تتناقض المزرعة الخضراء التي يملكها القذافي قرب طرابلس مع صورة البدوي الذي يعيش وسط الصحراء ويكتفي بالتمر وحليب الجمال التي كان الزعيم الليبي يرسمها لنفسه. وقال أحد زوار المزرعة الشاسعة التي تقع على بعد 25 كلم جنوب غرب طرابلس يظن المرء نفسه في أوروبا. وأكد أحمد رمضان (27 عاما) الموظف في مرفأ طرابلس أنه لم يتصور يوما أن هناك مثل كل هذه الخضرة على مساحة واسعة. وأضاف كانوا يقولون لنا إنه يعيش تحت الخيمة لكن انظروا، مشيرا إلى أشجار مثمرة مصفوفة وكروم تلقى عناية وورودا. أما زميله عادل بوليحة (39 عاما) فقال لم أتخيل وجود هذا الخضار على أبواب طرابلس. ويروي الرجلان أنهما سمعا كثير يتحدثون عن هذه المزرعة جاءا ليريا بنفسيهما كيف كان يعيش القذافي.
وللوصول إلى المزرعة، يجب قطع طريق طويل تتخلله نقاط حراسة مزودة بكاميرات. والمزرعة بحد ذاتها محاطة بحاجز مزدوج مكهرب ومزود بلواقط إلكترونية. وعند منعطف ممر هائل مبلط تصطف أشجار النخيل على جانبيه، قصر صغير مبني على الطراز المغربي لكن قصف حلف شمال الأطلسي دمره جزئيا. وتفوح من المكان رائحة جثث متحللة. وقد قام رجال أكدوا أنهم يحترمون الموتى، لتوهم بدفن جثتين متفحمتين لرجل وطفل.
وقال حسن محمد (54 عاما) الذي قال إنه يعمل في مركز للأبحاث، كنت أبحث عن شقيقي المفقود وصديقه وابنه الصغير فعثرت على الجثتين. وأضاف لا يمكن أن تكون هذه جثة أخي نظرا لملامحها. سأواصل البحث عنه، رافضا أن يكشف ما كان شقيقه يفعله في هذا المكان. وغادر الرجل المكان دون أن يحمل سيارته بقطع أثاث أو سجاد أو غيرها كما فعل آخرون. ويقوم شاب بتفكيك مكيف للهواء. ويقول إنه الأول الذي سأحصل عليه، بينما بدا رجل ضخم الجثة مسلح بخنجر منفعل وهو يواجه صعوبات في تفكيك سيارة ألمانية مصفحة لنزع قطعها. وزجاج السيارة مصاب بالرصاص لكنه لم يكسر بينما العجلتان الخلفيتان سليمتان وكذلك المحرك. وقد ألقي المقعد الجلدي الخلفي خارج السيارة إلى جانب قطع أخرى. وقبيل حلول الليل بدأ الزوار مغادرة المكان لكن فضوليين آخرين وصلوا بسياراتهم.
ويتدفق الليبيون في عائلات إلى المزرعة بعد أن شغلهم حصن باب العزيزية الذي كان مقرا للقذافي، للاطلاع على بقايا حقبة ولت. ويثير مربع من العشب الاصطناعي الأخضر تتوسطه سلسلة من الخيام البيض دهشة الواصلين الجدد. ويقول ياسين ترهوني (30 عاما) الصحافي السابق في التلفزيون إنها الجنة بعينها. أما وليد غبط (31 عاما) فيقول إنها المرة الأولى التي أشعر فيها بنفسي إنسانا بالكامل، معبرا عن ارتياحه لزوال نظام يكبره عمرا وكان يخنق الليبيين فعلا.