سمعت عن عصاميته، وصعوده أكتاف المسؤولين، أعني المسؤولية.. اعتكفت عنده علّي أنهل من معين خبرته، وخصوصاً فيما يتعلق بالتفاعل مع مديري، حيث أجد صعوبة في التعاطي معه وكأننا كائنات للتو تعرفت على بعضها، أفضى إلي ببعض سرّه قائلاً: (أصبحت علاقتي بالمدير من أجمل العلاقات العملية على سطح هذا الكوكب، بعد أن أسعفني أحد المتقاعدين بوصفة طويلة لمسح الجوخ أسهمت بنضوج المنافق الصغير بداخلي، تبدل الحال فأصبحت كل حكايات المدير مثيرة، وكل نكتة سمجة يلقيها أسقط مغشياً من فرط قهقهتي عليها، الشاي والقهوة التي يحضرها معه من أجمل المشروبات التي أعدها بنو البشر عبر العصور، الحلى المصنوع بالبيت والذي يتقاطر مرارة أضحى لذيذاً لا أمل من بلعه كلما وقفت أمامه مجاملاً: تبارك الله يا أبا محمد، لو لم ينتج عن الزواج إلا هذه الأشياء الشهية، لكفاك.. رأسي صار يتدلدل بكل مرة أدخل فيها عليه المكتب، أنحني تلقائياً مردداً: سمّ، أبشر.. مالك إلا طيبة الخاطر طال عمرك.. حتى حين ينتقد موظفاً ما أجدني مندفعاً لشتمه، وتحقير عمله قائلاً: فواز؟ سبحان من ألهمك صبراً عليه وحلماً تجاه ما يفعل، لو كنت مكانك لطحنته محولاً إياه إلى موظف أرشيف صغير.. نعم، صحيح أنه وفي بعض الأحيان يرد على ذلك بـ شكرًا أيها الموظف العنيف، اذهب لمكتبك ولا تشغلني بثرثرتك، إلا أن علاقتنا تتفاقم لتصبح أكثر متانة ولله الحمد، مثلاً أصبحت مسؤولاً عن نقل أبنائه الشياطين من وإلى المدرسة، أستمتع بلكماتهم الصغيرة على رأسي وأنا مستمّر خلف مقود السيارة لا أحرك ساكناً، ولا أسكن عفريتاً متحركاً منهم).
كنت مندهشاً من مدى تفانيه بذلك، قاطعته: وكم مرةً عليّ أن أمسح جوخه؟ قال: حتى تجد من يمسح جوخك، كررها ثلاثاً ثم اختفى..