جمال العبيريد

يمر قطاع الطاقة حالياً بفترة تعاف، حيث حققت شركة أرامكو السعودية أرباحاً هي الأكبر على مستوى العالم في ظل جائحة كورونا، فقد تجاوزت أرباح أرامكو في فترة تعتبر هي الأسوأ على قطاع الطاقة، أفضل نتائج كبرى الشركات الرقمية، في فترة هي الأفضل على القطاع الرقمي والمعلوماتي. كما أعلنت العديد من الشركات الكيميائية أرباحاً فصلية تبعث على التفاؤل، في ظل مخاوف من موجه ثانية لفيروس كورونا، قد تضرب بعض دول أوبك المصدرة للنفط.

وفي المقابل نجد أن وزارة الطاقة السعودية، تحثّ الخطى بتسارع نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 من خلال تعظيم مساهمة مصادر الطاقة المتجددة، في إجمالي خليط الطاقة السعودي ليبلغ 50% في عام 2030.

وأيضاً أداء التزام المملكة تجاه اتفاقية المناخ وتحديات التغير المناخي، من خلال تبنّى مفاهيم جديدة تقود العالم نحو مصادر طاقة أكثر استدامة، وأكثر حفاظاً على النظام البيئي العالمي.

فضمن ترؤسها لمجموعة دول العشرين G20 هذا العام، قدّمت السعودية مبادرتها «الاقتصاد الدائري للكربون» والذي يهدف إلى خلق نظام طاقة جديد، من خلال تحسين نظام الطاقة العالمي الحالي القائم على الكربون، وتحويله إلى نظام دائري وهجين من مصادر غير كربونية على النحو التالي:

خفض الانبعاثات الكربونية من خلال تعزيز الجودة البيئية للنفط. حيث تعتبر السعودية أقل دولة في العالم إنتاجاً لثاني أكسيد الكربون CO2، لكل برميل تنتجه بمقدار 10 كلغ/‏ب. كما ابتكرت السعودية تقنية متطورة لمنع دخان شعلات حرق الغاز في المصانع، بتقنية ابتكرها مهندسون سعوديون ستخدم القطاع الصناعي السعودي والعالم، وأنشأت المركز السعودي لكفاءة الطاقة، والذي نجح حتى الآن في خفض الانبعاثات الكربونية إلى أكثر من %10 من مجموع استهلاك الطاقة في المملكة.

إعادة استخدام المواد الكربونية والنفط بطريقة أكثر كفاءة، وتعزيز تطبيقات النفط التي لا تتضمَّن إحراقه كوقود، مثل تحويله إلى كيميائيات ومواد أخرى، ما يجعله أقل بكثير بعثاً للغازات الكربونية.

التقاط الغازات الكربونية وإعادة تدويرها. حيث طوّرت السعودية قدرتها على التقاط الغازات الكربونية بنحو مليوني طن سنوياً، على أن تصل هذه القدرة إلى 5 ملايين طن سنويا في عام 2030. كما استعملت المملكة هذه التقنية في إنتاج الشحنة الأولى عالمياً من الأمونيا الزرقاء، التي صدّرتها المملكة كأحد الحلول الجديدة للطاقة.

إزالة الغازات الكربونية المنبعثة

فبالرغم من أن المملكة هي أقل دول الطاقة عالمياً بعثاً للغازات الكربونية بنحو %1.5، فإن أحد أهم مستهدفات رؤية السعودية 2030، هو رفع كفاءة البيئة وزيادة رقعة المسطحات الخضراء والشعب المرجانية، من خلال عشرات المشاريع الكبرى ومئات المبادرات البيئية، التي ستساعد في خفض نسبة ثاني أكسيد الكربون المتبقية.

في واقع الأمر، لا يمكن للعالم الاستغناء بأي حالٍ من الأحوال عن الكربون، كأحد أهم مصادر الطاقة والمصدر الآمن للكثير من المواد الحياتية، التي نستخدمها يومياً، بدءا بالملابس والأحذية، وصولاً لمواد التخزين والطلاء والأسفلت، وأسقف البيوت وأغلفة المكيفات، ومكوّنات السيارات والطائرات الحديثة وغيرها.

إن الهدف من اتفاقية باريس للمناخ، هو الوصول إلى النمو الصفري للانبعاثات الكربونية، ومنع زيادة درجة حرارة الأرض، والمملكة تشترك مع العالم في إيمانها بأهمية هذه الغاية، ولكن ليس بالطريقة التي تجعل العالم يتحوّل من مصادر طاقة كربونية عمرها أكثر من مائة عام إلى مصادر عديمة الكربون بين عشية وضحاها! لهذا كانت مبادرة المملكة أكثر حكمة وتعقّلا، آخذة في الاعتبارات الطلب المتزايد والمتوقع على مصادر الطاقة الكربونية بحلول 2050، حيث سيصل عدد سكان العالم إلى 9.5 مليارات نسمة، كلهم سيحتاجون إلى المصادر الكربونية في تطبيقاتهم اليومية.

ولهذا فإن المملكة تقدم للعالم نظاماً جديداً للطاقة، يعتمد على مفهوم الخليط بين الطاقة الكربونية والطاقة المتجددة، مع الإدارة الدقيقة لانبعاثات الكربون وتدويرها، في اقتصاد يساعد على توفير فرص أفضل للابتكار في مجال المواد الكربونية، لخفض استهلاك الكربون من جهة وإنتاج أنواع الوقود الكيميائي النظيف من النفط، كالهيدروجين والأمونيا، إلى جانب المواد المُنتجة في المصافي بآثار أقل على البيئة.

ودون أدنى شك، إذا استمر العمل على هذا النظام الجديد، الذي تقوده السعودية، سوف يصل العالم إلى أهدافه من اتفاقية المناخ، وسيحقق فرصاً اقتصادية أكثر أمناً، ومشاريع تضخ الكثير من الفرص الوظيفية والتجارية على المواطنين والمستثمرين.