عبدالمحسن حليت مسلم

ما عاد للشِّعرِ أتباعٌ وغاوونا

ماتتْ قصائدُ من كانتْ قصائدُهم

والأبجديةُ ها قدْ ماتَ سيدُها

نحنُ الذينَ قتلنا الشِّعرَ وهو فتىً

بِعنا لإبليسَ أغلى ما بحوْزَتِنا

بعنا قَصائدنا.. بعنا ضَمائرنا

وما رأينا لهُ مولىً ولا أمَةً

ذنوبنا في مُصَّلى الشعرِ شاخِصةٌ

فهو الذي سوفَ نلقاهُ ونسمعُهُ

يا ليتَ شعري.. أما للشعرِ مِئْذنةٌ

كانتْ عَصافيرهُ تَرعى طُفولتنا

فلم تعدْ تنْبتُ الأشجارُ من يَدِهِ

ثُرنا عليهِ وزوَّرنا هَويتهُ

نحنُ الذينَ تقاسَمْنا مَزَارعهُ

فكمْ سكِرنا وسِرنا في جِنازتهِ

فليتها قطُّ لم تَحْبَلْ قصائِدُنا

يا ربَّ كلِّ «بيان» نحنُ نعبدهُ

تزوُّجتْكَ لغاتُ الأرضِ أجمعُها

أنتَ الجنونُ وراعِيهِ وصانعهُ

يا «شعرُ».. يا دهشةَ الدنيا وفتنتَها

إني أموتُ.. وأكفاني ممزقةٌ

ما خنتُ يا «شعرُ» «بيتاً» في قبيلتنا

ولم ألطِّخهُ أو أسرقْ عباءتهُ

ولم أعَلِّمهُ حرفاً في طفولتهِ

يا «شعرُ».. لا وطنٌ للشعرِ نَعرفُهُ

هذا زمانٌ بلا رأسٍ ولا جسدٍ

لا ليلُهُ يشْتهي شمساً ولا قمراً

وشِعْرهُ من بُحيراتٍ مُلوثةٍ

فالصادقونَ حُفاةٌ في أزِقَّتهِمْ

«قدْ ينعِمُ اللهُ بالبلوى وإنْ عَظُمَتْ»

يا أيُها الوطنُ الغافي على وجَعي

أنا المصابُ.. أنا المهزومُ يا وطني

أنا وشِعْري عصافيرٌ مُشردةٌ

قاتلتُ كلَّ جيوشِ القُبح مُنفرداً

ما دافعوا قطُّ عن مِيلادِ فاصلةٍ

وكفُّروا كلَّ «بيتٍ» كنتُ أُطعِمهُ

أنا حمامتُكَ البيضاءُ يا وطني

شاكسْتُ كلَّ «سماءٍ» لا تُناسبني

أنا عمامُتكَ الخضراءُ وهي ترى

أنا الرصيفُ الذي تمشي عليهِ متى

فيا شهادةَ ميلادي وآخرتي

ما كنتُ «فرعونَ» أو مَنْ آمنوا معهُ

وماتَ في كلِّ وادٍ منْ يهيمونا

ترشُّ فوقَ الثرى تيناً وزيتونا

ولم تجدْ بعدهُ دنيا ولا دينا

ونحنُ للموتِ سُقْناهُ بأيدينا

بعناهُ ما خَلْفنا.. ما بينَ أيدينا

وبعد أن نَفذتْ بِعنا أسَامينا

إلا حَلُمنا بيومٍ فيهِ يَشْرينا

لن يصفحَ الشعرُ عن أخطاءِ ماضينا

يومَ القيامةِ عندَ الله يشكونا

منها يُصَلَّى على شَيخِ المُغنينا

وكانَ كلُّ ضلالٍ منهُ يهدينا

وخمرهُ لم تعدْ تُغري السلاطينا

كأنهُ لم يكنْ مِنَّا ولا فينا

وما تركنا لهُ ماءً ولا طِينا

وكمْ بكينا وقابَلْنا المُعَزينا

وليتَ أنَّ إلهَ الشعرِ يخصينا

و يا نبياً أتى قبلَ النبيينا

فأنجبتْ منكَ ريحاناً ونسرينا

وأنتَ من مَلأ الدنيا مجانينا

يا من لأجلِكَ صاحبتُ الشياطينا

فهل ترى حولَ قبري مِنْ مريدينا

ولا تجسَّسْتُ في مقْهى قَوافينا

إن المساكينَ لا تؤذي المسَاكينا

إلا وصَلى إماماً بالمصلينا

ها نحن ضِعنا وضيَّعْنا المَوَازينا

هذا زمانُ السَّبايا والمرابِينا

لا «قيسَ» يعشقُ أو «ليلى» تُغنينا

تُسمِّمُ العُشبَ والأسماكَ والطينا

والمرتَشونَ على «الكافيارِ» يمشونا

ولا أرى أي نُعْمى في بَلاوينا

أأشتكي الجرحَ أم أشكو السكاكينا

فهل لديكَ دواءٌ للمُصابينا؟

وكلُّ أعشاشِنا لم تعترفْ فينا

وليس لي سَنَدٌ إلا «المراؤونا»

وعنترياتُهم كانتْ طَواحينا

خُبزاً «حلالا» وماءً ليسَ «مَدْيونا»

أنا الذي فيكَ زخْرَفْتُ البساتينا

وعشتُ تحتَ رمالِ الشعرِ مَدفونا

أني طليقٌ وشعري ظلَّ مسجونا

جُبْتَ الشوارعَ أو طُفْتَ الميادينا

ولونَ وجهي وصوتي والعناوينا

ليبعثَ اللهُ لي «موسى وهارونا»