يجب أن يكون هناك تحرك أمني سريع لتفكيك مؤسسات الاحتساب غير النظامية، قبل أن تتحول إلى ميليشيات، تكون تابعة وموجهة من أصحاب الأجندات الخاصة، قد تعبث بأمن البلد
في تقرير نشر في صحيفة عكاظ، يوم السبت الفائت، بتاريخ 29 /5 /1433 تحت عنوان مطاوعة بالإيجار، كشف النقاب عن أن هنالك ظاهرة أخذت تتفشى وهي تأجير إدارات بعض المراكز التجارية، لمطاوعة ملتحين، ليمارسوا دور رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسواق. اسم مطاوعة بالإيجار حسب ما ذكر مندوب عكاظ الزميل فالح الذبياني، قد أطلقها أحد الشباب صارخاً وهو يطلق ساقيه للريح في مجمع تجاري مشهور في الرياض. ردة فعل الشاب، ليست بالتأكيد علامة على أنه كان ينوي فعل شيء يخل بالأدب في السوق، وإنما قد يكون ما سمعه أو خبره عنهم من تجبر وتبلي على الشباب أمثاله، لا يمكن أن تحتمل أو تواجه.
المسألة بأي حال من الأحوال هي خطيرة جداً، وقد تفرز نتائج لا يحمد عقباها إن لم يتم التصدي لها بكل حزم وشجاعة، قبل أن تتفشى الظاهرة وتخرج علينا ميليشيات احتساب، تنشر الرعب والفوضى في الأسواق والشوارع والمدن بشكل عام وتتحول إلى قضية محلية، يصطف المجتمع كعادته إلى صفين صف معارض لها وصف يستميت في التأييد والدفاع عنها.
ولقد سارعت الإدارة المركزية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب تقرير الزميلة عكاظ، بنفيها وبراءتها مما تم التعارف عليهم بالمشايخ المتطوعين، مؤكدة أنهم لا يمثلونها وإن ما يقومون به من دور يعرضهم للعقوبة، كونهم لا يعملون ضمن جهاز الهيئة. وأشار التقرير إلى أنه ليس فقط بعض المراكز التجارية من تؤجر المطاوعة ولكن كذلك بعض الشاليهات والمتنزهات تقوم بذلك، مما يعني أن المسألة قد تحولت إلى مسألة تجارية رائجة، منذ وقت ليس بالقليل.
وقد أكد رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معالي الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ أن الهيئة لا علاقة لها بهذا الأمر، وأن هناك أنظمة واضحة تمنع مثل هذه التجاوزات، مشددا على أن الهيئة تبرأت من هؤلاء وتؤكد للجميع أنها لن تلجأ ولن تسمح مطلقا بمثل هذه التصرفات التي اعتبرها (تعديا واضحا على الأنظمة). وأضاف معاليه: الشيء الوحيد الذي أستطيع قوله أن هؤلاء لا يتبعون لنا ولسلطات الأمن حقها في ملاحقتهم، ومن كان صاحب حق وهو متضرر فمن حقه أن يبحث عن حقه، والدولة منظمة والباحث عن الحق لا يتعب كثيرا في الحصول عليه.
وقد قال فضيلة الشيخ الدكتور أحمد قاسم الغامدي، المدير العام السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة إن ما حدث من إدارة السوق تجاوز غير مقبول وهو يفتح الباب أمام مشكلة كانت ولا تزال تواجه الهيئة وتسبب في تشويه صورتها لدى بعض فئات المجتمع، ومن هذه الصور المحتسبون وهؤلاء المستأجرون للإيهام بأنهم من منسوبي الهيئة، وأضاف: أرى أن هذا التصرف خطأ بحت من المراكز التجارية، إذ لا يعقل أن تأتي بأشخاص في هيئة معينة ليتقمصوا دور الهيئة بصورة غير مباشرة، ويوحوا إلى الآخرين أنهم من منسوبي الهيئة، وهذا التصرف خطأ وضرره أكبر وفيه مشكلة لا تخفى على عاقل وهي انتحال لشخصية منسوبي الهيئة الذين يمارسون عملهم تحت الشمس وبوضوح وتحت غطاء نظامي قانوني....
الذي حصل ـ والحديث هنا لفضيلة الشيخ الغامدي، حسب التقرير ـ كثرت المشاكل، بل إن الأمر تعدى ذلك حيث إن بعض المحتسبين يأتون إلى مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأذرعها الميدانية ويطالبون بأن يرافقوا أعضاء الهيئة ميدانيا وبدون أجر أو مقابل، وتقابل طلباتهم بالإجابة وهذا أمر كان فيه ضرر كبير قبل أن يتم إيقافه والتصدي له بحزم.
وأورد المستشار القانوني محمد آل ثنيان رأيه في قضية مطاوعة للإيجار حسب التقرير، حيث قال إن تقمص هؤلاء لشخصية ودور رجل الهيئة يعد افتئاتا على ولي الأمر الذي سن الأنظمة وأوجد الجهات المنفذة لها وفي مقدمتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأضاف: الأمن وفرضه واحترام النظام من سلطات ولي الأمر، ولا يمكن أن يكون ذلك مطلقا لكل من زعم أنه يريد حفظ الأمن.
وعن المسؤوليات القانونية قال المستشار آل ثنيان: المؤكد أن إدارة السوق التي وظفت مثل هؤلاء هي التي تقع عليها المساءلة القانونية، إذ يمكن أن تحرك دعوى عامة ضدهم محورها التعدي على النظام والافتئات على ولي الأمر والسلطة العامة، ويمكن أن تحال إلى هيئة التحقيق والادعاء العام أو تحال إلى إمارات المناطق لتأديب المخالفين. أما الموظفون الذين عملوا لذلك فهم مسؤولون ومساءلون أيضا لكن مسؤوليتهم تقل عن مسؤولية إدارة السوق التي أغرتهم بالأجر وأوجدت لهم الوظيفة دون سند قانوني، وهذا عمل غير مرخص وفيه عقوبات تعزيرية.
إذاً وحسب التقرير هنالك شبه مؤسسات غير نظامية، توظف شبابا ملتحين وتدربهم وتلبسهم زي رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتؤجرهم للمراكز التجارية وبعض المتنزهات والشاليهات، ليقوموا بدور الاحتساب فيها كأنهم رجال هيئة رسميون. وفي ممارسة مثل هذا العمل غير النظامي خطورة كبيرة على أمن وسلامة الوطن، حيث قد ينجم عنها إنشاء شبه ميليشيات احتسابية، تكون تابعة وموجهة من قبل أفراد، قد يكونون من المتشددين الذين ينتسبون لحقل الدعوة أو نشطاء وحركيون من أصحاب الأجندات الخاصة.
اعترف أحد الدعاة في إحدى الفضائيات، بأن لديه شبابا محتسبين يحركهم أو يتحركون في أماكن عدة ويجمعون له أخبار ما يجري في البلد من تجمعات واحتفاليات رسمية وغير رسمية. وقال وحتى إن موظفين في الفنادق ينقلون له ما يدور فيها، وذكر بالتحديد فندق الماريوت بالرياض وقال إنه دوماً على تواصل مع موظفي الاستقبال في الفندق. وقال كذلك إن لديه ملفات قد جمعها عن مثقفين سعوديين وإنه على استعداد لتقديمها إلى القضاء. أي أن لديه أجهزة تلصص وتجسس وجمع معلومات عن مواطنين، وهذا اختراق أمني خطير جداً، يجب ألا يمر على الأجهزة الأمنية مرور الكرام. وقد أكد تقرير عكاظ أعلاه أن هنالك أكثر من ميليشيا الداعية المعروف، تصول وتجول في البلد وهنالك من يوظفها ويمولها ويدعمها مادياً.
وهنا اتضح جلياً، استماتة بعض الدعاة في الدفاع عن تجاوزات قلة من منسوبي هيئة الأمر بالمعروف واتهام من ينتقدون ممارساتهم الخاطئة بالدعوة لنشر الرذيلة. لكون معظم هذه الأخطاء تصدر من الذين يرسلونهم كمتعاونين مع رجال الهيئة الرسميين، واستخدامهم جهاز الهيئة كعصا خاصة لهم، يهددون ويضربون بها من يشاؤون. والدليل هاهم الآن يهاجمون جهاز الهيئة وبشراسة وينشرون عنه الشائعات، عندما بدأت عمليات تحصين الجهاز من استغلال أمثالهم له.
وعلى هذا الأساس يجب أن يكون هنالك تحرك سريع، لتفكيك مؤسسات الاحتساب غير النظامية وقبل أن تتحول إلى ميليشيات خاصة، قد تعبث بأمن البلد، ويجب محاكمة ومعاقبة كل من ينشئ مثل هذه المؤسسات الاحتسابية غير النظامية ومن يعمل فيها ومن يمولها ويتعامل معها.