عثمان أبا الخيل

ذكريات الماضي بكل ما تحمل من ضجيج الفرح وضجيج الألم، ضجيج الوحدة والحب والسعادة والعشرة والمودة والعلاقات الإنسانية، ضَجّيجْ كُل ما فَي النَفس من خفايا وأسرار.

الماضي عالم من الضجيج الذي يهز كيان الإنسان ويجعله يعيش في بحر عميق تتلاطم به الأمواج. على الرغم من القناعة أن الضجيج أصبح من الماضي ولنْ يتكرر إلا إنه يفسد الحاضر ويحوّل لحظات العمر إلى جحيم من القلق والتوتر والحزن.

العلماء يحذرون من أن الاستماع إلى الضجيج الداخلي بشكل دائم قد يتسبب في أضرار نفسية. لا شيء أفضل وأنجع من التصالح مع النفس وهي الطريقة الوحيدة إلى السلام، لا شيء يوقف الضجيج داخل الإنسان سوى نسيان الماضي إذا كان يستطيع.

للضجيج صور كثيرة يعيشها الإنسان، صور جميلة وأخري بشعة يتمني أن يمزقها ويلقيها في سلة المهملات، لكن هذا لن يحدث فهي محفورة في جدار الذكريات، ذكريات تداعب الفكر. لا يمكن أن نعيد عقارب الزمن لنغير مجرى الأحداث التي مررنا بها، فهي تفرض نفسها علينا وتجبرنا على عيش سنين طويلة بالألم والقليل منها، من المؤسف والمحزن أن البعض يصاب بآلام نفسية مستديمة ويسمح للذكريات أن تحوله إلى ضحية، التركيز على الحاضر والانشغال به وينسى الماضي الذي أصبح ماضيا لن يعود.

سلوكيات الإنسان مع نفسه ومع الآخرين وفي تفاصيل حياته في الحاضر، هي الركيزة التي يشعر بالضجيج من خلالها في المستقبل. المستقبل يتجدد في ظل المتغيرات التي يحدثها الإنسان في الحاضر.

جميل أن يقف الإنسان على أطلال الماضي ويسعد بضجيجه حين يكون ضجيجا جميلا، ومؤلم حين يترك لنفسه المجال لكي تتصفح الماضي ويتألم كثيرا في الحاضر. في الواقع الحياة تكامل بين الماضي والحاضر والمستقبل، والضجيج جزء من حياة الإنسان وقدره، ومن الصعب تنظيف الماضي ولا معرفة المستقبل، لكن عش الحاضر وتمتع بالحياة فالعمر مرة.

المتشائمون وحدهم من يقولون الماضي يقتل الحاضر، نظرة تشاؤمية من زاوية مظلمة وتفكير منغلق ودوامة من اللانهاية. همسة لأولئك الذين في داخلهم ضجيج سلبي من الماضي، تعايش معه، لن يهدأ ذلك الضجيج، سيزورك بين الحين والحين.

لا تُكبّل نفسك بالماضي وانطلق في العالم الواسع، ولا تكن متشائما وتقول: «فليصمت جميع ما حولي فضجيج داخلي يكفيني»، هذا قمة الاستسلام ورفع الراية البيضاء والدخول في دوامة الضجيج.

لغازي القصيبي: (كل يوم أعيشه هو هدية من الله ولن أضيعه بالقلق من المستقبل أو الحسرة على الماضي)، فلا تترك نفسك لليأس، يلوث مساحة التفاؤل والأمل، تجاهل ذلك الضجيج المزعج السلبي، وتصفح سجل تاريخ حياتك، وأنعم بالضجيج الإيجابي، حتما ستجد نفسك في عالم غير عالمك، وابحث عن الأشخاص الإيجابيين في حياتك، حيث إن المتفائلين بالحياة هم من دائما يشعرون أن هناك أملا في كل يوم تشرق فيه الشمس.