مريم النويمي

الصيف، فصل النزهة والرحلات والسفر هربًا من الأجواء الحارة إلى الأجواء الألطف. السباحة هي النشاط الأكثر ممارسة فيه ولكن كل مرة تطالعنا الأخبار بقصص محزنة، فعدد الأطفال الذين يتعرضون للغرق يزداد في فصل الصيف أكثر من أي فصل آخر، نسبتها تبلغ في الصيف قرابة %47 بينما تبلغ %20 في الشتاء و%33 خلال الخريف، حسب أحد دراسة أجريت في منطقة عسير. محليًا يعتبر الغرق ثاني سبب لوفاة الأطفال تحت عمر 15 سنة، ومتوسط عمر الضحايا هو أربع سنوات. لا أبالغ حينما أقول إنه لا يكاد يمر صيف دون ضحايا غرق من الأطفال، وأقسام الطوارئ تشهد بذلك. هناك من يغرق في المسابح وهناك من يغرق في البحر، ويصل هؤلاء الأطفال غالبًا للمستشفيات فاقدي الوعي أو متوقفي القلب والتنفس، هناك من يستجيب للإنعاش ويبقى على قيد الحياة، ولكن لا يعود لحالة الوعي لما قبل حادثة الغرق، لتضرر الدماغ بنقص الأوكسجين الذي حدث، وحسب الدراسة ذاتها، فإن قرابة %37 من هذه الحالات تتوفى.

ما الذي يجعل بعض الأطفال يتضررون أكثر من غيرهم؟ هي مدة الغرق قبل انتشال الطفل، فكلما طالت هذه الفترة، ازدادت نسبة تضرر الطفل، وكذلك سرعة الإنقاذ والإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي.

يبدأ الموت الدماغي بالحدوث بعد 4-6 دقائق من توقف القلب إذا لم يحدث الإنعاش القلبي الرئوي، وإذا لم يتم الإنعاش، فإن فرص نجاة الضحية تنخفض بنسبة 7 إلى 10 % لكل دقيقة تأخير، فالإنعاش القلبي الرئوي يساعد في الحفاظ على تدفق الدم إلى القلب والدماغ، وبالتالي زيادة فرص الحياة وتقليل الأضرار. ولكن على أرض الواقع كم يستغرق الوقت لوصول فريق الإنقاذ لمكان الحادث أو حتى وصول المصاب إلى المستشفى، حسب الدراسة التي أجريت في عسير، لم يتلقَ المرضى أي مساعدة طبية متخصصة حتى وصولهم إلى المستشفى في غضون 14-19 دقيقة، وهذا ما جعل نسبة الضرر لدى هؤلاء الأطفال الغرقى أكبر. كان العامل المشترك بين هؤلاء الأطفال أن معظمهم لم يكونوا تحت رقابة كبار أثناء ممارسة السباحة، وبالتالي عدم اكتشاف غرقهم إلا بعد مرور 4-5 دقائق، وأسوأهم حالًا بعد مرور ربع ساعة. وكذلك تأخر وصولهم للمستشفى وعدم إجراء إسعافات أولية أو إنعاش قلبي رئوي مباشرة في موقع الحدث. الدرس الذي نتعلمه هنا أن السباحة حق متاح للأطفال في النوادي تحت رقابة المدربين، أو في المنازل والإستراحات تحت رقابة الأهل، وتوفير كل الوسائل التي تضمن سلامة الطفل. الشيء الذي أجده ضروريًّا، ليس فقط لضحايا الغرق، بل لكل حادث يحتاج لإسعافات أولية أو إنعاش، التدريب على الإنعاش القلبي الرئوي والإسعافات الأولية، فهذا متطلب مهم ليس فقط للممارسين الصحيين بل لكل شخص من الممكن أن يكون هو المنقذ الوحيد المتاح. أقترح أن يكون الحصول على شهادة الإنعاش القلبي الرئوي والإسعافات الأولية أحد المتطلبات لاستخراج الهوية الوطنية أو رخصة القيادة، وتتجدد عند كل تجديد لهما، حتى يكون هناك شخص متدرب ومنقذ مُتاح في كل وقت ومكان، لأنه «إذا فات الفوت.. ما ينفع الصوت».