علي عبدالله موسى

طالعت بسرور بالغ في موقع الهيئة الحكم على بعض الموظفين لانتفاعهم بمؤهلات دراسية مزورة، وكنت قد وضعت تصورا للغش والفساد العلمي والتعليمي الذي يؤسس للفساد والغش والخيانة بمفاهيمها المختلفة. وهنا أضيف مصطلحي الغش والخيانة، فالفساد بكل أنواعه الإداري والمالي والخيانة للأمانة مصدره جميعا الغش الذي يبدأ من التعليم ثم ينتقل إلى الحياة العامة في مواقع العمل المختلفة. لقد لاحظت بصفتي معلما في التعليم وأستاذا في الجامعة أن الغش يبدأ بالتربية في المنزل والتعليم في المدرسة والجامعة، ثم في بقية مؤسسات المجتمع، ويعود ذلك إلى غياب ثقافة الأمانة وتعليم الأخلاق الحميدة التي هي أساس ديننا الحنيف. كما أن الأسرة التي ترضى بالغش وتشجع عليه شريكة في الفساد، والمعلم والمدرسة والأستاذ والجامعة التي تسهل عملية الغش ولا تعالجه بطرق تربوية وعلمية وتطبيقية سليمة شريكة في الفساد. والتعليم يشبه البيع والشراء حيث يتعلم الإنسان أن لكل سلعة قيمة، فهو يأخذ السلعة بمقابل، وإذا أخذها من دون حقها فهي سرقة، والغش في الدراسة وفي الأبحاث والدرجات هو أساس الفساد وسوء الأخلاق حيث تكون بداية تعلم الخيانة وعدم المسؤولية والشروع في السرقة وأخذ الأشياء من دون حقها سواء كانت حقوقا عامة أو خاصة. بل إن الغش يكون خيانة للنفس وكرامتها والأسرة والمجتمع قبل الخيانة الوطنية. ولهذا أقترح أن يكون شعار هذه المرحلة من مراقبة ومكافحة الفساد «من غشنا ليس منا». ويوضع نص هذا الحديث الشريف في كل مكان حتى تصل الرسالة إلى الأذهان، وذلك لأن مصطلح الغش تندرج تحته جميع أنواع الفساد والخيانة التي تضر بالفرد والأسرة والمجتمع والدولة. هناك كثيرون من المنتفعين بالشهادات الوهمية أو المزورة وأيضا المدفوعة التي تشترى وتكون الشهادة من جهة علمية حيث يكون بعض أساتذة الجامعات فرسانها حتى مع طلابهم وطالباتهم الذين يشرفون عليهم، وهناك جامعات ومؤسسات سهلت بالمال حصول صاحب الشهادة المزورة أو غير المعتمدة من خلال برامج في مؤسسات تعليمية هدفها الربح وليس العلم، وبعد حصول الأفراد عليها وهم غير مؤهلين يطالبون بالحقوق الوظيفية، وقد تكون بعض الرسائل العلمية كتبت لهم وزورت درجاتهم من مكاتب متخصصة في كتابة الرسائل والأبحاث للترقيات، وبعض المجلات العلمية قائمة على النشر العلمي بالمال، وكل هذه من أنواع الغش والفساد والخيانة. والكثير من الممارسات والتبرير للفساد والغش يعود لعدم وجود مرجعية علمية ممثلة في كتاب الأخلاق الذي يجب أن يدرس في المدارس ويربط بالتطبيقات وفيه تعالج جميع القضايا الأخلاقية وأيضا تعرض قضايا الغش والفساد، هذا على المستوى التعليمي، ثم على المستوى العام يجب أن يكون هناك دليل لمحاربة الغش والفساد العلمي يوضح فيه جميع جوانب الفساد والغش وأنواعه ويصنف إلى فئات ودرجات تتعلق بالمؤسسات التي تتورط في الغش والفساد العلمي من ناحية، وآخر يتعلق بالأفراد من طلاب وباحثين وأساتذة وأصحاب مكاتب الخدمات التعليمية وغيرها من المؤسسات التي تروج للفساد والغش سواء في الداخل والخارج، ويحتوى الدليل على عقوبات واضحة لكل فئة من هذه الفئات وفي جميع المستويات التعليمية. كما يقدم النصائح لمن يقع ضحية للغش والفساد ويبين له كيف يمكنه أن يصحح وضعه التعليمي. إن الجهود الكبيرة التي تقوم بها هيئة مراقبة ومكافحة الفساد عمل عظيم، ولكن جانب المكافحة يحتاج إلى حملات ودورات تدريبية ومؤلفات وندوات ومحاضرات وإعلانات تحذيرية وإرشادية لإيجاد مجتمع لديه وعي كامل بخطورة الفساد الذي بدأ من الغش وتراكم ليتحول عادة وممارسة سهلة ومقبولة لدى الأفراد، ويوصف بعضهم بالذكاء والدهاء والرجولة. وهنا يجب أن تتشارك هيئة مراقبة ومكافحة الفساد والغش مع الوزارات كل وزارة في مجال اختصاصها لعقد الدورات وتوزيع المنشورات التعريفية بالغش والفساد بحسب نوع وطبيعة عمل كل وزارة أو مؤسسة، ويوضع تصنيف للفساد بحسب نوع عمل المؤسسة مهما كبرة أو صغرت. وسوف تقدم الوزارات والمؤسسات نماذج رائعة للمحتوى الذي يسهم في نشر ثقافة مراقبة ومكافحة الفساد والغش. كما أنني أطالب بتكريم من يسهم في مكافحة الفساد والغش، وأن تصدر تقارير عن المؤسسات وعن سلامتها من الغش والفساد، ويكون هناك تقرير وطني على مستوى الهيئة بشكل سنوي عن حالات وأنواع الغش التي تم اكتشافها وكيفية معالجتها. مثل هذا التقرير سوف يكون رادعا للمفسدين، وإضافة لجهود المملكة العربية السعودية على المستوى الدولي في مراقبة ومكافحة الفساد والغش، والذي يجب أن يشمل الغش في جميع المجالات وبخاصة التجارية. هنا يتم تنمية قيم النزاهة والشفافية والمصداقية والموثوقية لدى الأفراد والأسر والمجتمع والدولة، وسوف ينتج عن ذلك انخفاض في معدلات الفساد والغش في جميع القطاعات وعلى جميع المستويات، ويتحول المجتمع إلى مجتمع محارب للفساد والغش، وتنمى فيه قيم النزاهة وعدم الاعتداء على الحقوق والممتلكات التي لا تحق له إلا بالطرق المشروعة والنظامية. هذا ندائي ورجائي الذي أوجهه لهيئة مراقبة ومكافحة الفساد والغش، ويمكن أن يبدأ العمل في هذا من خلال فريق عمل من مختلف المؤسسات لوضع خطوط عريضة تبنى عليها خطة متكاملة للمراقبة والمكافحة للفاسد والغش والتعليمي والبحثي في المؤسسات التعليمية. وأذكر بأن النجاح في معالجة هذه القضية سوف يجفف مصادر الفساد والغش في الخارج التي تستهدف أبناءنا وبناتنا وأموالنا وتعليمنا وثقافتنا وقيمنا ومرجعياتنا وثوابتنا.