«بيّض الله وجيهكم» وسام شرف نالته مؤخراً هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) من لدن سمو ولي العهد نظير نجاحاتها المبهرة في الحرب على الفساد. وفي هذا المقال، لن أستطرد في سرد تلك النجاحات والإنجازات التي نفاخر بها العالم؛ فيكفي نزاهة شرف تتويجها بثناء قائد هذه المعركة الشرسة الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-. إن القفزات الكبيرة التي حققتها نزاهة لدحر الفساد تُغري للطموح بالمزيد من النجاح والتألق، فالنجاح يجر النجاح، والأجواء مواتية، والقيادة داعمة بلا حدود، والرؤية «أن نكون في مقدمة الدول في مكافحة الفساد». لهذا أدعو إلى تبني مدخل الأخلاق السلوكية (A Behavioral Ethics Approach) لصناعة بعض سياسات نزاهة وإضافة نجاح إلى نجاحاتها العظيمة.
بشكل عام، يسعى المدخل السلوكي لتغيير السلوك، والتأثير في كيفية تصرف الناس واتخاذ القرارات؛ لذا أصبح المدخل السلوكي -بشكل متزايد- صانعاً رئيساً للسياسات في عدد من دول العالم في مجالات متنوعة، مثل السياسات الاقتصادية، والمالية، والصحية، والتعليمية، وغيرها. لقد كونت الحكومة البريطانية -على سبيل المثال- فريق الرؤى السلوكية (The Behavioral Insights Team) في مكتب مجلس الوزراء البريطاني في مطلع عام 2010م. وقامت الحكومة الأمريكية، في عام 2015م، بإنشاء فريق العلوم السلوكية وألزمت جميع الوكالات الفيدرالية بالاعتماد على العلوم السلوكية في رسم سياساتها العامة. وفي عام 2018م، أنشأت حكومتنا الرشيدة -حفظها الله- وحدة التصور السلوكي تحت مظلة المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية التنموية، باعتبار المركز أول حاوية فكرية حكومية معنية بالمجال الاقتصادي والاجتماعي الوطني، وتعمل على القيام ببحوث سياسات التنمية وتقديم التوصيات بخصوصها.
في مجال أخلاقيات الأعمال، يسهم المدخل السلوكي -لاسيما في مجال مكافحة الفساد- في تصميم سياسات مبنية على فهم كيفية اتخاذ الأفراد لقراراتهم الأخلاقية، مما يتطلب أولاً فهم سيكولوجية الفساد، ولماذا وكيف يتم الانخراط فيه، ويتطلب ثانيًا منهجية شاملة للتأثير على كُلّ مِن العقل -متخذ القرار- والبيئة التي يُتخذ فيها القرار؛ لتحسين جودة القرارات الأخلاقية، ومنع حدوث أعمال الفساد. هذا المدخل -مدخل الأخلاق السلوكية- مغاير للطريقة السائدة في معالجة الفساد المستندة إلى مدخل الأخلاق المعيارية (A Normative Ethics Approach). فمدخل الأخلاق المعيارية يسعى لتحديد ما يجب أن يكون عليه الناس من تصرفات أخلاقية، مفترضاً بذلك «ضمنياً» أن توعية الناس بما يجب أن يكونوا عليه من قيم أخلاقية كافٍ لجعلهم بمنأى عن التورط في أعمال الفساد، عدا بعض الفاسدين «بعض التفاح الفاسد». هذا المنظور المعياري يوحي أن الناس يفسرون المعضلات الأخلاقية بطريقة منطقية، واعية، تستند لحساب الفائدة أو الخسارة العائدة من الوقوع في أعمال الفساد، أو الإحجام عنها؛ لذا يمكن استخدام الإرشادات المعرفية والتوعوية لتجنب الهفوات الأخلاقية. رغم أهمية ومثالية هذا المدخل المعياري «الوعظي» إلا أن الواقع يثبت قصوره في مواجهة الفساد؛ لأن الإنسان لا يتصرف دائماً بأخلاقية، ووفقاً للقيم التي تعلمها.
أثبتت الدراسات أن أكثر من 70 في المائة من قرارات الإنسان لا تُتخذ بطريقة منطقية، بل تتأثر بالاختصارات العقلية، والحدس الخاطئ، وتحيّزات التّقديس، والتحيز إلى المجموعة، وغيرها الكثير من التحيّزات الإدراكية والفكرية المختلفة، هذا فضلاً عن أثر كُلّ من العواطف، والأعراف والضغوط الاجتماعية، والتصورات الدينية الخاطئة، والثقافة الأخلاقية في منظمات العمل. إن التوصل إلى فهم عميق لهذه الظروف سيُسهم في صناعة سياسات حصيفة لمحاربة الفساد، وبناء خط دفاع أولي لمنع حدوثه. لذا فمدخل الأخلاق السلوكية يُركّز على الفعل الحقيقي لا المثالي. فهو يصبو لفهم كيف يتصرف الناس فعلياً «في الواقع» مما يتطلب فهم السوابق، والنتائج، والسياقات المترتبة على كل من الممارسات الأخلاقية وغير الأخلاقية، استناداً إلى أن المثاليات، أو المعايير الأخلاقية التنظيرية، للبشر مختلفة، في الغالب، عن سلوكهم الحقيقي.
وبالنظر إلى بعض السياسات والاستراتيجيات العامة المستخدمة في محاربة الفساد في المملكة، أو مناهج التعليم بشقّيه العام أو الجامعي، أو الأبحاث العلمية المحلية، أو الحملات التوعوية، أو الخطاب الديني السائد، أو الثقافة والتربية الاجتماعية، أو البرامج التدريبية، بما فيها مبادرات نزاهة التدريبية، نجدها منبثقة -غالباً- من مدخل الأخلاق المعيارية (ما يجب أن يكون عليه الفرد من أخلاق). هذا الأمر ليس خاصاً بنا في المملكة، بل هو الحال في جُل دول العالم. إن الحاجة إلى مدخل الأخلاق السلوكية لا يعني مطلقاً عدم جدوى أو أهمية المدخل المعياري، أو السياسات التي تُبنى وفقاً لمنظوره ونظرياته. غير أن الحاجة جوهرية لتكامل المدخل المعياري والسلوكي؛ لصنع سياسات شاملة، متقدمة، تكون جداراً فولاذياً في وجه الفساد والمفسدين. إن الحاجة لمعرفة كيفية وأسباب تورط بعضنا في أعمال الفساد -على الرغم من العلم التام والمسبق بالمبادئ الأخلاقية التي يجب اتباعها- قد تكون أكبر من الحاجة لمعرفة ما يجب أن نكون عليه من أخلاق.
إن تبني أحدث الكشوفات العلمية في مجال الأخلاق السلوكية، قد يُسهم في تعزيز جهود نزاهة في بناء استراتيجية وطنية لتكوين بنية تحتية أخلاقية راسخة، ومواصلة تحقيق التميز الإقليمي والعالمي في مجال مكافحة الفساد. وهذا ليس بعيد المنال، إيماناً بأن «همة السعوديين مثل جبل طويق» وبدعم قيادة عظيمة جعلت نُصب عينيها إحداث قفزات تنموية كبرى. ختاماً، حُق لكل سعودي وسعودية أن يفاخر بإنجازات نزاهة، وأن يقول لهم الجميع «بيّض الله وجيهكم».
بشكل عام، يسعى المدخل السلوكي لتغيير السلوك، والتأثير في كيفية تصرف الناس واتخاذ القرارات؛ لذا أصبح المدخل السلوكي -بشكل متزايد- صانعاً رئيساً للسياسات في عدد من دول العالم في مجالات متنوعة، مثل السياسات الاقتصادية، والمالية، والصحية، والتعليمية، وغيرها. لقد كونت الحكومة البريطانية -على سبيل المثال- فريق الرؤى السلوكية (The Behavioral Insights Team) في مكتب مجلس الوزراء البريطاني في مطلع عام 2010م. وقامت الحكومة الأمريكية، في عام 2015م، بإنشاء فريق العلوم السلوكية وألزمت جميع الوكالات الفيدرالية بالاعتماد على العلوم السلوكية في رسم سياساتها العامة. وفي عام 2018م، أنشأت حكومتنا الرشيدة -حفظها الله- وحدة التصور السلوكي تحت مظلة المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية التنموية، باعتبار المركز أول حاوية فكرية حكومية معنية بالمجال الاقتصادي والاجتماعي الوطني، وتعمل على القيام ببحوث سياسات التنمية وتقديم التوصيات بخصوصها.
في مجال أخلاقيات الأعمال، يسهم المدخل السلوكي -لاسيما في مجال مكافحة الفساد- في تصميم سياسات مبنية على فهم كيفية اتخاذ الأفراد لقراراتهم الأخلاقية، مما يتطلب أولاً فهم سيكولوجية الفساد، ولماذا وكيف يتم الانخراط فيه، ويتطلب ثانيًا منهجية شاملة للتأثير على كُلّ مِن العقل -متخذ القرار- والبيئة التي يُتخذ فيها القرار؛ لتحسين جودة القرارات الأخلاقية، ومنع حدوث أعمال الفساد. هذا المدخل -مدخل الأخلاق السلوكية- مغاير للطريقة السائدة في معالجة الفساد المستندة إلى مدخل الأخلاق المعيارية (A Normative Ethics Approach). فمدخل الأخلاق المعيارية يسعى لتحديد ما يجب أن يكون عليه الناس من تصرفات أخلاقية، مفترضاً بذلك «ضمنياً» أن توعية الناس بما يجب أن يكونوا عليه من قيم أخلاقية كافٍ لجعلهم بمنأى عن التورط في أعمال الفساد، عدا بعض الفاسدين «بعض التفاح الفاسد». هذا المنظور المعياري يوحي أن الناس يفسرون المعضلات الأخلاقية بطريقة منطقية، واعية، تستند لحساب الفائدة أو الخسارة العائدة من الوقوع في أعمال الفساد، أو الإحجام عنها؛ لذا يمكن استخدام الإرشادات المعرفية والتوعوية لتجنب الهفوات الأخلاقية. رغم أهمية ومثالية هذا المدخل المعياري «الوعظي» إلا أن الواقع يثبت قصوره في مواجهة الفساد؛ لأن الإنسان لا يتصرف دائماً بأخلاقية، ووفقاً للقيم التي تعلمها.
أثبتت الدراسات أن أكثر من 70 في المائة من قرارات الإنسان لا تُتخذ بطريقة منطقية، بل تتأثر بالاختصارات العقلية، والحدس الخاطئ، وتحيّزات التّقديس، والتحيز إلى المجموعة، وغيرها الكثير من التحيّزات الإدراكية والفكرية المختلفة، هذا فضلاً عن أثر كُلّ من العواطف، والأعراف والضغوط الاجتماعية، والتصورات الدينية الخاطئة، والثقافة الأخلاقية في منظمات العمل. إن التوصل إلى فهم عميق لهذه الظروف سيُسهم في صناعة سياسات حصيفة لمحاربة الفساد، وبناء خط دفاع أولي لمنع حدوثه. لذا فمدخل الأخلاق السلوكية يُركّز على الفعل الحقيقي لا المثالي. فهو يصبو لفهم كيف يتصرف الناس فعلياً «في الواقع» مما يتطلب فهم السوابق، والنتائج، والسياقات المترتبة على كل من الممارسات الأخلاقية وغير الأخلاقية، استناداً إلى أن المثاليات، أو المعايير الأخلاقية التنظيرية، للبشر مختلفة، في الغالب، عن سلوكهم الحقيقي.
وبالنظر إلى بعض السياسات والاستراتيجيات العامة المستخدمة في محاربة الفساد في المملكة، أو مناهج التعليم بشقّيه العام أو الجامعي، أو الأبحاث العلمية المحلية، أو الحملات التوعوية، أو الخطاب الديني السائد، أو الثقافة والتربية الاجتماعية، أو البرامج التدريبية، بما فيها مبادرات نزاهة التدريبية، نجدها منبثقة -غالباً- من مدخل الأخلاق المعيارية (ما يجب أن يكون عليه الفرد من أخلاق). هذا الأمر ليس خاصاً بنا في المملكة، بل هو الحال في جُل دول العالم. إن الحاجة إلى مدخل الأخلاق السلوكية لا يعني مطلقاً عدم جدوى أو أهمية المدخل المعياري، أو السياسات التي تُبنى وفقاً لمنظوره ونظرياته. غير أن الحاجة جوهرية لتكامل المدخل المعياري والسلوكي؛ لصنع سياسات شاملة، متقدمة، تكون جداراً فولاذياً في وجه الفساد والمفسدين. إن الحاجة لمعرفة كيفية وأسباب تورط بعضنا في أعمال الفساد -على الرغم من العلم التام والمسبق بالمبادئ الأخلاقية التي يجب اتباعها- قد تكون أكبر من الحاجة لمعرفة ما يجب أن نكون عليه من أخلاق.
إن تبني أحدث الكشوفات العلمية في مجال الأخلاق السلوكية، قد يُسهم في تعزيز جهود نزاهة في بناء استراتيجية وطنية لتكوين بنية تحتية أخلاقية راسخة، ومواصلة تحقيق التميز الإقليمي والعالمي في مجال مكافحة الفساد. وهذا ليس بعيد المنال، إيماناً بأن «همة السعوديين مثل جبل طويق» وبدعم قيادة عظيمة جعلت نُصب عينيها إحداث قفزات تنموية كبرى. ختاماً، حُق لكل سعودي وسعودية أن يفاخر بإنجازات نزاهة، وأن يقول لهم الجميع «بيّض الله وجيهكم».