فجر التطور التقني المتسارع مسائل شرعية عصرية عميقة، تحتاج إلى التعامل معها بشكل يراعي تطور العصر واختلاف أساليب التعاطي فيه، ولعل من أبرزها مسألة بيع وشراء الذهب عبر الإنترنت، وهو ما رأى بعض العالمين أنه يخالف القاعدة الشرعية، التي تقول إن «الذهب بالذهب، مثلا بمثل، يدا بيد»، وعلى هذا أفتوا بأنه لا يجوز شراء الذهب عبر الإنترنت وسداد ثمنه، وانتظار وصوله بعد أيام من عملية الشراء، وعدم جواز بيع الذهب بالذهب، ولا بيع الذهب بالنقود إلى أجل، لأنه من ربا النسيئة.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد من النصوص التي تدل على اشتراط قبض البدلين قبل الافتراق.
تباين الفتاوى
لا يقف العلماء موقفا واحدا من مسألة شراء الذهب عبر الإنترنت، ففي وقت يحرم بعض العلماء شراء وبيع الذهب أون لاين أو بالتقسيط، رأى آخرون من العلماء عدم جواز شراء الذهب عبر الإنترنت، واشتراط أن يكون الذهب والنقود حاضرين في مجلس العقد.
وفيما أجازت فتوى لدار الإفتاء المصرية شراء الذهب أو الفضة عن طريق التسويق الإلكتروني من الإنترنت، والدفع ببطاقة الائتمان، أعطى بعض العلماء المعاصرين حلولا تجيز الأمر إذا تم الشراء ببطاقة ائتمانية، مع تأخير استلام البائع للثمن إلى حين تسليم البضاعة، لتحقيق شرط المقابضة.
اشتراط حضور العوضين
جاء في فتاوى للعلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ عبدالله بنغديان، والشيخ عبدالله بن قعود أنه «يشترط في بيع الذهب، إذا بيع بذهب أو بفضة أو بنقود: أن يكون العوضان حاضرين في مجلس العقد، ويجب أن يكون الذهب والنقود حاضرين في مجلس العقد، فيتم التبادل «يدا بيد» أو «هاء وهاء» كما سيأتي في الحديث، وهو ما يسمى بالتقابض الفوري.
فإن لم يحصل التقابض كان ذلك من ربا النسيئة.
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» رواه مسلم «2970».
وروى مسلم «1586» عن مالك بن أوس بن الحدثان، أنه قال: «أقبلت أقول من يصطرف الدراهم؟ فقال طلحة بن عبيد الله - وهو عند عمر بن الخطاب -: أرنا ذهبك، ثم ائتنا، إذا جاء خادمنا، نعطك ورقك.
فقال عمر بن الخطاب: كلا، والله لتعطينه ورقه، أو لتردن إليه ذهبه.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الورق بالذهب ربا، إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا، إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا، إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا، إلا هاء وهاء».
والأوراق النقدية تأخذ حكم الفضة في هذا.
فلا يجوز بيع الذهب بالنقود: إلا يدا بيد.
تأخر القبض
بدوره، عدّ «مجمع الفقه الإسلامي» التابع لمنظمة «المؤتمر الإسلامي» في قرار له أن العملات الورقية تأخذ الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة، وفي القرار قال:
«بخصوص أحكام العملات الورقية، فإنها نقود اعتبارية، فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما»، وذلك حسب ما نقلته مجلة المجمع في العدد الثالث ج3 ص 1650، والعدد الخامس ج3 ص 1609.
وجاء في «فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» «13/ 475» «أحيانا يشتري صاحب المحل ذهبا بالجملة بواسطة التليفون، من مكة أو من خارج المملكة، وهو في الرياض، من صائغ معروف لديه، والبضاعة معروفة لدى المشتري، كأن تكون غوايش أو غير ذلك، ويتفقون على السعر، ويحول له الثمن بالبنك، فهل يجوز ذلك أو ماذا يفعل؟
الجواب: هذا العقد لا يجوز أيضا، لتأخر قبض العوضين عنه، الثمن والمثمن، وهما معا من الذهب، أو أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، أو ما يقوم مقامهما من الورق النقدي، وذلك يسمى بربا النسأ، وهو محرم، وإنما يستأنف البيع عند حضور الثمن، بما يتفقان عليه من الثمن وقت العقد، يدا بيد».
وجاء فيها أيضا «13/ 483» :
«لا يجوز بيع الذهب بالذهب، ولا الفضة بالفضة، إلا مثلا بمثل، يدا بيد، وإذا كان أحد العوضين ذهبا مصوغا أو نقدا، وكان الآخر فضة مصوغة أو نقدا، أو من العملات الأخرى: جاز التفاوت بينهما في القدر، لكن مع التقابض قبل التفرق من مجلس العقد».
وما خالف ذلك في هذه المسألة: فهو ربا، يدخل فاعله في عموم قوله تعالى: «الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس»..الآية.
ويمكن الاتصال لمعرفة السعر والتأكد من وجود الكمية، لكن لا يتم الشراء إلا عند ذهابك للمحل، ومبادلة الذهب بالنقود في مجلس التعاقد.
ولو تغير السعر فيما بين الاتصال الهاتفي وذهابك للمحل، فالعبرة بوقت وجودك في المحل، لأنه وقت التعاقد، فلا بد من قبض كامل الثمن عند قبض الذهب، سواء من المحلات أو عن طريق الإنترنت، فإن طلب البائع إمهاله أياما لإحضار الذهب، مع مطالبته بإتمام البيع، فهذا العمل لا يجوز فلا بد من التقابض.
ومحل السؤال الآن: هل شراء الذهب أو الفضة عن طريق الإنترنت يحصل فيه شرط التقابض؟ ومن ثم يقال: بالجواز.
والجواب الإجمالي عن هذه المسألة وعن غيرها مما يستجد، هو: أنه متى ما تحقق صورة من صور التقابض الحقيقي أو الحكمي صح البيع، فإن لم يحصل التقابض فلا تجوز هذه المعاملة.
والتقابض الحقيقي واضح ومعروف، أما الحكمي فهو محل تجدد الصور، وقد تكلم الفقهاء عن أن قبض الأموال كما يكون حسيا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارا وحكما بالتخلية، مع التمكين من التصرف، ولو لم يوجد القبض حسا، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها، واختلاف الأعراف فيما يكون قبضا لها.
وبناء على ذلك: فالتقابض شرط في بيع وشراء الذهب ولو عن طريق النت، فإن تحقق واحد من أشكال التقابض الحقيقي أو الحكمي، كأن: يخصم من حساب المشتري البنكي بشكل مباشر لصالح البائع صح البيع، بشرط أن يوكل المشتري طرفا أو شخصا بالقبض عنه في مكان وجود السلعة».
إجازة سلع
تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالا جاء فيه، «ما حكم شراء الذهب أو الفضة من أصحاب المحلات بطريق التسويق الإلكتروني من الإنترنت؟، والدفع ببطاقة الائتمان، ثم التواصل مع البائع للاتفاق على كيفية تسليم وتوصيل المشغولات التي اخترتها من المتجر الإلكتروني؟».
وقال مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي إبراهيم علام، إنه «يجوز بيع الذهب والفضة المصوغين وشراؤهما عن طريق التسوق الإلكتروني من الإنترنت، فالذهب والفضة المصوغين صار شأنهما في ذلك شأن سائر السلع من غير النقدين بعد ارتفاع علة الثمنية عنهما، بتحقق معنى الصناعة والصياغة فيهما، فلم يشترط فيهما حينئذ - كأي سلعة من السلع - الحلول والتقابض، ولا يحرم فيهما التفاضل ولا البيع الآجل، وأما النهي الوارد في الأحاديث الشريفة عن بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة إلا مع التماثل في العوضين والتقابض في مجلس البيع، فإنما هو في بيع النقدين المتماثلين ببعضهما بالتفاضل أو البيع الآجل، لا في بيع الذهب المصوغ كما في صورة السؤال.
وأضاف «في ظل التوسعات الاقتصادية في العصر الحديث وتغيير نمط التجارة، يعمد كثير من الناس لإجراء العقود بيعا وشراء أون لاين، الذي يعتمد على عرض البائع تفاصيل المنتج، وكيفية تسليمه للعميل بعد الاتفاق على السعر.
وتابع: ومما دخل فيه هذا النمط من التعامل التجاري: الذهب والفضة، إذ يختار العميل المشغولات»ذهبا أو فضة«التي تناسبه عن طريق المتجر الإلكتروني الخاص بالبائع، ويتم الدفع ببطاقات الائتمان المختلفة، ثم ينهي البائع إجراءات توصيل المشغولات للعميل.
وهذا النمط من التعامل التجاري في الذهب والفضة بيعا وشراء لا مانع منه، لأن الحلول والتقابض المشروطين في بيع الذهب والفضة لا يجريان في الذهب المصوغ، أي: الذي دخلته الصناعة، وذلك لأن الصياغة أخرجتهما عن كونهما أثمانا، أي: وسيطا للتبادل، فانتفت عنهما بذلك علة النقدية التي توجب فيهما شروط الحلول والتقابض والتماثل، ويترتب عليها تحريم التفاضل وتحريم البيع الآجل، فصار الذهب والفضة المصوغان بذلك سلعة من السلع، التي يجري فيها اعتبار قيمة الصنعة - وهي هنا «الصياغة» - إذ من المعلوم أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز بيع الذهب والفضة المصوغين وشراؤهما عن طريق «التسوق الإلكتروني» من الإنترنت، لأن الذهب والفضة المصوغين صار شأنهما في ذلك شأن سائر السلع.
عدم الجواز
عميد كلية الشريعة في جامعة الكويت الدكتور مطلق الجاسر، يؤكد عدم جواز شراء الذهب عبر الإنترنت، وقال»كثر السؤال عن حكم شراء الذهب أو الفضة عن بعد «on line»، والجواب: لا يجوز، لأن التسليم سيتأخر عن الدفع، ومن شروط صحة شراء الذهب والفضة «التقابض» أي: تسليم الثمن والمثمن فورا، لكن لو تم اختيار قطعة ذهب أو فضة، بدون دفع مال ولا إبرام عقد، فيحضرها البائع ويتم العقد عند التوصيل = فيجوز.
وفي سؤال عن جواز بيع المجوهرات عبر الإنترنت، وذلك بإنشاء موقع يحتوي على حلي ومجوهرات، ويتم شراؤها بواسطة العميل، ثم إرسال البضاعة عبر البريد؟، أجاب الباحث في الاقتصاد الإسلامي الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم قائلا «المجوهرات من غير الذهب والفضة يجوز بيعها عبر الإنترنت كسائر السلع والخدمات، أما الحلي من الذهب والفضة ففيها خلاف هل تأخذ حكم السلع أو حكم الأثمان. فجماهير الفقهاء على أن الحلي له حكم الدنانير والدراهم فيجب في بيعه التقابض يدا بيد، ويرى شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أن «الحلي خرجت بالصنعة عن كونها ثمنا فتأخذ حكم السلع»، لكنه يرى أنه إذا كان مقصود المشتري من شراء الحلي هو الثمنية فإنها حينئذ ترجع لأحكام الصرف، ونظرا لصعوبة تحديد مقاصد العملاء، وأخذا بالأحوط في التعامل مع عامة الناس عبر الإنترنت فإنه ينبغي الأخذ بقول الجمهور.
وبناء على ذلك يشترط لصحة بيع الحلي من الذهب والفضة عبر الإنترنت مراعاة ما يلي:
1. يعد اختيار الحلي وإتمام خطوات الشراء المعتادة عبر الإنترنت، من باب الوعد غير الملزم وليس العقد.
2. تتضمن خطوات الطلب توكيل العميل شركة الشحن، باستلام الحلي نيابة عنه، ويعطى العميل رقم الشحن لكي يتابع بنفسه استلام الشركة للحلي ومراحل الشحن. ويفضل أن يوجد أكثر من شركة للشحن ليختار العميل من بينها.
3. لا يتم خصم الثمن من حساب العميل، أو تقييده عليه لمصلحة البائع إلا بعد تسليم الحلي لشركة الشحن، باعتبارها وكيلا عنه. فإذا استلمت الشركة الحلي المطلوب يتم إبلاغ العميل بذلك «بالإيميل أو رسالة جوال أو من خلال متابعة مراحل الشحن عبر موقع الشركة» ومن ثم خصم أو تقييد الثمن عليه. أما قبل استلام شركة الشحن للحلي فيكون تقييد الثمن مجرد تفويض، دون أن يحتسب عليه فعليا.
4. إذا كان الشراء ببطاقة ائتمانية يتأخر فيها استلام البائع للثمن، فإن البيع لا ينعقد حتى يتم استلام الثمن ودخوله في حساب البائع. وعليه فينبغي ألا يتم البدء بإجراءات الشحن بالفعل «بعد استلام شركة الشحن للحلي» إلا بعد دخول الثمن في حساب البائع، وحينئذ يتم الشراء لتحقق شرط التقابض يدا بيد. وإذا تم ذلك يبلغ العميل بتمام العقد وبدء إجراءات الشحن.
5. أما إذا كان الشراء ببطاقة خصم «debit card» أو مسبقة الدفع وما في حكمها مما يتم فيه استلام البائع للثمن فورا، فإن البيع ينعقد بمجرد تسليم الحلي لشركة الشحن.
6. إذا ثبت أن شركة الشحن لم توصل الحلي للعميل لأي سبب من الأسباب فيجب أن يعيد إليه البائع الثمن ويقاضي هو شركة الشحن، وذلك لأن الشركة وكيل عن البائع وعن المشتري في الوقت نفسه، فمنعا للتهمة يضمن البائع توصيل الحلي للعميل.
حجج تحريم شراء الذهب عبر الإنترنت
ـ مخالفته القاعدة الشرعية «الذهب بالذهب، مثلا بمثل، يدا بيد»
ـ عدم جواز بيع الذهب بالذهب، ولا بيع الذهب بالنقود إلى أجل، لأنه من ربا النسيئة
ـ اشتراط قبض البدلين قبل الافتراق
ـ يجب أن يكون العوضان حاضرين في مجلس العقد
ـ لا بد في شراء الذهب من التبادل «يدا بيد» أو «هاء وهاء»
asf
حجج الجواز
ـ ارتفاع على الثمنية عن الذهب والفضة
ـ الذهب والفضة المصوغان صار شأنهما شأن سائر السلع من غير النقدين
ـ دخول الصناعة والصياغة على الذهب تخرجه من شرط الحلول والتقابض
ـ الذهب المصوغ لا يشترك في بيعه الحلول والتقابض لأن الصياغة أخرجته من كونه ثمنا.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد من النصوص التي تدل على اشتراط قبض البدلين قبل الافتراق.
تباين الفتاوى
لا يقف العلماء موقفا واحدا من مسألة شراء الذهب عبر الإنترنت، ففي وقت يحرم بعض العلماء شراء وبيع الذهب أون لاين أو بالتقسيط، رأى آخرون من العلماء عدم جواز شراء الذهب عبر الإنترنت، واشتراط أن يكون الذهب والنقود حاضرين في مجلس العقد.
وفيما أجازت فتوى لدار الإفتاء المصرية شراء الذهب أو الفضة عن طريق التسويق الإلكتروني من الإنترنت، والدفع ببطاقة الائتمان، أعطى بعض العلماء المعاصرين حلولا تجيز الأمر إذا تم الشراء ببطاقة ائتمانية، مع تأخير استلام البائع للثمن إلى حين تسليم البضاعة، لتحقيق شرط المقابضة.
اشتراط حضور العوضين
جاء في فتاوى للعلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ عبدالله بنغديان، والشيخ عبدالله بن قعود أنه «يشترط في بيع الذهب، إذا بيع بذهب أو بفضة أو بنقود: أن يكون العوضان حاضرين في مجلس العقد، ويجب أن يكون الذهب والنقود حاضرين في مجلس العقد، فيتم التبادل «يدا بيد» أو «هاء وهاء» كما سيأتي في الحديث، وهو ما يسمى بالتقابض الفوري.
فإن لم يحصل التقابض كان ذلك من ربا النسيئة.
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» رواه مسلم «2970».
وروى مسلم «1586» عن مالك بن أوس بن الحدثان، أنه قال: «أقبلت أقول من يصطرف الدراهم؟ فقال طلحة بن عبيد الله - وهو عند عمر بن الخطاب -: أرنا ذهبك، ثم ائتنا، إذا جاء خادمنا، نعطك ورقك.
فقال عمر بن الخطاب: كلا، والله لتعطينه ورقه، أو لتردن إليه ذهبه.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الورق بالذهب ربا، إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا، إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا، إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا، إلا هاء وهاء».
والأوراق النقدية تأخذ حكم الفضة في هذا.
فلا يجوز بيع الذهب بالنقود: إلا يدا بيد.
تأخر القبض
بدوره، عدّ «مجمع الفقه الإسلامي» التابع لمنظمة «المؤتمر الإسلامي» في قرار له أن العملات الورقية تأخذ الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة، وفي القرار قال:
«بخصوص أحكام العملات الورقية، فإنها نقود اعتبارية، فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما»، وذلك حسب ما نقلته مجلة المجمع في العدد الثالث ج3 ص 1650، والعدد الخامس ج3 ص 1609.
وجاء في «فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» «13/ 475» «أحيانا يشتري صاحب المحل ذهبا بالجملة بواسطة التليفون، من مكة أو من خارج المملكة، وهو في الرياض، من صائغ معروف لديه، والبضاعة معروفة لدى المشتري، كأن تكون غوايش أو غير ذلك، ويتفقون على السعر، ويحول له الثمن بالبنك، فهل يجوز ذلك أو ماذا يفعل؟
الجواب: هذا العقد لا يجوز أيضا، لتأخر قبض العوضين عنه، الثمن والمثمن، وهما معا من الذهب، أو أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، أو ما يقوم مقامهما من الورق النقدي، وذلك يسمى بربا النسأ، وهو محرم، وإنما يستأنف البيع عند حضور الثمن، بما يتفقان عليه من الثمن وقت العقد، يدا بيد».
وجاء فيها أيضا «13/ 483» :
«لا يجوز بيع الذهب بالذهب، ولا الفضة بالفضة، إلا مثلا بمثل، يدا بيد، وإذا كان أحد العوضين ذهبا مصوغا أو نقدا، وكان الآخر فضة مصوغة أو نقدا، أو من العملات الأخرى: جاز التفاوت بينهما في القدر، لكن مع التقابض قبل التفرق من مجلس العقد».
وما خالف ذلك في هذه المسألة: فهو ربا، يدخل فاعله في عموم قوله تعالى: «الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس»..الآية.
ويمكن الاتصال لمعرفة السعر والتأكد من وجود الكمية، لكن لا يتم الشراء إلا عند ذهابك للمحل، ومبادلة الذهب بالنقود في مجلس التعاقد.
ولو تغير السعر فيما بين الاتصال الهاتفي وذهابك للمحل، فالعبرة بوقت وجودك في المحل، لأنه وقت التعاقد، فلا بد من قبض كامل الثمن عند قبض الذهب، سواء من المحلات أو عن طريق الإنترنت، فإن طلب البائع إمهاله أياما لإحضار الذهب، مع مطالبته بإتمام البيع، فهذا العمل لا يجوز فلا بد من التقابض.
ومحل السؤال الآن: هل شراء الذهب أو الفضة عن طريق الإنترنت يحصل فيه شرط التقابض؟ ومن ثم يقال: بالجواز.
والجواب الإجمالي عن هذه المسألة وعن غيرها مما يستجد، هو: أنه متى ما تحقق صورة من صور التقابض الحقيقي أو الحكمي صح البيع، فإن لم يحصل التقابض فلا تجوز هذه المعاملة.
والتقابض الحقيقي واضح ومعروف، أما الحكمي فهو محل تجدد الصور، وقد تكلم الفقهاء عن أن قبض الأموال كما يكون حسيا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارا وحكما بالتخلية، مع التمكين من التصرف، ولو لم يوجد القبض حسا، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها، واختلاف الأعراف فيما يكون قبضا لها.
وبناء على ذلك: فالتقابض شرط في بيع وشراء الذهب ولو عن طريق النت، فإن تحقق واحد من أشكال التقابض الحقيقي أو الحكمي، كأن: يخصم من حساب المشتري البنكي بشكل مباشر لصالح البائع صح البيع، بشرط أن يوكل المشتري طرفا أو شخصا بالقبض عنه في مكان وجود السلعة».
إجازة سلع
تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالا جاء فيه، «ما حكم شراء الذهب أو الفضة من أصحاب المحلات بطريق التسويق الإلكتروني من الإنترنت؟، والدفع ببطاقة الائتمان، ثم التواصل مع البائع للاتفاق على كيفية تسليم وتوصيل المشغولات التي اخترتها من المتجر الإلكتروني؟».
وقال مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي إبراهيم علام، إنه «يجوز بيع الذهب والفضة المصوغين وشراؤهما عن طريق التسوق الإلكتروني من الإنترنت، فالذهب والفضة المصوغين صار شأنهما في ذلك شأن سائر السلع من غير النقدين بعد ارتفاع علة الثمنية عنهما، بتحقق معنى الصناعة والصياغة فيهما، فلم يشترط فيهما حينئذ - كأي سلعة من السلع - الحلول والتقابض، ولا يحرم فيهما التفاضل ولا البيع الآجل، وأما النهي الوارد في الأحاديث الشريفة عن بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة إلا مع التماثل في العوضين والتقابض في مجلس البيع، فإنما هو في بيع النقدين المتماثلين ببعضهما بالتفاضل أو البيع الآجل، لا في بيع الذهب المصوغ كما في صورة السؤال.
وأضاف «في ظل التوسعات الاقتصادية في العصر الحديث وتغيير نمط التجارة، يعمد كثير من الناس لإجراء العقود بيعا وشراء أون لاين، الذي يعتمد على عرض البائع تفاصيل المنتج، وكيفية تسليمه للعميل بعد الاتفاق على السعر.
وتابع: ومما دخل فيه هذا النمط من التعامل التجاري: الذهب والفضة، إذ يختار العميل المشغولات»ذهبا أو فضة«التي تناسبه عن طريق المتجر الإلكتروني الخاص بالبائع، ويتم الدفع ببطاقات الائتمان المختلفة، ثم ينهي البائع إجراءات توصيل المشغولات للعميل.
وهذا النمط من التعامل التجاري في الذهب والفضة بيعا وشراء لا مانع منه، لأن الحلول والتقابض المشروطين في بيع الذهب والفضة لا يجريان في الذهب المصوغ، أي: الذي دخلته الصناعة، وذلك لأن الصياغة أخرجتهما عن كونهما أثمانا، أي: وسيطا للتبادل، فانتفت عنهما بذلك علة النقدية التي توجب فيهما شروط الحلول والتقابض والتماثل، ويترتب عليها تحريم التفاضل وتحريم البيع الآجل، فصار الذهب والفضة المصوغان بذلك سلعة من السلع، التي يجري فيها اعتبار قيمة الصنعة - وهي هنا «الصياغة» - إذ من المعلوم أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز بيع الذهب والفضة المصوغين وشراؤهما عن طريق «التسوق الإلكتروني» من الإنترنت، لأن الذهب والفضة المصوغين صار شأنهما في ذلك شأن سائر السلع.
عدم الجواز
عميد كلية الشريعة في جامعة الكويت الدكتور مطلق الجاسر، يؤكد عدم جواز شراء الذهب عبر الإنترنت، وقال»كثر السؤال عن حكم شراء الذهب أو الفضة عن بعد «on line»، والجواب: لا يجوز، لأن التسليم سيتأخر عن الدفع، ومن شروط صحة شراء الذهب والفضة «التقابض» أي: تسليم الثمن والمثمن فورا، لكن لو تم اختيار قطعة ذهب أو فضة، بدون دفع مال ولا إبرام عقد، فيحضرها البائع ويتم العقد عند التوصيل = فيجوز.
وفي سؤال عن جواز بيع المجوهرات عبر الإنترنت، وذلك بإنشاء موقع يحتوي على حلي ومجوهرات، ويتم شراؤها بواسطة العميل، ثم إرسال البضاعة عبر البريد؟، أجاب الباحث في الاقتصاد الإسلامي الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم قائلا «المجوهرات من غير الذهب والفضة يجوز بيعها عبر الإنترنت كسائر السلع والخدمات، أما الحلي من الذهب والفضة ففيها خلاف هل تأخذ حكم السلع أو حكم الأثمان. فجماهير الفقهاء على أن الحلي له حكم الدنانير والدراهم فيجب في بيعه التقابض يدا بيد، ويرى شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أن «الحلي خرجت بالصنعة عن كونها ثمنا فتأخذ حكم السلع»، لكنه يرى أنه إذا كان مقصود المشتري من شراء الحلي هو الثمنية فإنها حينئذ ترجع لأحكام الصرف، ونظرا لصعوبة تحديد مقاصد العملاء، وأخذا بالأحوط في التعامل مع عامة الناس عبر الإنترنت فإنه ينبغي الأخذ بقول الجمهور.
وبناء على ذلك يشترط لصحة بيع الحلي من الذهب والفضة عبر الإنترنت مراعاة ما يلي:
1. يعد اختيار الحلي وإتمام خطوات الشراء المعتادة عبر الإنترنت، من باب الوعد غير الملزم وليس العقد.
2. تتضمن خطوات الطلب توكيل العميل شركة الشحن، باستلام الحلي نيابة عنه، ويعطى العميل رقم الشحن لكي يتابع بنفسه استلام الشركة للحلي ومراحل الشحن. ويفضل أن يوجد أكثر من شركة للشحن ليختار العميل من بينها.
3. لا يتم خصم الثمن من حساب العميل، أو تقييده عليه لمصلحة البائع إلا بعد تسليم الحلي لشركة الشحن، باعتبارها وكيلا عنه. فإذا استلمت الشركة الحلي المطلوب يتم إبلاغ العميل بذلك «بالإيميل أو رسالة جوال أو من خلال متابعة مراحل الشحن عبر موقع الشركة» ومن ثم خصم أو تقييد الثمن عليه. أما قبل استلام شركة الشحن للحلي فيكون تقييد الثمن مجرد تفويض، دون أن يحتسب عليه فعليا.
4. إذا كان الشراء ببطاقة ائتمانية يتأخر فيها استلام البائع للثمن، فإن البيع لا ينعقد حتى يتم استلام الثمن ودخوله في حساب البائع. وعليه فينبغي ألا يتم البدء بإجراءات الشحن بالفعل «بعد استلام شركة الشحن للحلي» إلا بعد دخول الثمن في حساب البائع، وحينئذ يتم الشراء لتحقق شرط التقابض يدا بيد. وإذا تم ذلك يبلغ العميل بتمام العقد وبدء إجراءات الشحن.
5. أما إذا كان الشراء ببطاقة خصم «debit card» أو مسبقة الدفع وما في حكمها مما يتم فيه استلام البائع للثمن فورا، فإن البيع ينعقد بمجرد تسليم الحلي لشركة الشحن.
6. إذا ثبت أن شركة الشحن لم توصل الحلي للعميل لأي سبب من الأسباب فيجب أن يعيد إليه البائع الثمن ويقاضي هو شركة الشحن، وذلك لأن الشركة وكيل عن البائع وعن المشتري في الوقت نفسه، فمنعا للتهمة يضمن البائع توصيل الحلي للعميل.
حجج تحريم شراء الذهب عبر الإنترنت
ـ مخالفته القاعدة الشرعية «الذهب بالذهب، مثلا بمثل، يدا بيد»
ـ عدم جواز بيع الذهب بالذهب، ولا بيع الذهب بالنقود إلى أجل، لأنه من ربا النسيئة
ـ اشتراط قبض البدلين قبل الافتراق
ـ يجب أن يكون العوضان حاضرين في مجلس العقد
ـ لا بد في شراء الذهب من التبادل «يدا بيد» أو «هاء وهاء»
asf
حجج الجواز
ـ ارتفاع على الثمنية عن الذهب والفضة
ـ الذهب والفضة المصوغان صار شأنهما شأن سائر السلع من غير النقدين
ـ دخول الصناعة والصياغة على الذهب تخرجه من شرط الحلول والتقابض
ـ الذهب المصوغ لا يشترك في بيعه الحلول والتقابض لأن الصياغة أخرجته من كونه ثمنا.