لم تكن المرة اليتيمة التي أتربع فيها بجانب أبو محسن وهو يلقي بحكاياته: حين كانت النفوس طيبة يا ابني كنت أقضي الليالي سارحاً بشياهي النحيلة مع امرأة ما، سقى الله تلك الأيام، كنا نتسامر، نتطارح.. أطراف الأحاديث، على صوت ثغاء حيواناتنا الجميلة، كان الأمر روتيناً لا فضيحة فيه.. لايستنكره أحد، ولا يطوف به البرودكاستيون، معنونين ذلك بـ فضيحة سعودية مع رجل وأغنامه..، لم يكن للشيطان وقتها دور يذكر، فكنا نسهم في تقاعده المبكر حينما يعجز عن الإيقاع بنا، أما نحن فكنا ملائكة.. ملائكة تحفها ملائكة، تتسرب منّا الفضيلة كلما مشينا.. كانت النوايا متبّلة بالفضيلة، كائنات نورانية.. آخ أيها المتطور، ليت الماضي النقي يرجع، على الأرجح سأتخلص مما يحدث هذه الأيام التي انتكست فيها الأحوال، وفسدت النفوس وتعفنت النوايا، أصبح اقتراب الرجل من المرأة كاقتراب النار من الهشيم، قطعاً، النار هي الرجل، أما الهشيم فسأترك الأمر لسعة اطلاعك، ما الذي تبدل..؟ وكأنكم كائنات تتقابل للمرة الأولى على سطح زحل، تتحسسون وجود بعضكم، متحفزين لتفسير ردة فعل الآخر منكم على أنها سيئة، متوجسين بأفكارغريبة حين تتواصلون. كنت مستمعاً جيداً وهي عادتي معه، إلا أنني كنت أقول لنفسي: ما تقوله عن هذا الدور العظيم المتخيّل لـ النفوس الطيبة خرافة يا رجل، بل كانت السلوم والعوايد المتعارف / المتفق عليها من أكثر قوانين العالم الوضعية صرامة على رغم بدائيتها، فكان من يتخطاها يرتكب جرماً قبل أن يحاكم.. همز ركبتي وهو يقول: أليس كذلك؟ قلت: بلى، ما دمت وجدت على هذه الأرض قبلي، فذلك يعني أنك أعلم مني ياعم..!