آباء يدفعون أطفالهم للأعمال الشاقة لزيادة الدخل
في الوقت الذي يقضي فيه التلاميذ عطلتهم الصيفية، استغنت مجموعة من الأطفال عن إجازتهم من أجل مساعدة عائلاتهم لتحسين الدخل، وانخرطوا في حمل الأثقال، معتمدين على عربات يدوية يتجولون بها في ممرات سوق الخضار المركزي بالمدينة المنورة، باحثين عن عدد من الريالات يسدون بها حاجة الأهل الذين دفعوهم لـ الشقاء المبكر وامتهان الحمالة.
يرى البعض في هذه الأعمال نوعا من الأعمال الشاقة، والأعباء الثقيلة التي تهدد سلامة الطفل وصحته، ويكفي زيارة سوق الخضار لتكتشف مجموعة من الأطفال الحمالين الذين يعملون مثل خلية نحل في ذهابها ومجيئها بين أروقة السوق للبحث عن الزبائن، بعد أن قادتهم ظروفهم الصعبة، وعدم وجود وظائف بديلة تتناسب مع أعمارهم للعمل في مهنة الأشداء من الرجال.
يشكل محمد السناني جزءاً من عشرات الأطفال الذين لم يتجاوزوا عقدهم الأول من العمر، والذين ترغمهم ظروف أسرهم الصعبة على استغلال فرصة الإجازة الصيفية، للعمل كحمّالين على عربات يدفعونها بأيديهم مقابل ريالات معدودة يدفعها زبائن سوق الخضار لهم، ومن شأن هذه الريالات أن تساعده وأسرته على مصاريف عيد الفطر ودخول المدارس.
يقول السناني إن عمله كحمّال بسوق الخضار يحرمه من مشاركة أقرانه الاستمتاع بالإجازة، وليالي شهر رمضان التي تشهد إحياء كثير من المناشط الشعبية والبرامج الترفيهية، حيث يتطلب عمله الذي يبدأ في ساعات النهار الأولى النوم مبكرا. وأضاف أنه راض عن العمل الذي يؤديه، وأنه يساعد والديه بما يستطيع، لأنه وفي النهاية لا يمكن للمرء أن يكافئ إحسان والديه مهما فعل كما يقول.
ويشكو الطفل المقيم محمد رحيم، الذي لم يتجاوز سن الخامسة من قسوة العمل المتمثل في حمل الأثقال صناديق الخضراوات والفواكه على عربته، وإيصالها إلى حيث يقرر الزبون، الذي يطلب إيصالها إلى سيارته، ومن ثم حمل البضاعة ووضعها في حقيبة السيارة. وادعى رحيم بمكابرة أنه يستطيع دفع صناديق البضاعة التي تفوق طوله، وتحجبه عن رؤية من أمامه، ويصف مرتادي سوق الخضار بالكرماء الذين يدفعون له أجرا أكثر من مجهوده. وعن الأجرة التي يحصل عليها مقابل التحميل ونقل المشتريات، قال إنه لا يفرض سعراً محددا، وجرت العادة أن يقبل بما يعطى له. وأضاف أن تعليمات والده الذي يحضره لسوق الخضار كل صباح تقضي بأن المبلغ الذي يحصل عليه يجب أن يحدد حسب المسافة وكمية البضائع، غير أنه لم يلتزم بها، لأن الزبائن على حسب قوله يقدرون صغر سنه، ويدفعون له ما يرضيه.
ويرى الاخصائي بالشؤون الاجتماعية بالمدينة المنورة سعد الرويتعي أن عمالة الأطفال في سن مبكرة تبدو قاسية، وتحكي العبء الذي تتحمله السواعد الفتية بحثا عن مورد رزق. ويضيف بالرغم من أن أنظمة العمل والعمال بالمملكة تحظر عمل الأطفال، وتكليفهم بأعمال لا تتناسب مع أعمارهم، إلا أن الصورة القاتمة لتلك العمالة تبرز حجم الجهد المطلوب لمنح هؤلاء فرصة الاستمتاع بالطفولة التي لم يذوقوا طعمها، خصوصا في مثل هذه الأيام التي يزيد نشاط الأطفال فيها، لافتاً إلى أن مآسيهم قد تزيد في حال تعرضهم أثناء العمل لإصابات قد تترك بصماتها عليهم للأبد، خصوصاً أن طبيعة أعمالهم تتطلب جسما صحيحا وبنية قوية.
ويرى الرويتعي في هذا العمل نوعا من الأعمال الشاقة، التي ينظر المجتمع لها بكثير من الشفقة والدونية، ويتعاملون مع أصحابها، وخصوصا من صغار السن بالعطف والإحسان الذي يفضي أحيانا لطمع الصبية في نيل المزيد منه، وقد تكبر مع الأطفال العاملين هذه النظرة القاصرة، وتزيد الاتكالية في طرق الكسب واستجداء عطف الناس، مما يحولهم إلى متسولين أو متطفلين معتمدين على شفقة المحسنين. وقال الأخصائي الاجتماعي إن كثيرين تضطرهم ظروف الحياة الصعبة إلى تشجيع أبنائهم أو دفعهم للعمل، كي يساهموا في رفد دخل العائلة، محذرا من أن عمل الأطفال يضر بهم نفسيا واجتماعيا وتربويا وجسمانيا، مبيناً أن العديد من الدراسات أثبتت أن الأطفال العاملين هم أقل نموا ووزنا، وأقصر طولا من الكثيرين من زملائهم الآخرين من نفس العمر.