علمتني الأعوام - مدبرها ومقبلها - أن الزمان جديده أبدا قديم، وقديمه أبدا جديد. فالدقائق لا تنسلخ من الساعات ولا الساعات عن الأيام ولا الأيام عن الأعوام، مثلما تنسلخ قشرة عن ساق شجرة أو وريقة في روزنامة عن باقي الوريقات، بل إن يوما نحسبه وراءنا يطل علينا في صباح كل يوم ويمضي يلاحقنا حتى نهاية العمر، وحتى نهاية الزمان فما من سبيل إلى الهرب من دقيقة واحدة أو لمحة واحدة. ونهار نهرب منه عند النوم توقظنا في الصباح مشاغله ومشاكله وغمومه وهمومه، لنستعين عليها بنور نهار آخر، وهكذا نصل الفكر بالفكر والنية بالنية والأمل بالأمل والنفس بالنفس، والحركة بالحركة واليقظة بالمنام. غير آبهين لرقاص الساعة ولا للأرض في دورانها حول الشمس.
علمتني الأعوام ألا أبكي عهدا مضى ولا أضحك لغد يأتي، وألا أعد خطواتي على رمال الزمان فلا أندم على صبا تحجب وشباب تصرم، ولا أجزع من كهولة تفضي إلى شيخوخة، وشيخوخة تنتهي إلى رمس، ورمس إذا اتسع لرفاتي لن يتسع لكل ما فكرت واشتهيت وقلت وعملت. والذي فكرته واشتهيته وقلته وعملته هو بذاري أودعته ذمة الزمان، وأنا حري بأن أستغله قبل أن يستغله سواي وللزمان ذمة لا تخون.
وعلمتني الأعوام أن الحياة زرع دائم وحصاد دائم، وأن من يزرع القطرب لا يحصد القمح ومن يغرس العوسج لا يجني العنب، أما الزمان فلا يزرع ولا يغرس ولا يحصد ولا يجني ولا هو يحمل البذار والغرس، ولكنه شاهد لا أكثر وأما البذار فمنا وفينا وكذلك الغرس منا وفينا، وأما الزارعون والغارسون والحاصدون والجانون فنحن والزمان براء من كل ما نعمل أو لا نعمل، وإذن فنحن إما ماجنون أو مدجلون أو مخبولون كلما شكونا على الزمان جوره أو رجونا منه عدله ولكما ودعنا عاما لنستقبل آخر بالهرج والمرج وبالكؤوس تقرع الكؤوس وبالهتافات العالية: «عاما سعيدا!» إذ ليس عليك أن تكون نبيا لتعرف إذا كان العام الجديد سيكون سعيدا أو غير سعيد بل كل ما تحتاج إليه لتعرف وجه العام المقبل كيف يكون هو أن تعرف قذال العام المدبر كيف كان فقذال العام القديم هو وجه العام الجديد، ومن ثم عليك أن تفتش عن البذار الذي ألقاه الناس في عامهم المنصرم لتعرف ماذا سيحصدون في عامهم الآتي، وماذا عساني أقول في الإنسانية الواقفة الآن على عتبة عامها الجديد وفي البذار الذي أودعته ذمة عامها القديم؟ إنها لإنسانية عجيبة حقا وغريبة وأعجب ما فيها أنها قد أتقنت فن زراعة الحبة وغرس النبتة في التراب، أما فن زراعة المحبة في القلب وغرس الأخوة في الروح فما تزال تجهله الجهل كله أو هي لا تجهله ولكنها تتجاهله ثم تعجب لحياتها كيف لا يسودها الوئام وكيف تمزقها الأحقاد والضغائن، إني لأعتز بالإنسانية تتوصل بذكائها إلى حد أن تكاد تتحكم في التراب وما ينبته التراب من بذور وأشجار فهنالك علماء دأبهم تأصيل البذور والأشجار بغية انتقاء الأنشط والأجود والأصلح منها، وعلماء شغلهم درس التربة وتنقيتها وتحسين أساليب حراثتها وتموينها بما ينقصها من المواد الضرورية لخصبها وانتقاء الأنسب لها من البذور، وأعتز بالإنسانية تتجنح أرجلها وترهف مسامعها وتنجلي أبصارها إلى حد أن تركب الماء والهواء وتسمع في المشرق ما يقوله المغرب وتبصر ما تحجب في أعمق اللجنة وما غاب في كبد الجلد.
علمتني الأعوام ألا أبكي عهدا مضى ولا أضحك لغد يأتي، وألا أعد خطواتي على رمال الزمان فلا أندم على صبا تحجب وشباب تصرم، ولا أجزع من كهولة تفضي إلى شيخوخة، وشيخوخة تنتهي إلى رمس، ورمس إذا اتسع لرفاتي لن يتسع لكل ما فكرت واشتهيت وقلت وعملت. والذي فكرته واشتهيته وقلته وعملته هو بذاري أودعته ذمة الزمان، وأنا حري بأن أستغله قبل أن يستغله سواي وللزمان ذمة لا تخون.
وعلمتني الأعوام أن الحياة زرع دائم وحصاد دائم، وأن من يزرع القطرب لا يحصد القمح ومن يغرس العوسج لا يجني العنب، أما الزمان فلا يزرع ولا يغرس ولا يحصد ولا يجني ولا هو يحمل البذار والغرس، ولكنه شاهد لا أكثر وأما البذار فمنا وفينا وكذلك الغرس منا وفينا، وأما الزارعون والغارسون والحاصدون والجانون فنحن والزمان براء من كل ما نعمل أو لا نعمل، وإذن فنحن إما ماجنون أو مدجلون أو مخبولون كلما شكونا على الزمان جوره أو رجونا منه عدله ولكما ودعنا عاما لنستقبل آخر بالهرج والمرج وبالكؤوس تقرع الكؤوس وبالهتافات العالية: «عاما سعيدا!» إذ ليس عليك أن تكون نبيا لتعرف إذا كان العام الجديد سيكون سعيدا أو غير سعيد بل كل ما تحتاج إليه لتعرف وجه العام المقبل كيف يكون هو أن تعرف قذال العام المدبر كيف كان فقذال العام القديم هو وجه العام الجديد، ومن ثم عليك أن تفتش عن البذار الذي ألقاه الناس في عامهم المنصرم لتعرف ماذا سيحصدون في عامهم الآتي، وماذا عساني أقول في الإنسانية الواقفة الآن على عتبة عامها الجديد وفي البذار الذي أودعته ذمة عامها القديم؟ إنها لإنسانية عجيبة حقا وغريبة وأعجب ما فيها أنها قد أتقنت فن زراعة الحبة وغرس النبتة في التراب، أما فن زراعة المحبة في القلب وغرس الأخوة في الروح فما تزال تجهله الجهل كله أو هي لا تجهله ولكنها تتجاهله ثم تعجب لحياتها كيف لا يسودها الوئام وكيف تمزقها الأحقاد والضغائن، إني لأعتز بالإنسانية تتوصل بذكائها إلى حد أن تكاد تتحكم في التراب وما ينبته التراب من بذور وأشجار فهنالك علماء دأبهم تأصيل البذور والأشجار بغية انتقاء الأنشط والأجود والأصلح منها، وعلماء شغلهم درس التربة وتنقيتها وتحسين أساليب حراثتها وتموينها بما ينقصها من المواد الضرورية لخصبها وانتقاء الأنسب لها من البذور، وأعتز بالإنسانية تتجنح أرجلها وترهف مسامعها وتنجلي أبصارها إلى حد أن تركب الماء والهواء وتسمع في المشرق ما يقوله المغرب وتبصر ما تحجب في أعمق اللجنة وما غاب في كبد الجلد.