محمد جميح

من خلال تتبع التعاطي الحوثي مع المبادرات المطروحة للحل السلمي في اليمن يظهر أن الحوثيين ينتهجون سياسة الإيهام بـ«القبول الإجمالي» بالمبادرة لتجنب تحميلهم مسؤولية استمرار الحرب وتعطيل الحلول، ولكنهم في الوقت نفسه يعمدون إلى تكتيك «الشروط التفصيلية» التي تفرغ أي مبادرة من مضامينها وأهدافها، وبشكل يمكنهم- بحسب تصورهم- من التملص من الالتزامات في لعبة مكشوفة لا يأبهون كثيراً لانكشافها، بسبب رغباتهم في التوسع العسكري.

قبل أيام قال الأمريكيون، إن من يعيق وقف إطلاق النار هم الحوثيون، وقالها البريطانيون ومثلهم الفرنسيون، وحتى الاتحاد الأوروبي الذي يهتم أكثر بالوضع الإنساني بدأ يدرك أن «الكارثة الإنسانية الأكبر» سببها الحوثيون، الذين صرخ يوماً ديفيد بيزلي مدير برنامج الغذاء العالمي في مجلس الأمن قائلاً إن الحوثيين «يسرقون الطعام من أفواه الجياع»، ناهيك عن إدراك القوى الدولية أن الحوثي يبتز الحكومة والإقليم والمجتمع الدولي بسفينة صافر العائمة التي عادة ما توصف بأنها قنبلة موقوتة، حيث قال نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، جيفري ديلورينتيس، في جلسة مجلس الأمن، الثلاثاء، إن «مسؤولية هذه الكارثة الإنسانية والاقتصادية والبيئية الوشيكة تقع على عاتق الحوثيين وحدهم».

واتساقاً مع ما يبدو رغبة دولية في حل سلمي للحرب قدم السعوديون- أخيراً- مبادرة واقعية فيها فتح مطار صنعاء وفتح الميناء مع ضرورة توريد عائدات الميناء لحساب خاص في البنك المركزي اليمني فرع الحديدة، لصرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين، ومع وجود آلية تضمن ألا يحول الحوثي مطار صنعاء إلى وجهة جديدة للسلاح الإيراني المنتشر بين ميليشيات طهران.

قدمت الرياض المبادرة بعد نقاشات مستفيضة مع الأمريكيين والبريطانيين وغيرهم، ومع المبعوثين الأممي والأمريكي، وهو ما أضفى على المبادرة صبغة دولية، إذ أيدتها قوى دولية حول العالم، وقبلت بها الحكومة اليمنية، وهي تتضمن إضافة إلى الإجراءات الإنسانية وقفاً شاملاً لإطلاق النار، والذهاب لمفاوضات الحل السلمي.

وقبل أيام ذهب إلى صنعاء وفد عماني على أمل أن يقنع عبدالملك الحوثي بقبول المبادرة، غير أن الحوثيين- بحسب العادة- ظلوا يتلاعبون لكسب الوقت، ظناً منهم أنهم يمكن أن يدخلوا مأرب، ويسيطروا على النفط والغاز، ثم يتوجهوا إلى أي مفاوضات ومعهم الكرت الأقوى، وهي الخطوة التي يبدو أنها تعثرت رغم محاولاتهم المستميتة لإنجاحها.

ولكي يصل الحوثيون إلى هدفهم في تعطيل الوساطة العمانية، ولكي لا يظهروا بمظهر المعرقل لها، اشترطوا ما سموه فصل المسار الإنساني عن بقية المسارات، والذي يعني فتح الميناء دون توريد عوائده لصالح الموظفين، ليتصرف بها مشرفوهم، وفتح المطار دون رقابة ليصلهم ما يشاؤون من سلاح وخبرة، ووقف تدخل التحالف لينفردوا بمأرب، وينطلقوا منها للجنوب بحسب تصوراتهم، كل ذلك قبل الذهاب لمفاوضات الحل النهائي.

وتبدو المطالبة الحوثية بفصل المسارات الإنسانية عن غيرها من المسارات باعثة على السخرية، إذ إن الحوثيين هم من طالبوا بربط المسارات في معركة الحديدة، وجعلوا الأزمة الإنسانية شعارا رفعوه لوقف المعركة، وهو الأمر الذي يطالبون بعكسه اليوم، وهم يخوضون حربهم للسيطرة على مأرب.

ذلك التكتيك فيما يبدو هو سبب تعثر الوساطة العمانية على المستوى اليمني، وأما على المستوى الإقليمي وعلى الرغم من تصريحات أمريكية بعدم الربط بين الملف اليمني والملف النووي الإيراني في المفاوضات الحالية في فيينا، إلا أن أحد أسباب عرقلة خطة الرياض هو أن الإيرانيين لا يرغبون في التفريط بالكرت الحوثي الجيد في لعبتهم مع مجموعة القوى الدولية حول البرنامج النووي لطهران.

ومع جدية الإدارة الأمريكية الجديدة في التوصل لحل في الملف اليمني وكذا في الملف النووي الإيراني، يبدو أن الإيرانيين يرغبون في الضغط، مستغلين رغبة واشنطن في التفرغ لساحات دولية أكثر إلحاحاً بالنسبة للأمريكيين، في شرق ووسط آسيا وبحر الصين الجنوبي.

يدرك الإيرانيون الرغبة الأمريكية في التخفف من ثقل بعض الملفات الإقليمية، ويحاولون التلاعب بسير المفاوضات في فيينا، ويسعون لتعطيل مبادرة الرياض لدفع الأمريكيين لسلق طبخة سريعة في اليمن، قد تقر كل طرف على ما تحت يده من أراض وموارد، لكن ذلك لن يكون أكثر من استراحة محارب تستدعي مشاريع حروب لا تنتهي.