للمقاهي تاريخ عريق وقديم في الثقافة العربية، تعددت أوصافها وتنوعت مقاصدها، وتقوم بوظيفة التواصل الاجتماعي والترويح وتناول الأحاديث الثقافية والسياسية والاقتصادية وشؤون الحياة. هي مُتنفس حيوي ومُنتدى إعلامي لأصحاب المهن والأعمال والمسافرين وأرباب الثقافة والفنون، وارتبطت بين المكان واحتساء القهوة علاقة عشق ومزاج ليس لها مثيل، وزانت الحواضر العربية وعواصمها في بغداد ودمشق والقاهرة وغيرها بأشهر المقاهي وأعلام روادها من المثقفين والأدباء والفنانين والسياسيين، وانطلقت من هذه المقاهي العديد من الأعمال الفنية والأفكار الأدبية والثقافية وقضايا التنوير التي مازلنا نستقي من عبق نبعها، ونتغنى بجمال فيضها ونبض أقلام كتابها ورواد حركتها.
وكان للسيد جمال الدين الأفغاني الذي أقام في مصر من سنة 1871 إلى 1879م مقهاه المفضل «متاتيا»، الذي كان يلتقي فيه مع تلاميذه بانتظام من أمثال محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين وغيرهم من رواد النهضة، وأيضا حضور عمالقة الفكر والأدب كالعقاد وشوقي وحافظ والبارودي. ولمقهى «الهافانا» تاريخ عريق في دمشق وأحداث وقصص وشخصيات بارزة من المجتمع السوري ومن العرب، وكان يرتاده منذ الأربعينات مجموعة من الشعراء كالماغوط والسياب والبياتي والصافي النجفي والقروي وحجازي. واتخذ نجيب محفوظ من مقهى «الفيشاوي» في خان الخليلي محطة للكثير من المسودات الأولى لرواياته، وكان بمثابة فضاء متنوع يلتقي فيه أصدقاءه ومحبيه من الكتاب والفنانين وبسطاء الناس. وفي نهاية شارع المتنبي ببغداد وعلى ضفاف نهر دجلة يقع مقهى «الشاهبندر» ورُواده من الوزراء والمثقفين كالجواهري وحسن الصافي وإبراهيم الزهاوي.
لقد انفتحت المجتمعات العربية في الآونة الأخيرة بجميع فئاتها العمرية والثقافية ومن كلا الجنسين على (coffee shop)، والحرص على تناول منتجاتها من القهوة وأنواع الشاي والتدخين، وأصبحت ملاذا ومحطة للجلوس في أروقتها وقضاء أجمل الأوقات فيها، وشكلت مُنعطفا حادا في جميع البيئات وانفتاحا على جميع الثقافات، واقتصرت الحاجة إليها لدى أغلب الفئات والاحتياجات نحو التواصل الاجتماعي واللهو والترفيه والرومانسيات والاسترخاء من ضيق السكن والمعاناة والكبت، والخروج من العزلة وتبديد الملل والقضاء على الوقت والاستمتاع بأنواع المشروبات.
لقد وصف نجيب محفوظ سر ازدهار المسرح وعبر عن سببه أننا صرنا جميعا مُمثلين على خشبته، ووصفه وليام شكسبير بأن الدنيا مسرح كبير وكل الرجال والنساء ما هم إلا مُمثلون على هذا المسرح، والمقاهي اليوم بحداثة أماكنها وصرعة جاذبيتها أصبحت مسرح المجتمعات وعنوان الحضارة لأي أُمة، فقد قِيل سابقا إذا أردت أن تتعرف على أُمةٍ فاذهب إلى مسارحها، واليوم إذا أردت أن تتعرف على مجتمع فاذهب إلى مقاهيه؛ لترى كيف يقضون وقتهم؟ وبماذا يتحدثون؟ ومع مَنْ يجلسون؟ وماهي مخرجاتهم؟
المقاهي واحدة من أهم عناوين الأُمة لأي مجتمع حضاري، وهي إحدى بوابات دخول الناس منها ومن كل الفئات والثقافات، وهي النافذة التي تطل على العالم؛ لتنشر منها الهوية والقيم والأخلاق والثقافة والعلم والفن، والخيار بين اثنتين: فإما أن تكون المقاهي فنا رفيعا لقضاء وقتنا وعنوانا لحُسن تربيتنا وجمالا لأخلاقنا، أو أن تكون مرتعا لعبثنا وقلة ذوقنا ومسرحا لتشويه تربيتنا وطمس قيمنا، فقد قِيل «أَعطني مسرحا أُعطيك أُمة» واليوم وبعد رحيل المسرح «أَعطني مقهى أُعطيك أمة»، فالمقهى خشبة مسرح أي مجتمع وهو عنوان نهضته وتخلفه، وعندما يهجرها رواد الثقافة والفكر والأدب والفن والتربية فإنه يحق للجمهور العبث فيها بما لا يليق.
وكان للسيد جمال الدين الأفغاني الذي أقام في مصر من سنة 1871 إلى 1879م مقهاه المفضل «متاتيا»، الذي كان يلتقي فيه مع تلاميذه بانتظام من أمثال محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين وغيرهم من رواد النهضة، وأيضا حضور عمالقة الفكر والأدب كالعقاد وشوقي وحافظ والبارودي. ولمقهى «الهافانا» تاريخ عريق في دمشق وأحداث وقصص وشخصيات بارزة من المجتمع السوري ومن العرب، وكان يرتاده منذ الأربعينات مجموعة من الشعراء كالماغوط والسياب والبياتي والصافي النجفي والقروي وحجازي. واتخذ نجيب محفوظ من مقهى «الفيشاوي» في خان الخليلي محطة للكثير من المسودات الأولى لرواياته، وكان بمثابة فضاء متنوع يلتقي فيه أصدقاءه ومحبيه من الكتاب والفنانين وبسطاء الناس. وفي نهاية شارع المتنبي ببغداد وعلى ضفاف نهر دجلة يقع مقهى «الشاهبندر» ورُواده من الوزراء والمثقفين كالجواهري وحسن الصافي وإبراهيم الزهاوي.
لقد انفتحت المجتمعات العربية في الآونة الأخيرة بجميع فئاتها العمرية والثقافية ومن كلا الجنسين على (coffee shop)، والحرص على تناول منتجاتها من القهوة وأنواع الشاي والتدخين، وأصبحت ملاذا ومحطة للجلوس في أروقتها وقضاء أجمل الأوقات فيها، وشكلت مُنعطفا حادا في جميع البيئات وانفتاحا على جميع الثقافات، واقتصرت الحاجة إليها لدى أغلب الفئات والاحتياجات نحو التواصل الاجتماعي واللهو والترفيه والرومانسيات والاسترخاء من ضيق السكن والمعاناة والكبت، والخروج من العزلة وتبديد الملل والقضاء على الوقت والاستمتاع بأنواع المشروبات.
لقد وصف نجيب محفوظ سر ازدهار المسرح وعبر عن سببه أننا صرنا جميعا مُمثلين على خشبته، ووصفه وليام شكسبير بأن الدنيا مسرح كبير وكل الرجال والنساء ما هم إلا مُمثلون على هذا المسرح، والمقاهي اليوم بحداثة أماكنها وصرعة جاذبيتها أصبحت مسرح المجتمعات وعنوان الحضارة لأي أُمة، فقد قِيل سابقا إذا أردت أن تتعرف على أُمةٍ فاذهب إلى مسارحها، واليوم إذا أردت أن تتعرف على مجتمع فاذهب إلى مقاهيه؛ لترى كيف يقضون وقتهم؟ وبماذا يتحدثون؟ ومع مَنْ يجلسون؟ وماهي مخرجاتهم؟
المقاهي واحدة من أهم عناوين الأُمة لأي مجتمع حضاري، وهي إحدى بوابات دخول الناس منها ومن كل الفئات والثقافات، وهي النافذة التي تطل على العالم؛ لتنشر منها الهوية والقيم والأخلاق والثقافة والعلم والفن، والخيار بين اثنتين: فإما أن تكون المقاهي فنا رفيعا لقضاء وقتنا وعنوانا لحُسن تربيتنا وجمالا لأخلاقنا، أو أن تكون مرتعا لعبثنا وقلة ذوقنا ومسرحا لتشويه تربيتنا وطمس قيمنا، فقد قِيل «أَعطني مسرحا أُعطيك أُمة» واليوم وبعد رحيل المسرح «أَعطني مقهى أُعطيك أمة»، فالمقهى خشبة مسرح أي مجتمع وهو عنوان نهضته وتخلفه، وعندما يهجرها رواد الثقافة والفكر والأدب والفن والتربية فإنه يحق للجمهور العبث فيها بما لا يليق.