهم، لكن ينصب تركيزهم على الربح مع الأسف. الصورة الأخرى التي تشوه المهنة الإنسانية هي الاستغلال والجشع، وهي أشد، وهذه تحدث أحيانا في المستشفيات والمراكز والمستوصفات الأهلية، فهناك مبالغة في أسعار تقديم الخدمة الطبية المتكاملة، يصاحبها عدم تقديم الرعاية الصحية بالشكل المطلوب تحت التذرع بأعذار واهية، تخفي حقيقة الطمع والاستغلال، ولعل ما يبرز في هذا الجانب علاج الأسنان وتقويمها، وتلك المتعلقة بالتجميل لدى المرأة.
يضاف إلى هذا الجانب المتعلق بالتأمين الصحي من قِبل شركات التأمين، وعلاقته بهذه المستشفيات والمراكز الصحية الأهلية المختلفة، وهو وضع المريض الذي لديه تأمين في دائرة المماطلة المقصودة، التي تجعله يضيق ذرعا بتأخير الموافقة الطبية من أجل الكسب أكثر.
وألفت، أخيرا، إلى نظر بعض الأطباء في هذه المستشفيات والمراكز الصحية الأهلية للمريض على أنه «بضاعة يجب تصريفها بسرعة»، لأن هناك أمرا بزيادة عدد المرضى المراجعين، لذا يجب عليك أيها الطبيب تقليص وقت مقابلة المريض.
أتمنى من وزارة الصحة سن أنظمة أكثر صرامة، لكي تحافظ على المريض من هذا الجشع.
سوف نلقى الضوء على أمثلة لهذا التوجه التجاري الطبي في أمريكا عبر دراسة وبحث مستفيض، ربما تكون متأخرة قليلا نوعا ما، ولكنها تعطي الحقيقة حول هذا التوجه، قام بها فريق عمل من جامعة «كورنيل» الامريكية في نيويورك، بقيادة ماديلون لوبين فينكل، أستاذة الصحة العامة الإكلينيكية بكلية «ويل» للطب في الجامعة نفسها تحت عنوان «الحقيقة والأكاذيب في قضايا الصحة العامة». تطرقت «فينكل» وفريقها في هذه الدراسة إلى عدة جوانب مختلفة تتعلق بالصحة والأمراض المختلفة، ولكننا هنا سوف نركز على الموضوع الذي يهمنا، وهو تجارة الطب في مجالين فقط.
من ضمن مواضيع البحث المتعددة، أشار البحث إلى زيادة المكملات الغذائية في أمريكا بشكل درامي، ووثق في مسح عن استهلاك هذه المكملات في 1990 معدل انتشار طيلة 12 شهرا، بلغ 5.2%، في استخدام أي مستحضر عشبي. وفي بحث مماثل لـ1997، زاد معدل الانتشار إلى 12%، مما يصور زيادة الاستهلاك تلك المكملات خلال فترة قصيرة. وتشير تقديرات النتائج الأخيرة إلى أن نحو خمس الأمريكيين يستخدمون حاليا نوعا واحدا على الأقل من المكملات الغذائية يوميا مع اختلاف التعاطي باختلاف المنتج، أي بين الفيتامينات والأعشاب وغيرها، مما بدوره حول صناعة المكملات إلى صناعة غذائية ضخمة، قدرت مبيعاتها في 2006 بنحو 20 بليون دولار، ووصل هذا الرقم عبر ألف مصنع، يسوق 29 منتجا.
نأتي للأهم، وهو أمان هذه المكملات الغذائية على الصحة، الذي صار فيه جدال واسع، حيث إن هناك، بطبيعة الحال، آثارا جانبية ضارة لتلك المكملات الغذائية، تتضمن كل درجات الشدة، وتؤثر في كل أجهزة أعضاء الجسم، وهذه الشدة تتراوح من المعتدلة (الحساسية والغثيان والإسهال) إلى الخطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم، وزيادة ضربات القلب، والأزمات القلبية، واختلال وظائف الكبد. ما زال الأمر في سجال قوي حول تصنيف هذه المكملات بين الغذاء والدواء، وكذلك في مسألة وضع بطاقة المنتج التي تقول إن هذا المكمل يشفي مرضا معينا أو يمنعه، والذي يدحض هذه العبارات هو أن الأدلة الوبائية تكذب هذا إلا في حالة بعض المنتجات الآمنة التي تحمل معلومات دقيقة موثقة، لكن يبقى هناك سعى مسعور من تجار تلك المكملات الغذائية التي تدر الربح الوفير. تأتي بعد المكملات الغذائية «السمنة» التي صاحبتها أرقام صادمة:
* %46 من الأمريكيين يعانون زيادة الوزن أو السمنة.
* 300 ألف وفاة سنويا يمكن ربطها بالسمنة.
* إنفاق 30 بليون دولار سنويا على منتجات فقدان الوزن وخدماتها.
* ارتفاع السمنة بين الأطفال بطريقة مثيرة للإزعاج.
لقد تغيرت النظرة إلى السمنة، وأصبح شكل الجسم البدين رمزا على عدم الجاذبية، وأسهمت في هذا عاصمة السينما «هوليوود»، التي راحت تروج للغذاء الصحي عبر النجوم الذين جعلوا من النحافة رونقا وجذبا، والتي معها ولدت صناعة ضخمة لإنقاص الوزن، وصدرت تشريعات، لكبح هذا عن طريق تنظيم سوق الإعلان والتسويق، ورفع ضرائب على الأطعمة قليلة القيمة الغذائية مثل الحلوى والمشروبات الغازية في بعض الولايات، كانت حصيلتها نحو بليون دولار سنويا، تذهب للخزانة العامة لكل ولاية.
ولكن هذه التشريعات لم تصمد طويلا بسبب الضغوط القوية التي مارستها صناعة الطعام، مما أدى إلى إلغائها في بعض الولايات، بالإضافة إلى جماعات الضغط على المستوى القومي ومستوى الولاية.
إن من مصلحة صناعة الأطعمة على كل المستويات، بما فيها الزراعة ومنتجات الأطعمة والأطعمة السريعة والمطاعم، التركيز على كمية الطعام الذي يأكله الناس، ويتضح الأمر جليا عندما ينفق منتجو الطعام نصيبا ضخما من الأموال على حملات انتخابات الكونجرس، لضمان استمرار منافعهم. سوف انتقل إلى واقعنا، وانقل الصورة التي، في رأيي، مكملة لما ذكرت سابقا، ولكن بطريقة مختلفة، والتي تسعى إلى تحقيق الربح المادي عبر الدعاية والتحايل والاستغلال والجهل وعدم الوعي الطبي. بداية قد تكون وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي قنوات يمكن أن تزيد التثقيف الصحي من خلال إطلالة بعض الأطباء عليها، إذ يمكن أن نقول إنها حققت بعض الوعي لدى المجتمع لدينا، ولكن هناك أمر آخر، وهو في غاية الاستهجان، عندما يقوم الطبيب بعمل دعائي إعلامي له من خلال هذه القنوات، والذي نجده عند بعض الأطباء الذين هم من ناقصي الخبرة وغير مطلعين على الأبحاث والدراسات الحديثة، ولا يوجد لهم حضور مكثف في الكثير من المؤتمرات واللقاءات الطبية في مجال عملهم، لكن ينصب تركيزهم على الربح مع الأسف. الصورة الأخرى التي تشوه المهنة الإنسانية هي الاستغلال والجشع، وهي أشد، وهذه تحدث أحيانا في المستشفيات والمراكز والمستوصفات الأهلية، فهناك مبالغة في أسعار تقديم الخدمة الطبية المتكاملة، يصاحبها عدم تقديم الرعاية الصحية بالشكل المطلوب تحت التذرع بأعذار واهية، تخفي حقيقة الطمع والاستغلال، ولعل ما يبرز في هذا الجانب علاج الأسنان وتقويمها، وتلك المتعلقة بالتجميل لدى المرأة.
يضاف إلى هذا الجانب المتعلق بالتأمين الصحي من قِبل شركات التأمين، وعلاقته بهذه المستشفيات والمراكز الصحية الأهلية المختلفة، وهو وضع المريض الذي لديه تأمين في دائرة المماطلة المقصودة، التي تجعله يضيق ذرعا بتأخير الموافقة الطبية من أجل الكسب أكثر.
وألفت، أخيرا، إلى نظر بعض الأطباء في هذه المستشفيات والمراكز الصحية الأهلية للمريض على أنه «بضاعة يجب تصريفها بسرعة»، لأن هناك أمرا بزيادة عدد المرضى المراجعين، لذا يجب عليك أيها الطبيب تقليص وقت مقابلة المريض.
أتمنى من وزارة الصحة سن أنظمة أكثر صرامة، لكي تحافظ على المريض من هذا الجشع.