يقول سعادة الناشط الحقوقي الذي يملأ السمع والبصر في حواره الفضائي حول آخر بيان أصدرته عدة أسماء من المثقفين السعوديين بالحرف: إنه لم يقرأ البيان ولم يشارك في صياغته ولم يوقع عليه بشكل ورقي مباشر ولهذا يعتبر (مادياً) لم يوقع، بمثل ما قال بالضبط. ويواصل: كنت خارج المملكة عندما اتصل بي من أثق فيه بشكل تام وأخبرني عن النية في إصدار بيان جديد، ولأنني أثق فيه بصورة مطلقة فقد (أطلقت) موافقتي له على البيان عبر الاتصال الهاتفي.
وجوهر الحوار الفضائي أن المذيع كان يسأل الناشط الحقوقي عن الشكوك في انسحابه من البيان، وهو ذات السؤال الذي وجهه له بشكل مباشر نفس الشخص الذي (كان يثق فيه) وأعطاه الموافقة، وبالطبع لم نحصل من سعادة الناشط الضخم على جواب لسؤال زميله الأول في ذات البيان.
وبكل تأكيد فإن هذه القصة الممتلئة بكل المتناقضات تبرهن عن حالة من صيرورة العقل الجمعي عندما يتدافع المجموع نحو تبني وبناء أفكار لمجرد تواتر الأسماء، بغض النظر عن القضية، وكأننا في حالة مشابهة من فزعة القبيلة، عندما يوقع الأفراد على شيء لم يقرؤوه ولم يشاركوا في صياغته، ومن ثم يكتشفون بعد ذلك أن الأسطر لا تعبر عن إيمان المواقف الفردية ونظرتها لصلب وجوهر ما وقعوا عليه بالفزعة.
وأنا في حل من كتابة الأسماء، لأن ما فعله الناشط الحقوقي ثم تراجع بالكل أو الجزء عما سيق إليه، يفعله عشرات المثقفين الآخرين وهم يتسابقون إلى توقيع ما لا يدركون فقط من أجل تسجيل المواقف. الناشط الحقوقي، وهو معذور فيما يؤمن به، لا يختلف في شيء عن هؤلاء إلا في صدارته للأسماء على رأس البيان، رغم أنه وكما برهن بلسانه في الحوار التلفزيوني، كان آخر من يعلم. البيانات، ثقافية أو سياسية تكون، لها أعرافها وأركانها في جدليات قراءة الرأي وقيادته: أول أركانها أن تصدر بعد نقاش جمعي مكثف (Panel discussion) ، وإن تعذر هذا الشرط فعلى الأقل أن يوقع الفرد على ورقة واضحة المعالم ومكتملة الحروف من ـ البسملة ـ حتى النقطة الأخيرة وبعدها نقفل الحذف والإضافة. الآراء الكبرى للمثقف الحقيقي لا تعطى بالثقة ولا عبر اتصال تليفوني. القصة أننا صرنا نمنح أسماءنا برسالة جوال ثم نضطر أن نقول بعدها: إنه البيان الذي لم أقرأه ولكنني وقعت عليه!