نهلة الشريف

بعد أن لعبت الخيول دوراً عظيماً فـي حياة الفارس الـعربي، وكانت أداته التي يدفع بها غوائل الأخطار، تغير دورها اليوم ولكنها ظلت تحتل مكانة رفيعة لدى العرب عامة، مع اختلاف استخدامها عن السابق، فإذا كانت تدخل مضمار السباقات العالمية، وتولى عناية فائقة لأجل ذلك، هي أيضا تسهم بشكل بالغ كأداة من أدوات الطب الحديث، حيث شاع مؤخرا مفهوم العلاج بالخيول أو العلاج بمساعدة الخيول

‏‏ equine-assisted treatment أو مايسمى «العلاج بالفروسية»، وقد يتساءل القارىء عن ماهية العلاج بالفروسية !

‏ العلاج بالخيول ذُكر في أعمال أبُقراط أبو الطب، ولم يكن له منهج واضح، وبناء عليه لم يستقر له بروتوكول حتى الستينيات.

‏خلال الستينيات استخدمت الخيل في ألمانيا، النمسا والسويد، كعامل مساعد للعلاج الطبيعي التقليدي، وأدخل مصطلح Hippotherapy لأدبيات الطب عندها. وخلال الثمانينيات أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية، مجموعة من المعالجين الكنديين والأمريكيين، إلى ألمانيا لتعلم العلاج بركوب الخيل.

‏عام 1992 تأسست جمعية العلاج بركوب الخيل الأمريكية American Hippotherapy Association (AHA)، وأنشأت البروتوكول الدولي الرسمي، و تأسست معايير العلاج السريري المختص بركوب الخيل في عام 1994.

‏بالعودة إلى ماهية الفروسية العلاجية، فهي إحدى الطرق العصرية لتدريب وعلاج أصحاب الهمم، وتنمية قدراتهم على الحركة والتوازن، و تحسين قدراتهم الجسدية والإدراكية والذهنية، وتأهيلهم نفسيا وسلوكيا وتدعيم ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين بأسلوب جديد، وفق أسس علمية سليمة، وذلك باستخدام خيول من أنواع محددة ومدربة تدريباً خاصاً، وتحت إشراف مختصين بهذا النوع من العلاج.

‏ آلية العلاج المذهلة تعتمد على الحركة الإيقاعية الخاصة والمتكررة، حيث تحفز حركة التأرجح الأمامية/‏ الخلفية الراكب وتشجعه على تحقيق التوازن عن طريق تطوير الحركة، في مجموعة مهمة من عضلات الجسم وتقويتها، ويمتد هذا التأثير لمفاصل الجسم ومدى ليونتها.

‏وقد يتساءل أحدهم، من يستفيد من هذا العلاج ؟ يمكن أن يستفيد من هذه الطريقة العلاجية المبتكرة كل من المصابين بـ «الشلل الدماغي، تلف الدماغ المؤلم، متلازمة داون، اضطرابات التوحد السلوكية، ضمور العضلات، مرض دماغي وعائي، التصلب المتعدد، الأمراض النفسية، أمراض الحبل الشوكي، أمراض المفاصل الروماتيزمية، اضطرابات سلوكية واضطرابات نفسية، اضطرابات التكامل الحسي، اضطرابات النطق واللغة، تأخر في طور النمو، خلل المخيخ، مشاكل التوازن وردود أفعالها، اختلال في تنسيق حركات الجسم، مشاكل الوظائف الحسية والحركية، وضعيات الجسم الغير طبيعية والتحكم الضعيف في وضعيات الجسم».

وعلى الرغم من تحسن حالات كثيرة، كانت تحت العلاج بالفروسية، إلا أن مراكز العلاجات من هذا النوع، تكاد تكون معدومة أو تعد على عدد أصابع اليد لدينا هنا في السعودية، بعضها لا يعدو كونه إلا مبادرات من أفراد مهتمين بإدخال هذا النوع من التطبيب إلى ساحة التطبيق، وبعض الإسطبلات تمارسها أيضا، ولكن باجتهادات فردية وإمكانات محدودة، بعيدة عن أي إشراف طبي مؤهل. وبالقفز على حواجز البحث، أو حجم تأثير ومدى نجاعة مراكز تهتم بهذ النوع الفريد من العلاج - وإن كان مكملا للعلاجات الطبيعية - ونظرا لما للخيل من حضور طاغ في تاريخنا، ورسوخ عميق في ثقافتنا وتراثنا، أتساءل ما إن كان ممكنا دعم أصحاب هذه المبادرات، وتمويل المراكز الخاصة، بما يمكنها من تقديم أفضل ما يمكن تقديمه، ومساعدتهم للتوسع في البحث العلمي ؟

أتوسع في التساؤل أكثر من ذلك لأضيف، ماذا لو ألحقت بالمستشفيات الحكومية مراكز تأهيلية من هذا النوع، مع الاهتمام بتخصيص مبانٍ مناسبة، وتزويدها بكوادر طبية مؤهلة علميا ومدربة تدريبا مكثفا للعمل الميداني، لدعم الخطط العلاجية للمرضى المعنين، مع أهمية الاستفادة من تجارب الدول السباقة إلى هذا النهج الطبي الجديد، الذي لم يلق حظا جيدا هنا حتى الآن.