جمال العبيريد

يتجه العالم بشكل أسرع نحو عودة ارتفاع أسعار النفط والغاز والسوائل النفطية مثل الغازولين (البنزين) والكيروسين. ويبرز هنا دور وأهمية مجموعة أوبك بلص والتي تقودها المملكة بالشراكة مع روسيا الاتحادية لضبط هذا التصاعد، وهذه الزيادات التي جعلت كل الخبراء والراصدين يعيدون جدولة توقعاتهم إلى ما قبل منتصف 2022 بعد أن كانوا يرون في عودة الاقتصادات إلى ما وراء تلك الفترة.

في الحقيقة أن زيادة النفط إلى حدود 100 دولار للبرميل لن يخدم قطاع النفط لأنه سيتيح لصنّاع النفط الصخري بالدخول وهو ما يعني تغطية كلفة انتاج النفط الصخري رغم القيود المعلنة على صناعته من قبل الحكومة الفيدرالية في أمريكا. بل إن الأسعار المناسبة لعموم العالم هي أن يبقى النفط بين 80-90 دولارا لأطول فترة ممكنة. وهو السعر الممتاز الذي سوف يحقق فوائض في ميزانيات الدول الخليجية ذات كلفة الإنتاج المنخفضة.

إن الاقتصاد الذي يحرّك السياسيات سيجعل المستقبل أكثر تسارعية في كثير من الملفات الشائكة، حيث يتوقع أن يقود هذا الارتفاع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عن إيران بهدف صخ براميلها النفطية لموازنة العرض مقابل الطلب العالمي.

حالياً في 2021، رغم تأثر الولايات المتحدة بجاحة كورونا إلا أن الاقتصاد الأمريكي موعود بزيادة إجمالي الناتج المحلي 4-5% هذا العام بسبب عودة أعمال الاقتصاد، ورغم انخفاض مخزونات النفط الأمريكي 2% فإن المتوقع أن تعود للزيادة 4% في العام المقبل مستفيدة من العرض في السوق النفطي.

بأخذ كل التغيرات السريعة والقرارات السيادية في الحسبان فإنه من المتوقع زيادة الطلب على المنتجات النفطية للأعوام العشرة المقبلة مع توجه عالمي لضخ الاستثمارات في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات ومشتقات النفط.

حالياً يرتفع استهلاك العالم من سوائل الوقود النفطي بمعدل 5.5 ملايين برميل يوميًا مع توقعات بأن يصل هذا الارتفاع في 2022 إلى 8.5 ملايين برميل يوميًا ليرفع إجمالي الاستهلاك النفطي اليومي إلى 102 مليون برميل يومياً وهو ما سوف يتجاوز مستويات الإنتاج في 2019 التي بلغت مستويات قصوى عند سقف المائة مليون برميل.

وبالرغم من الوفرة المتوقعة في منتجات النفط، إلا أن النمو السكاني في شرق آسيا ونهضة اقتصادات الآسيان والنمو الصيني المتوقع بحوالي 7% في إجمالي الناتج المحلي والهندي، كذلك في السنوات التالية سوف يجعل الطلب على النفط أشد ما يكون. ولهذا أقول إن العقد الجاري وحتى 2030 هو فرصة للدول للاستفادة من عوائد النفط والكيميائيات لبناء نماذج دائرية للكربون وعمليات خضراء للإنتاج تساعد على مواجهة التحدي الغربي المتوقع بعد حلول 2030 بالضغط سياسيًا على الدول لتبني أساليب صديقة للبيئة، وذلك بعد أن تنفد كل موارد النفط الصخري بعد 2025 وبعد أن تتحول أوروبا إلى دول أشبه بالمدمنة للغاز الروسي.

ما أراه أن العالم الشرقي بدأ يحصل على فرصته من الله لقيادة النمو العالمي والتوجه في استخدامات الطاقة وبدائلها مقارنة بسنين طويلة هيمنت عليها القوى الغربية.

إن المملكة العربية السعودية في كل الظروف أثبتت بقيادتها الواعية والمبادرة أنها قادرة على قيادة العالم في مجال الطاقة وكل أنواع الطاقة الأخرى. فنحن نتحدث عن سوق جديد للطاقة البديلة ستقوده المملكة وستضخ عوائد النفط في مجال إنتاج الأمونيا الخضراء والزرقاء والتقاط الكربون صناعًا وزراعة 10 مليارات شجرة لالتقاط الكربون طبيعيًا ولن تقف متفرجة في استخدامات الطاقة الهيدروجينية في وسائل المواصلات، بل إن أرامكو السعودية تقود الآن تقنيات استخدام وقود الهيدروجين والكهرباء الخضراء في تقنيات السيارات وذلك من أجل الوصول لنموذج صديق للبيئة يقدّم حلًّا عمليًّا لمشكلة المواصلات اليومية غير الباعثة لثاني أكسيد الكربون.

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار وقود الغازولين (البنزين) عالميًا إلى أكثر من 3 ريالات سعودي للتر نجد أن الحكومة السعودية تضع سقفًا أعلى للسعر عند 2.1 ريال لمنع تأثر هذه التغيرات السريعة على المواطنين والمقيمين في المملكة، والسبب بسيط هو أن شراهة العالم لمزيد من النفط لن تتوقف والعرض حاليًا أقل من الطلب وسوف يستمر الطلب إلى ما وراء 2030 ما دامت كل بدائل الطاقة تحتوي على نفس كتلة الكربون كرجيع وما لم تتبنَ دول العالم الفلسفة السعودية في الاقتصاد الدائري للكربون.