عُقد مؤخراً الاجتماع الأول من نوعه لـ»قادة اقتصاد الفضاء 20»، كإحدى المبادرات الرائدة للمملكة ضمن برنامج المؤتمرات الدولية المقامة بالتزامن مع رئاسة المملكة لمجموعة العشرين.
الاجتماع كان برئاسة الأمير سلطان بن سلمان رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء، ومشاركة رؤساء وكالات الفضاء في دول العشرين، بهدف تنسيق جهود الاستخدام السلمي للفضاء، والنهوض بمستوى الاستثمار العلمي والاقتصادي لقطاع الفضاء، ورفع تنافسيته واستدامة أنشطته. فإلى أين يتجه اقتصاد الفضاء؟
إن انتقال الصناعات الفضائية من مرحلة تصنيع الصواريخ والأقمار الصناعية للترسانات العسكرية، إلى مرحلة بنائها من أجل الاستخدامات المدنية وإشراك القطاع الخاص في ذلك، فتح الباب على مصراعيه لآفاق وأبعاد اقتصادية رحبة، ولسباقٍ محمومٍ بين شركات القطاع الخاص، فبلغة الأرقام، وفقاً لدراسة أصدرها مصرف «مورجان ستانلي»، يُقدر حجم اقتصاد الفضاء بنحو 350 مليار دولار للعام المنصرم، ويتوقع أن ينمو هذا الاقتصاد ليصل إلى 1.1 تريليون دولار في العام 2040، و2.7 تريليون دولار بحلول عام 2050. وبعد أن كانت شركات الفضاء تعد على الأصابع، مثل شركة «بوينج» و»لوكهيد مارتن» و»نورثروب جرومان»، و»أيروجيت روكتداين»، ارتفعَ عددُ شركات الفضاء الحالية إلى ما يقارب 450 شركة، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد عدة مرات في غضون الأعوام القليلة المقبلة. هذه الشركات تتلقى استثمارات مما يقارب 600 صندوق استثماري، وذلك وفقا لشركة «سبيس إنجلز» المتخصصة في مجال توفير المعلومات السوقية للمستثمرين في اقتصاد الفضاء. لذا فمن المتوقع أن يوفر اقتصاد الفضاء إمكانات اقتصادية وعلمية كبيرة يمكنها النهوض بالحياة على الأرض وتحسينها. وهذا ما أدركته حكومتنا الرشيدة بكل اقتدار ممثلة في هيئة الفضاء السعودية.
إن فهم هذه القيمة والإمكانات هو المفتاح لتحديد أفضل السبل لتحقيقها، من هذا المنطلق، يمكننا تقسيم اقتصاد الفضاء إلى قسمين، الأول إستراتيجي قريب المدى - وهو الأهم والأجدر بالاستثمار - والآخر بعيد المدى - وهو مكلف للغاية، ومشكوك في جدواه اقتصادياً، بل قد يكون مجرد خيال علمي -، في حين يتعلق اقتصاد الفضاء الأول بتقنيات الفضاء التي تركز على الاستخدامات الأرضية، يتعلق الثاني بالتقنيات التي تركز على كواكب الفضاء الخارجي.
دعونا نبدأ بالأخير - بعيد المدى والمنال - وهي تلك التقنيات التي في الغالب تتعلق بمجال تعدين الفضاء (Space Mining)، وبالتحديد تعدين الكويكبات والمذنبات، وأيضاً مجال السياحة الفضائية - مثل تشغيل الرحلات المكوكية إلى القمر والمريخ - ويوجد بالفعل بعض الشركات التي أُسست لهذا الغرض، مثل شركة بلو أُورِجِن والتي أسسها جيفري بيزوس رجل الأعمال الشهير، مؤسس شركة أمازون، والذي يثق بأن الملايين من البشر سيستطيعون العيش والعمل في الفضاء في العقود المقبلة.
بيزوس واثق جدا من هذه النتيجة لدرجة أنه يستثمر أكثر من مليار دولار سنويا في شركته بلو أُورِجِن لهذا الغرض، يُعتقد أن نجاح هذا النوع من الشركات في تحقيق أهدافها سيخلق موارد مالية ضخمة، يعول عليها بأن تقفز باقتصاد الفضاء إلى أعلى من تريليونَي دولار.
أما اقتصاد الفضاء القريب المدى والمنال، فهو ما يتعلق بالأقمار الصناعية التي تستخدم المدارات القريبة من الأرض، لتوفير خدمات على الأرض لمختلف القطاعات. وهذا مجال رحب لا يمكن الإحاطة بجوانبه وأبعاده في مقال، فمن الأقمار الصناعية المراقبة لتغيرات وتقلبات أحوال الطقس والاحتباس الحراري، إلى تحسين استخدامات الطاقة المتجددة، إلى الإرشاد الملاحي لجميع وسائل النقل، ومن ضمنها النقل الجوي واستخدامات السماوات المفتوحة، إضافةً إلى التحكم الآلي في الطائرات دون طيار (الدرونز) والذي سيغير بشكل جذري طريقة توصيل الطرود البريدية والبضائع ونقل الأشخاص عبر المدن، فضلاً عن سيارات التحكم الذاتي عبر الأقمار الصناعية واستخداماتها كسيارات أجرة داخل المدن، وصولاً إلى توفير المعلومات الزراعية وحماية المحاصيل، ومراقبة وتحسين كفاءة سلاسل الإمداد العالمية، ومراقبة منسوب المياه، والإنذار المبكر للكوارث والفيضانات، ومراقبة البحار والمحيطات والصيد، فضلاً عن التطبيقات التمويلية والمصرفية وتعزيز تقنيات البلوكشين، حيث يمكن للتتبع الفوري للبيانات عبر الأقمار الصناعية أن يقلل من التأخير في جمع وتحليل نقاط بيانات الاستدامة الرئيسية التي تعتمد عليها الأسواق المالية بشكل متزايد، إضافةً للاستخدامات الصحية، مثل ما قامت به إيطاليا من تفعيل منظومة Copernicus الأوروبية للأقمار الصناعية التي تقدم خدمات التصوير الفضائي؛ وذلك لرصد منشآت الصحة المؤقتة وأماكن ازدحام الناس للسيطرة على انتشار وباء كورونا.
باختصار، خلال عشر سنوات قد لا يبقى مجال في حياتنا إلا ويتأثر بالأقمار الصناعية؛ لكن لعل المجال الأهم هو استخدامات الأقمار الصناعية في توافر البيانات، والاتصالات، وتقديم إنترنت الأقمار الصناعية، فعلى سبيل المثال: تستعد شركة سبيس إكس (SpaceX) لإطلاق ما يقرب من 12000 قمر صناعي من خلال برنامجها (Starlink). كما أعلنت أمازون مؤخراً عن مشروع (Kuiper) والذي يهدف لوضع أكثر من 3000 قمر صناعي في المدار، لتوفيرِ إنترنت عالي السرعة، ليصل إلى 4 مليارات عميل جديد. وهذا يساعد على توفير خدمات الإنترنت بجودة عالية لكثير من الأماكن حول العالم غير المغطاة بخدمات الإنترنت. وقد وجدت دراسة للأمم المتحدة أن 52% من سكان العالم لا يزالون يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وأن 90% من هؤلاء الأشخاص من البلدان النامية. يذكر أن توفير خدمات الإنترنت سوف يساعد في تحسين جودة الحياة والاقتصاد معاً، حيث يمكن للبلدان التي تتوسع في الوصول إلى الإنترنت واستخداماتها أن تحفز نمو الاقتصاد الرقمي.
ختاماً: قد لا يتصور كثيرون ماذا سيحدث اقتصاد الفضاء من تغير جذري في حياتنا، فاقتصاد الفضاء يتأهب للإقلاع، والسباق بين الشركات يحتدم، ولن يُبقي اقتصاد الفضاء في الفضاء فضاء، وستتسابق الشركات في إطلاق آلاف الأقمار الصناعية حتى تضيق عليهم السماء بما رحُبت!.
الاجتماع كان برئاسة الأمير سلطان بن سلمان رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء، ومشاركة رؤساء وكالات الفضاء في دول العشرين، بهدف تنسيق جهود الاستخدام السلمي للفضاء، والنهوض بمستوى الاستثمار العلمي والاقتصادي لقطاع الفضاء، ورفع تنافسيته واستدامة أنشطته. فإلى أين يتجه اقتصاد الفضاء؟
إن انتقال الصناعات الفضائية من مرحلة تصنيع الصواريخ والأقمار الصناعية للترسانات العسكرية، إلى مرحلة بنائها من أجل الاستخدامات المدنية وإشراك القطاع الخاص في ذلك، فتح الباب على مصراعيه لآفاق وأبعاد اقتصادية رحبة، ولسباقٍ محمومٍ بين شركات القطاع الخاص، فبلغة الأرقام، وفقاً لدراسة أصدرها مصرف «مورجان ستانلي»، يُقدر حجم اقتصاد الفضاء بنحو 350 مليار دولار للعام المنصرم، ويتوقع أن ينمو هذا الاقتصاد ليصل إلى 1.1 تريليون دولار في العام 2040، و2.7 تريليون دولار بحلول عام 2050. وبعد أن كانت شركات الفضاء تعد على الأصابع، مثل شركة «بوينج» و»لوكهيد مارتن» و»نورثروب جرومان»، و»أيروجيت روكتداين»، ارتفعَ عددُ شركات الفضاء الحالية إلى ما يقارب 450 شركة، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد عدة مرات في غضون الأعوام القليلة المقبلة. هذه الشركات تتلقى استثمارات مما يقارب 600 صندوق استثماري، وذلك وفقا لشركة «سبيس إنجلز» المتخصصة في مجال توفير المعلومات السوقية للمستثمرين في اقتصاد الفضاء. لذا فمن المتوقع أن يوفر اقتصاد الفضاء إمكانات اقتصادية وعلمية كبيرة يمكنها النهوض بالحياة على الأرض وتحسينها. وهذا ما أدركته حكومتنا الرشيدة بكل اقتدار ممثلة في هيئة الفضاء السعودية.
إن فهم هذه القيمة والإمكانات هو المفتاح لتحديد أفضل السبل لتحقيقها، من هذا المنطلق، يمكننا تقسيم اقتصاد الفضاء إلى قسمين، الأول إستراتيجي قريب المدى - وهو الأهم والأجدر بالاستثمار - والآخر بعيد المدى - وهو مكلف للغاية، ومشكوك في جدواه اقتصادياً، بل قد يكون مجرد خيال علمي -، في حين يتعلق اقتصاد الفضاء الأول بتقنيات الفضاء التي تركز على الاستخدامات الأرضية، يتعلق الثاني بالتقنيات التي تركز على كواكب الفضاء الخارجي.
دعونا نبدأ بالأخير - بعيد المدى والمنال - وهي تلك التقنيات التي في الغالب تتعلق بمجال تعدين الفضاء (Space Mining)، وبالتحديد تعدين الكويكبات والمذنبات، وأيضاً مجال السياحة الفضائية - مثل تشغيل الرحلات المكوكية إلى القمر والمريخ - ويوجد بالفعل بعض الشركات التي أُسست لهذا الغرض، مثل شركة بلو أُورِجِن والتي أسسها جيفري بيزوس رجل الأعمال الشهير، مؤسس شركة أمازون، والذي يثق بأن الملايين من البشر سيستطيعون العيش والعمل في الفضاء في العقود المقبلة.
بيزوس واثق جدا من هذه النتيجة لدرجة أنه يستثمر أكثر من مليار دولار سنويا في شركته بلو أُورِجِن لهذا الغرض، يُعتقد أن نجاح هذا النوع من الشركات في تحقيق أهدافها سيخلق موارد مالية ضخمة، يعول عليها بأن تقفز باقتصاد الفضاء إلى أعلى من تريليونَي دولار.
أما اقتصاد الفضاء القريب المدى والمنال، فهو ما يتعلق بالأقمار الصناعية التي تستخدم المدارات القريبة من الأرض، لتوفير خدمات على الأرض لمختلف القطاعات. وهذا مجال رحب لا يمكن الإحاطة بجوانبه وأبعاده في مقال، فمن الأقمار الصناعية المراقبة لتغيرات وتقلبات أحوال الطقس والاحتباس الحراري، إلى تحسين استخدامات الطاقة المتجددة، إلى الإرشاد الملاحي لجميع وسائل النقل، ومن ضمنها النقل الجوي واستخدامات السماوات المفتوحة، إضافةً إلى التحكم الآلي في الطائرات دون طيار (الدرونز) والذي سيغير بشكل جذري طريقة توصيل الطرود البريدية والبضائع ونقل الأشخاص عبر المدن، فضلاً عن سيارات التحكم الذاتي عبر الأقمار الصناعية واستخداماتها كسيارات أجرة داخل المدن، وصولاً إلى توفير المعلومات الزراعية وحماية المحاصيل، ومراقبة وتحسين كفاءة سلاسل الإمداد العالمية، ومراقبة منسوب المياه، والإنذار المبكر للكوارث والفيضانات، ومراقبة البحار والمحيطات والصيد، فضلاً عن التطبيقات التمويلية والمصرفية وتعزيز تقنيات البلوكشين، حيث يمكن للتتبع الفوري للبيانات عبر الأقمار الصناعية أن يقلل من التأخير في جمع وتحليل نقاط بيانات الاستدامة الرئيسية التي تعتمد عليها الأسواق المالية بشكل متزايد، إضافةً للاستخدامات الصحية، مثل ما قامت به إيطاليا من تفعيل منظومة Copernicus الأوروبية للأقمار الصناعية التي تقدم خدمات التصوير الفضائي؛ وذلك لرصد منشآت الصحة المؤقتة وأماكن ازدحام الناس للسيطرة على انتشار وباء كورونا.
باختصار، خلال عشر سنوات قد لا يبقى مجال في حياتنا إلا ويتأثر بالأقمار الصناعية؛ لكن لعل المجال الأهم هو استخدامات الأقمار الصناعية في توافر البيانات، والاتصالات، وتقديم إنترنت الأقمار الصناعية، فعلى سبيل المثال: تستعد شركة سبيس إكس (SpaceX) لإطلاق ما يقرب من 12000 قمر صناعي من خلال برنامجها (Starlink). كما أعلنت أمازون مؤخراً عن مشروع (Kuiper) والذي يهدف لوضع أكثر من 3000 قمر صناعي في المدار، لتوفيرِ إنترنت عالي السرعة، ليصل إلى 4 مليارات عميل جديد. وهذا يساعد على توفير خدمات الإنترنت بجودة عالية لكثير من الأماكن حول العالم غير المغطاة بخدمات الإنترنت. وقد وجدت دراسة للأمم المتحدة أن 52% من سكان العالم لا يزالون يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وأن 90% من هؤلاء الأشخاص من البلدان النامية. يذكر أن توفير خدمات الإنترنت سوف يساعد في تحسين جودة الحياة والاقتصاد معاً، حيث يمكن للبلدان التي تتوسع في الوصول إلى الإنترنت واستخداماتها أن تحفز نمو الاقتصاد الرقمي.
ختاماً: قد لا يتصور كثيرون ماذا سيحدث اقتصاد الفضاء من تغير جذري في حياتنا، فاقتصاد الفضاء يتأهب للإقلاع، والسباق بين الشركات يحتدم، ولن يُبقي اقتصاد الفضاء في الفضاء فضاء، وستتسابق الشركات في إطلاق آلاف الأقمار الصناعية حتى تضيق عليهم السماء بما رحُبت!.