«الله يا وقت مضى *** لو هي بدينا ما يروح
والله يا عمر انقضى *** بين الأماني والجروح»
هو مطلع كلمات أغنية شارة البداية لمسلسل العاصوف الذي أثار ضجة كبيرة حين عرضه على شاشات التلفزيون، لكنه كذلك يتحدث ربما بلسان الأغنية والفن الشعبي الخليجي الذي بدأ يتوارى مع اختفاء نجومه، متأثراً بانفجار حضاري اختلف معه إيقاع الحياة، وتحول رتمها إلى شكل متجدد متسارع مختلف كل الاختلاف عنه قبل سنوات ليست بعيدة كثيراً.
لسنوات طويلة تربع فنانو الأغنية الشعبية الخليجية في صدارة المشهد، وراجت أغنياتهم في سوق الكاسيت، وحتى الفيديو، لكن نجمهم بدأ يأفل، وعلى الأخص أولئك الذين لم ينجحوا في تحقيق معادلة التطور مع المحافظة على أصالة هوية لونهم الغنائي، وتحولوا في نهاية الأمر إلى مجرد مطربين محدودي الجمهور يستعيدون ما تبقى من أغنياتهم وألحانها وكلماتها في سهراتهم واستراحاتهم.
فقدان القاعدة
سيطرت الأغنية الشعبية في الخليج في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي الميلادي، ثم بدأت شمعة تألقها تذوي، بتناقص الإنتاج، كما عمد بعض مطربيها إلى التخلي عن لونهم، وحاولوا دمجه بالفن الطربي طمعاً بكسب جماهير الأغنية الطربية، إلا أن كثيراً منهم خسروا الأمرين، فلا هم أبقوا على قاعدتهم الجماهيرية التي أسسوها سابقاً، ولا هم نجحوا في كسب المساحات التي كانوا يأملونها لدى الجمهور الجديد.
ومع تخليهم عن أوراق النجاح التي عرفوا بها، واستخدامهم أدوات موسيقية جديدة بدت غريبة وغير متمازجة مع أدائهم، انحسرت نجومية كثير من مغني الأغنية الشعبية، واختفت الاستديوهات التي كانت تعنى بها وبتسجيلاتها وتوزيعها، وساهم إهمال الجهات الثقافية والإعلامية لأهمية هذه الأغنية، ولعب ضعف المردود المادي في إنتاج الكاسيت، وانصراف الجيل الجديد إلى أغان تمسه وتعبر عنه أكثر، وعدم التطور في اللحن والكلمات، في انحسار مدّ هذه الأغنية، وظهور بدائل أخرى لتحل محلها مثل ظهور الشيلات.
اختلاف المفهوم
لا يبدو أن هناك اتفاقا على تحديد مفهوم الأغنية الشعبية، وإن كانت في الغالب تطلق على أغنية تحمل طابعها البيئي (بدوية أو ريفية أو مدنية)، وتتصل بالشعور العام لشعب أو مجتمع، ومن أمثلتها الشهيرة مثلا في الحجاز أغنية «يا سارية».
وغالبا ما تكون الأغنية الشعبية منقولة غنائيا أو غير مكتوبة، ويسهم تعاقب الأجيال عليها أحيانا في تحويرها شعراً ولحناً، وكثيرا ما ينسى من كتب شعرها ولحنها وأيضا من أداها لأول مرة.
وتتخذ الأغنية الشعبية أنماطا مختلفة حسب بيئاتها فمنها الخليجية والبدوية والريفية والبحرية والسهلية والجبلية.
ويعرّف باحثون الأغنية الشعبية بأنها «أغنية ترتبط بمكان وبيئة وجماعة ما من البشر، ويرون أنها كثيراً ما ترتبط بالمناسبات والمواسم والأعياد والصيد والحصاد، ويشددون على أنها غالبا ما تكون جماعية الإبداع سواء في الكلمات أو اللحن أو الأداء، وأنها تتناقل شفاها من جيل إلى آخر.
ولا يخرج باحثون الأغاني المسماة مجازا بالشعبية عن إطار وصفها بأنها أغنية شعبية على الرغم من أنها معروفة المبدع سواء المؤلف أو الملحن أو المغني، وتعبر عنهم وعن فكرهم الخاص مع أنها تكون مستوحاة من البيئة.
ولعل هذا النوع الأخيرة «المسمى مجازا بالأغنية الشعبية» هو ما ينطبق تحديدا على الأغنية الخليجية، أو على أكثرها في فترة العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
انحسار الضوء
يبرر الفنان الشعبي إبراهيم حمد الذي أصدر آخر ألبوماته عام 1422 أي قبل 20 عاما، انحسار الضوء عن «الأغنية الشعبية» وابتعاد معظم مؤديها إما بالاعتزال أو العزوف بعوامل عدة، ويقول «اجتمعت جملة من العوامل فأثرت على وهج الأغنية الشعبية وانتشارها وشيوعها، لعل في مقدمتها قلة المردود المادي الذي يمكن أن يحصل عليه الفنان من إنتاج كاسيت، وهو السوق الأهم لهذه الأغنية، وكذلك عدم تطور اللحن والكلمات، وانصراف الجيل الجديد من الفنانين عن هذه الأغنية، وبالتالي غياب التنوع في مخرجاتها».
ويلقي حمد باللوم الشديد في هذا الانحسار على شركات الإنتاج التي كانت تصدر ألبومات الفنانين والأغاني الشعبية، ويقول «هضمت شركات إنتاج الكاسيت حق الفنان ماديا، وكان بعض الفنانين يضطرون إلى الدفع من جيوبهم لإنتاج كاسيتاتهم وتوفير عوامل النجاح لأعمالهم، كما أن طبيعة الزمن اختلفت وأثرت كذلك على هذه الأغنية، ففي نهايات القرن الماضي كان الزمن متاحا للتجمعات والسهرات التي ساعدت فناني تلك الحقبة في تقديم فنهم للجمهور، فيما نجد طبيعة الجمهور اليوم مختلفة».
مسؤولية مشتركة
لا يعفي الفنان إبراهيم حمد فناني الأغنية الشعبية كذلك من مسؤولية القصور الذي نجم عنه انحسارها، ويضيف «لا يمكن نفي القصور من الفنانين أنفسهم، ومن الشعراء، فلو عمل هؤلاء باحترافية لأبقوا على أنفسهم وعلى الأغنية الشعبية في الساحة الفنية كلون متميز وصاحب حضور، وتأكيدا لهذا نجد على سبيل المثال أن الفنان فهد عبدالمحسن ما يزال يتمسك بقاعدته الجماهيرية الكبيرة، مستثمراً إبداعه المتميز».
ويضيف «لا بد خلال فترة ما من أن يغير الفنان أسلوبه القديم، سواء تعلق ذلك بالموسيقى واللحن، صحيح أن طرق أبواب الملحنين مسألة صعبة، لكن صعوبتها لا تعني نفيها أو الكسل عنها إذا ما كنا نريد مواكبة العصر والتغيير».
مزاحمة الشيلات
لا يوافق العازف الموسيقي الإماراتي عبدالله المنصوري القائلين بأن الأغنية الشعبية الخليجية اندثرت، أو اضمحل حضورها، ويقول «هذه الأغنية ما تزال موجودة، وما يزال لها جمهورها الذي يتابعها ويحرص عليها، لكنها تجد اليوم مزاحمة شديدة من الشيلات التي بدأت تفرض حضورها وتأخذ مساحاتها على حساب الأغنية الشعبية».
ويرى المنصوري أنه إضافة إلى الشيلات التي اقتطعت حصة كبيرة من كعكة الأغنية الشعبية، فإن «انعدام استديوهات الكاسيت، والتي كانت سابقا خلف انتشار وشيوع الأغنية الشعبية حيث كانت تسجل وتوزع، ترك بعض الأثر على مدى وإمكانية الأغنية الشعبية اليوم، ناهيك عن أن اليوتيوب أيضاً زاحم سوق الكاسيت، ونجح تقريبا في إقصائه من المشهد، فكل شيء موجود اليوم على اليوتيوب».
ويستذكر «قبل أن نعرف الشيلات وقبل أن ينتشر اليوتيوب، كان أحدنا يحمل معه كاسيت أغانيه الشعبية، وكان الكل يبحث عن جديد هذه الأغاني، ويسجل ويتعب، ويحرص على اقتناء الناجح منها، أما اليوم، فبات الشباب يميلون أكثر للأهازيج والشيلات، ربما لإيقاعها الصاخب والكل يبحث ويسجل ويتعب».
جمود في الماضي
يرى مهتمون بالأغنية الشعبية أن عدم قدرة فناني الأغنية الشعبية على تقديم عمل يناسب الجمهور الحالي ساهم في عزلهم عنه، ويرون أن بعض هؤلاء الفنانين تكلس على وضعه منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبات يقصر ما يقدمه على جمهور ضيق جدا يحيط به، دون أن يفكر بالانطلاق نحو الجمهور الواسع المتنوع بفئاته الأعم وأجياله الأكثر.
ويشيرون إلى أن هؤلاء الفنانين يصورون حفلاتهم أو سهراتهم الضيقة بكاميرات الجوال، وبمستوى يكاد يساوي الصفر احترافيا، فلا التوزيع الموسيقي منضبط الإيقاع ومتناسب مع التسجيل، ولا تجديد في الأغاني إلا فيما ندر، ولا استخدام ذكي للأدوات وأجهزة الصوت التي وفرتها التقنية، ولا لكاميرات التصوير الاحترافية التي يمكنها تقديم هذا الفنان أو ذلك لجمهوره بالشكل اللائق المتواكب مع تغيرات العصر.
ويستدلون على رأيهم بأن بعض الفنانين الذين حرصوا على تقديم أنفسهم في صورة لائقة على مستوى الشكل الفني حاز على إعجاب الجمهور الذي بات يواكب، ويستشهدون بالفنان فيصل السالم الذي يقدم الأغنية الشعبية بشكل لائق فنيا ومع فرقة شابة من الإيقاعيين وعازفي الكمان.
مسؤولية رسمية
يذهب غانم الشمري وهو أحد هواة الأغنية الشعبية إلى إلقاء جزء من مسؤولية تراجع الأغنية الشعبية على عاتق الجهات الرسمية، ويخص بذلك وزارتي الثقافة والإعلام، ويقول لـ»الوطن» «أعتقد أن وزارتي الثقافة والإعلام مسؤولتان عن القيام بدور أفضل وأعم بحق الأغنية الشعبية، ومتى تفاعلت هذه الأخيرة مع هذا الدور فستكون حاضرة وبقوة».
ويضيف «طوال 60 عاما بقي اللون الشعبي للأغنية حاضرا نتيجة مجهودات شخصية وبدائية من الفنانين، وهي مجهودات يشكرون عليها، ولم تكن نتاج اهتمام رسمي من قبل وزارتي الثقافة والإعلام، بمعنى أننا لم نشاهد العمالقة مثل سلامة العبدالله والطيار والصريخ على مسارح تليق بهم ومع فرق موسيقية على مستوى ممتاز، وحتى أروع إنتاجات خالد عبدالرحمن وسعد جمعة وبدر الحبيش وعزازي في السنوات الأخيرة رأيناها في مسارح خارج السعودية وخارج دول مجلس التعاون الخليجي، فيما ما زلنا نتجاهل الأغنية الشعبية رسميا، وهذا ساهم في تدهورها».
ويرى الشمري أن «المهرجانات والاحتفالات الرسمية قد تكون بوابة مهمة لإحياء الأغنية الشعبية وإنعاشها، عبر إفساح المجال لها، وربما عن طريقها يمكن دعم الفنانين الذين يؤدونها مادياً، حيث تشكل حافزا وفرصة للتواصل مع الجمهور، ومنصة للبحث عن الشعراء والملحنين، بدل أن تكون الاستراحات والديوانيات الخاصة هي النافذة الوحيدة لهم للتواصل مع جمهور ضيق غالبا ما يتشكل من الأقارب والأصدقاء والزملاء».
ويرى الشمري أن تراجع جماهيرية الأغنية الشعبية يبقى «نتاجا طبيعيا لتغير الأجيال، وهذه سنة كونية».
وعلق على بعض المحاولات التي بذلها فنانون شعبيون للتغيير لكن لم يحققوا النجاح المأمول بقوله «مواكبة التغيير تتطلب وعياً وإداركا شديدين دون التخلي عن الهوية وعناصر القوة والنجاح، وقد حاول الفنان سعد جمعة مواكبة التغيير مع ألبوم «الزار» وتتالت بعدها الألبومات الموسيقية لكنه لم ينجح في الاحتفاظ بجماهيريته ومكانته في الأغنية الشعبية التي تتطلب كذلك نوعية بعينها حتى من الآلات مثل العود والإيقاع والكمان، في المقابل حافظ فهد عبدالمحسن على رتمه، وما زال الجميع يشيدون بأنه من القلاقل جدا الذين لم ينسلخوا عن هويتهم الفنية، وهو ما أهله للاحتفاظ بجماهيريته وتاريخه الفني».
الأغنية الشعبية
تطلق على أغنية تحمل طابعها البيئي، وتتصل بالشعور العام لشعب أو مجتمع، ومن أمثلتها الشهيرة مثلا في الحجاز أغنية «يا سارية».
مبررات انحسارها
فشل مؤديها في المحافظة على أصالتها ومواكبة التطور
غياب الاهتمام من الجهات الحكومية
عدم إفساح المهرجانات والمناسبات المجال لهذه الأغنية
تحول بعض مؤديها إلى أداء ألوان أخرى
تقديمها في قالب بعيد عن التقنية الحديثة
انحسار سوق الكاسيت وحتى الفيديو
اختفاء أستديوهات تسجيل هذه الأغنية
انصراف الجيل إلى أغان تمسه وتعبر عنه
مزاحمة الشيلات
فنانون أدوها
سلامة العبدالله
عبدالله الصريخ
إبراهيم حمد
حمد الطيار
خالد عبدالرحمن
سعد جمعة
بدر الحبيش
عبدالعزيز السلمان (عزازي)
فهد عبدالمحسن
فيصل السالم
والله يا عمر انقضى *** بين الأماني والجروح»
هو مطلع كلمات أغنية شارة البداية لمسلسل العاصوف الذي أثار ضجة كبيرة حين عرضه على شاشات التلفزيون، لكنه كذلك يتحدث ربما بلسان الأغنية والفن الشعبي الخليجي الذي بدأ يتوارى مع اختفاء نجومه، متأثراً بانفجار حضاري اختلف معه إيقاع الحياة، وتحول رتمها إلى شكل متجدد متسارع مختلف كل الاختلاف عنه قبل سنوات ليست بعيدة كثيراً.
لسنوات طويلة تربع فنانو الأغنية الشعبية الخليجية في صدارة المشهد، وراجت أغنياتهم في سوق الكاسيت، وحتى الفيديو، لكن نجمهم بدأ يأفل، وعلى الأخص أولئك الذين لم ينجحوا في تحقيق معادلة التطور مع المحافظة على أصالة هوية لونهم الغنائي، وتحولوا في نهاية الأمر إلى مجرد مطربين محدودي الجمهور يستعيدون ما تبقى من أغنياتهم وألحانها وكلماتها في سهراتهم واستراحاتهم.
فقدان القاعدة
سيطرت الأغنية الشعبية في الخليج في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي الميلادي، ثم بدأت شمعة تألقها تذوي، بتناقص الإنتاج، كما عمد بعض مطربيها إلى التخلي عن لونهم، وحاولوا دمجه بالفن الطربي طمعاً بكسب جماهير الأغنية الطربية، إلا أن كثيراً منهم خسروا الأمرين، فلا هم أبقوا على قاعدتهم الجماهيرية التي أسسوها سابقاً، ولا هم نجحوا في كسب المساحات التي كانوا يأملونها لدى الجمهور الجديد.
ومع تخليهم عن أوراق النجاح التي عرفوا بها، واستخدامهم أدوات موسيقية جديدة بدت غريبة وغير متمازجة مع أدائهم، انحسرت نجومية كثير من مغني الأغنية الشعبية، واختفت الاستديوهات التي كانت تعنى بها وبتسجيلاتها وتوزيعها، وساهم إهمال الجهات الثقافية والإعلامية لأهمية هذه الأغنية، ولعب ضعف المردود المادي في إنتاج الكاسيت، وانصراف الجيل الجديد إلى أغان تمسه وتعبر عنه أكثر، وعدم التطور في اللحن والكلمات، في انحسار مدّ هذه الأغنية، وظهور بدائل أخرى لتحل محلها مثل ظهور الشيلات.
اختلاف المفهوم
لا يبدو أن هناك اتفاقا على تحديد مفهوم الأغنية الشعبية، وإن كانت في الغالب تطلق على أغنية تحمل طابعها البيئي (بدوية أو ريفية أو مدنية)، وتتصل بالشعور العام لشعب أو مجتمع، ومن أمثلتها الشهيرة مثلا في الحجاز أغنية «يا سارية».
وغالبا ما تكون الأغنية الشعبية منقولة غنائيا أو غير مكتوبة، ويسهم تعاقب الأجيال عليها أحيانا في تحويرها شعراً ولحناً، وكثيرا ما ينسى من كتب شعرها ولحنها وأيضا من أداها لأول مرة.
وتتخذ الأغنية الشعبية أنماطا مختلفة حسب بيئاتها فمنها الخليجية والبدوية والريفية والبحرية والسهلية والجبلية.
ويعرّف باحثون الأغنية الشعبية بأنها «أغنية ترتبط بمكان وبيئة وجماعة ما من البشر، ويرون أنها كثيراً ما ترتبط بالمناسبات والمواسم والأعياد والصيد والحصاد، ويشددون على أنها غالبا ما تكون جماعية الإبداع سواء في الكلمات أو اللحن أو الأداء، وأنها تتناقل شفاها من جيل إلى آخر.
ولا يخرج باحثون الأغاني المسماة مجازا بالشعبية عن إطار وصفها بأنها أغنية شعبية على الرغم من أنها معروفة المبدع سواء المؤلف أو الملحن أو المغني، وتعبر عنهم وعن فكرهم الخاص مع أنها تكون مستوحاة من البيئة.
ولعل هذا النوع الأخيرة «المسمى مجازا بالأغنية الشعبية» هو ما ينطبق تحديدا على الأغنية الخليجية، أو على أكثرها في فترة العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
انحسار الضوء
يبرر الفنان الشعبي إبراهيم حمد الذي أصدر آخر ألبوماته عام 1422 أي قبل 20 عاما، انحسار الضوء عن «الأغنية الشعبية» وابتعاد معظم مؤديها إما بالاعتزال أو العزوف بعوامل عدة، ويقول «اجتمعت جملة من العوامل فأثرت على وهج الأغنية الشعبية وانتشارها وشيوعها، لعل في مقدمتها قلة المردود المادي الذي يمكن أن يحصل عليه الفنان من إنتاج كاسيت، وهو السوق الأهم لهذه الأغنية، وكذلك عدم تطور اللحن والكلمات، وانصراف الجيل الجديد من الفنانين عن هذه الأغنية، وبالتالي غياب التنوع في مخرجاتها».
ويلقي حمد باللوم الشديد في هذا الانحسار على شركات الإنتاج التي كانت تصدر ألبومات الفنانين والأغاني الشعبية، ويقول «هضمت شركات إنتاج الكاسيت حق الفنان ماديا، وكان بعض الفنانين يضطرون إلى الدفع من جيوبهم لإنتاج كاسيتاتهم وتوفير عوامل النجاح لأعمالهم، كما أن طبيعة الزمن اختلفت وأثرت كذلك على هذه الأغنية، ففي نهايات القرن الماضي كان الزمن متاحا للتجمعات والسهرات التي ساعدت فناني تلك الحقبة في تقديم فنهم للجمهور، فيما نجد طبيعة الجمهور اليوم مختلفة».
مسؤولية مشتركة
لا يعفي الفنان إبراهيم حمد فناني الأغنية الشعبية كذلك من مسؤولية القصور الذي نجم عنه انحسارها، ويضيف «لا يمكن نفي القصور من الفنانين أنفسهم، ومن الشعراء، فلو عمل هؤلاء باحترافية لأبقوا على أنفسهم وعلى الأغنية الشعبية في الساحة الفنية كلون متميز وصاحب حضور، وتأكيدا لهذا نجد على سبيل المثال أن الفنان فهد عبدالمحسن ما يزال يتمسك بقاعدته الجماهيرية الكبيرة، مستثمراً إبداعه المتميز».
ويضيف «لا بد خلال فترة ما من أن يغير الفنان أسلوبه القديم، سواء تعلق ذلك بالموسيقى واللحن، صحيح أن طرق أبواب الملحنين مسألة صعبة، لكن صعوبتها لا تعني نفيها أو الكسل عنها إذا ما كنا نريد مواكبة العصر والتغيير».
مزاحمة الشيلات
لا يوافق العازف الموسيقي الإماراتي عبدالله المنصوري القائلين بأن الأغنية الشعبية الخليجية اندثرت، أو اضمحل حضورها، ويقول «هذه الأغنية ما تزال موجودة، وما يزال لها جمهورها الذي يتابعها ويحرص عليها، لكنها تجد اليوم مزاحمة شديدة من الشيلات التي بدأت تفرض حضورها وتأخذ مساحاتها على حساب الأغنية الشعبية».
ويرى المنصوري أنه إضافة إلى الشيلات التي اقتطعت حصة كبيرة من كعكة الأغنية الشعبية، فإن «انعدام استديوهات الكاسيت، والتي كانت سابقا خلف انتشار وشيوع الأغنية الشعبية حيث كانت تسجل وتوزع، ترك بعض الأثر على مدى وإمكانية الأغنية الشعبية اليوم، ناهيك عن أن اليوتيوب أيضاً زاحم سوق الكاسيت، ونجح تقريبا في إقصائه من المشهد، فكل شيء موجود اليوم على اليوتيوب».
ويستذكر «قبل أن نعرف الشيلات وقبل أن ينتشر اليوتيوب، كان أحدنا يحمل معه كاسيت أغانيه الشعبية، وكان الكل يبحث عن جديد هذه الأغاني، ويسجل ويتعب، ويحرص على اقتناء الناجح منها، أما اليوم، فبات الشباب يميلون أكثر للأهازيج والشيلات، ربما لإيقاعها الصاخب والكل يبحث ويسجل ويتعب».
جمود في الماضي
يرى مهتمون بالأغنية الشعبية أن عدم قدرة فناني الأغنية الشعبية على تقديم عمل يناسب الجمهور الحالي ساهم في عزلهم عنه، ويرون أن بعض هؤلاء الفنانين تكلس على وضعه منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبات يقصر ما يقدمه على جمهور ضيق جدا يحيط به، دون أن يفكر بالانطلاق نحو الجمهور الواسع المتنوع بفئاته الأعم وأجياله الأكثر.
ويشيرون إلى أن هؤلاء الفنانين يصورون حفلاتهم أو سهراتهم الضيقة بكاميرات الجوال، وبمستوى يكاد يساوي الصفر احترافيا، فلا التوزيع الموسيقي منضبط الإيقاع ومتناسب مع التسجيل، ولا تجديد في الأغاني إلا فيما ندر، ولا استخدام ذكي للأدوات وأجهزة الصوت التي وفرتها التقنية، ولا لكاميرات التصوير الاحترافية التي يمكنها تقديم هذا الفنان أو ذلك لجمهوره بالشكل اللائق المتواكب مع تغيرات العصر.
ويستدلون على رأيهم بأن بعض الفنانين الذين حرصوا على تقديم أنفسهم في صورة لائقة على مستوى الشكل الفني حاز على إعجاب الجمهور الذي بات يواكب، ويستشهدون بالفنان فيصل السالم الذي يقدم الأغنية الشعبية بشكل لائق فنيا ومع فرقة شابة من الإيقاعيين وعازفي الكمان.
مسؤولية رسمية
يذهب غانم الشمري وهو أحد هواة الأغنية الشعبية إلى إلقاء جزء من مسؤولية تراجع الأغنية الشعبية على عاتق الجهات الرسمية، ويخص بذلك وزارتي الثقافة والإعلام، ويقول لـ»الوطن» «أعتقد أن وزارتي الثقافة والإعلام مسؤولتان عن القيام بدور أفضل وأعم بحق الأغنية الشعبية، ومتى تفاعلت هذه الأخيرة مع هذا الدور فستكون حاضرة وبقوة».
ويضيف «طوال 60 عاما بقي اللون الشعبي للأغنية حاضرا نتيجة مجهودات شخصية وبدائية من الفنانين، وهي مجهودات يشكرون عليها، ولم تكن نتاج اهتمام رسمي من قبل وزارتي الثقافة والإعلام، بمعنى أننا لم نشاهد العمالقة مثل سلامة العبدالله والطيار والصريخ على مسارح تليق بهم ومع فرق موسيقية على مستوى ممتاز، وحتى أروع إنتاجات خالد عبدالرحمن وسعد جمعة وبدر الحبيش وعزازي في السنوات الأخيرة رأيناها في مسارح خارج السعودية وخارج دول مجلس التعاون الخليجي، فيما ما زلنا نتجاهل الأغنية الشعبية رسميا، وهذا ساهم في تدهورها».
ويرى الشمري أن «المهرجانات والاحتفالات الرسمية قد تكون بوابة مهمة لإحياء الأغنية الشعبية وإنعاشها، عبر إفساح المجال لها، وربما عن طريقها يمكن دعم الفنانين الذين يؤدونها مادياً، حيث تشكل حافزا وفرصة للتواصل مع الجمهور، ومنصة للبحث عن الشعراء والملحنين، بدل أن تكون الاستراحات والديوانيات الخاصة هي النافذة الوحيدة لهم للتواصل مع جمهور ضيق غالبا ما يتشكل من الأقارب والأصدقاء والزملاء».
ويرى الشمري أن تراجع جماهيرية الأغنية الشعبية يبقى «نتاجا طبيعيا لتغير الأجيال، وهذه سنة كونية».
وعلق على بعض المحاولات التي بذلها فنانون شعبيون للتغيير لكن لم يحققوا النجاح المأمول بقوله «مواكبة التغيير تتطلب وعياً وإداركا شديدين دون التخلي عن الهوية وعناصر القوة والنجاح، وقد حاول الفنان سعد جمعة مواكبة التغيير مع ألبوم «الزار» وتتالت بعدها الألبومات الموسيقية لكنه لم ينجح في الاحتفاظ بجماهيريته ومكانته في الأغنية الشعبية التي تتطلب كذلك نوعية بعينها حتى من الآلات مثل العود والإيقاع والكمان، في المقابل حافظ فهد عبدالمحسن على رتمه، وما زال الجميع يشيدون بأنه من القلاقل جدا الذين لم ينسلخوا عن هويتهم الفنية، وهو ما أهله للاحتفاظ بجماهيريته وتاريخه الفني».
الأغنية الشعبية
تطلق على أغنية تحمل طابعها البيئي، وتتصل بالشعور العام لشعب أو مجتمع، ومن أمثلتها الشهيرة مثلا في الحجاز أغنية «يا سارية».
مبررات انحسارها
فشل مؤديها في المحافظة على أصالتها ومواكبة التطور
غياب الاهتمام من الجهات الحكومية
عدم إفساح المهرجانات والمناسبات المجال لهذه الأغنية
تحول بعض مؤديها إلى أداء ألوان أخرى
تقديمها في قالب بعيد عن التقنية الحديثة
انحسار سوق الكاسيت وحتى الفيديو
اختفاء أستديوهات تسجيل هذه الأغنية
انصراف الجيل إلى أغان تمسه وتعبر عنه
مزاحمة الشيلات
فنانون أدوها
سلامة العبدالله
عبدالله الصريخ
إبراهيم حمد
حمد الطيار
خالد عبدالرحمن
سعد جمعة
بدر الحبيش
عبدالعزيز السلمان (عزازي)
فهد عبدالمحسن
فيصل السالم