موضي الزهراني

قد يجهل كثير من الوالدين (أو لا يهتمان لذلك) عن أثر الخلافات الأُسرية على التكوين الشخصي للأطفال بعد ما يبلغون مرحلة المراهقة! وقد لا يخطر في بالهما أن العلاقة الحميمية غير المستقرة بينهما، والتي يغلب عليها الخلافات والعنف الجسدي والنفسي لها أثر قوي وعميق في التكوين النفسي والعاطفي للأبناء عندما يصبحون شبابا، وما تسببه تلك الظروف السيئة، والعلاقة القاسية بين والديهما من تكوين اتجاهات سيئة لديهما تجاه الجنس الآخر، قد يغلب عليها العلاقة غير الناضجة والسوداوية. فالدراسات النفسية تناولت كثيرا الخلل في تنشئة الطفل في مرحلته العمرية المبكرة، كونه من الأسباب القوية لاضطرابات الشخصية (والتي لا يمكن اكتشافها بسهولة إلا من خلال أقرب الناس المتعايشين مع هذه الشخصية المضطربة، وتكون المتضررة غالبا الزوجة أولا، بحيث إن الأمهات دائما يبحثن ويجدن المبررات لأخطاء أبنائهن مهما كانت سيئة). وجيل الأمهات والآباء الحالي كثير منهم نتاج تنشئة كانت متشددة ومتحفظة إلا ما ندر، وعاشوا وعانوا من ظروف قاسية مرت بهم في طفولتهم لأسباب عديدة، وتجاوزوا صعوبات واجهتهم في تحصيلهم التعليمي والعملي، وحققوا طموحات أسرهم من حيث المناصب الوظيفية، ولكنهم ما زالوا يجهلون أثر العلاقة القاسية والجافة التي عاشوها في طفولتهم على (التكوين الشخصي والقِيمي والنفسي) لأبنائهم من باب (أنهم تجاوزوا ذلك ولم يضطروا لارتياد المراكز النفسية للعلاج). فالعنف المنزلي الذي ما زال موجودا وأغلبه متوارث (أسهم في تعدد الشخصيات المضطربة والتي تشكل خطرا لا يستهان به)، ولكن لا تظهر بشكل مؤذ إلا في المواقف الطارئة داخل نطاق الأسرة، والأمثلة على ذلك عديدة مما تسبب في ازدياد حالات الطلاق، وتعاطي المخدرات، والهروب من الأسرة، وتعدد العلاقات غير المقبولة دينيا واجتماعيا حتى في مرحلة المراهقة. والتعامل الجاف والقاسي غالبا مع الوالدين، وعدم مراعاة كبار السن وبخاصة من الأقارب. لذلك لا بد أن يدرك الآباء والأمهات أنهم نتاج جيل قدرته على التحمل والصبر تختلف عن قدراتهم، وأن تعايشهم لمواقف مختلفة من العنف المنزلي أيضا تختلف عن طاقتهم وصبرهم، وعليهم أن يدركوا أيضا أن أطفالهم أمانة في أعناقهم، وعليهم العمل على الاهتمام بالبرامج السلوكية النفسية، وبرامج تطوير الذات، والتعاون مع الجهات المختصة بنشر الوعي الحقوقي، لأنهم بلا شك محاسبون أمام الله، سبحانه وتعالى، عن هذه التنشئة المؤذية لأبنائهم ولمجتمعهم!