ما حدث في كابول والمدن الأفغانية الأخرى كان تحديا لإظهار مدى استعداد قوات الأمن الأفغانية. هم ربما تغلبوا على المهاجمين، لكن التحدي الأكبر بالنسبة لهم كان انعدام المعلومات الأمنية
في واحدة من أكبر سلاسل الهجمات من قبل متمردين في تاريخ أفغانستان، قامت مجموعات مسلحة بهجمات على أهداف متفرقة في العاصمة كابول ومدن متفرقة أخرى يوم الأحد 15 أبريل، واستغرق الأمر حوالي 20 ساعة قبل أن تتمكن الشرطة الأفغانية من قتل أو اعتقال جميع الإرهابيين الذين شاركوا في هذه الهجمات.
حركة طالبان أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات التي شملت كابول، نانجهار، بكتيا، وجلال أباد، ولكنها لم تعلن سببا محددا للقيام بها. الحركة تدعي أنها أرادت الانتقام للمدنيين الأبرياء الذين قتلهم جندي أمريكي في قندهار منذ فترة، بالإضافة إلى الانتقام من قيام جنود أمريكيين بإحراق القرآن في باجرام.
ولكن من الواضح أن أيا من الأماكن التي استهدفتها الهجمات لم تكن قريبة بما فيه الكفاية من أي موقع أمريكي مثل السفارة الأمريكية أو القاعدة الجوية الأمريكية في باجرام.
بالطبع فإن المهاجمين في هذه الأماكن المختلفة المستهدفة في كابول لم يتسببوا بإيذاء مدنيين محددين. كانوا جميعا يرتدون أحزمة متفجرات وقاموا بتفجير أنفسهم قرب الشرطة ورجال الأمن. أحد الأمكنة التي استهدفها الانتحاريون هي المنطقة الدبلوماسية في كابول – شير بور - قرب منطقة وزير أكبر خان التي تقع فيها جميع السفارات الأجنبية. منطقة مستهدفة أخرى هي قرب منطقة بول شارخي في شرق كابول التي تضم البرلمان والسفارة الروسية.
التقيت مع بواب عمارة قيد البناء في شير بور كان المسلحون قد احتجزوه ثم أطلقوا سراحه فيما بعد. قال لي البواب إن سيارة المتمردين اقتحمت باب العمارة، وكان يقف خلف الباب عندما تحطم وخرج 12 رجلا من السيارة وبدؤوا ينزلون أسلحة منها ويدخلونها إلى العمارة. وخلال خمس دقائق كان المبنى تحت سيطرة المتمردين بالكامل وطلبوا من العمال المغادرة فورا.
العمال الذين أطلق المسلحون سراحهم هم الذين صرحوا أن المتمردين لا يريدون إلحاق الأذى بالمدنيين. قال لي البواب أيضا إن جميع الإرهابيين كانوا يتكلمون لغة البشتون مع بعضهم البعض وحتى عندما طلبوا من العمال مغادرة المبنى. واستطاع المسلحون المقاومة لأكثر من 20 ساعة وهم يقصفون المجمع اللوجستي البريطاني الألماني ويخدم أيضا باقي قوات إيساف، كما استهدف مسلحون آخرون أيضا أكاديمية الشرطة في كابول، مبنى البرلمان والسفارة الروسية من مواقع شرقية.
الموقع الشرقي في بول شارخي غير مسكون تقريبا وهذا سهل عملية مهاجمة قوات الأمن الأفغانية للمهاجمين. بحسب الدكتور جوليستان رئيس قوات الأمن في كابول أن رجاله اضطروا لاستخدام الدبابات في منتصف الليل لتدمير المبنى الذي كان المسلحون يحتمون بداخله لساعات طويلة في بول شارخي. أما منطقة شير بور فلم تكن سهلة مطلقا. في كل مرة أرادت الشرطة الاقتراب من المبنى رمى أحد عناصر طالبان قنبلة يدوية من خلال السلالم لمنع الشرطة من محاولة الصعود إلى المبنى. في النهاية، في الساعة السادسة صباحا، شنت الشرطة سلسلة من الهجمات بالصواريخ مدعومة بمروحيات تابعة للناتو وقتلت جميع عناصر المجموعة المتحصنين داخل المبنى.
يوم الاثنين كانت معظم المحلات مغلقة في كابول. سكان العاصمة الخائفون لم يذهبوا إلى العمل. كانوا عاجزين عن الكلام ويفكرون في مستقبل بلادهم في غياب قوات التحالف.
بالطبع كان الهجوم تحديا كبيرا واجه الأمن الأفغاني. في معظم الأيام الأخيرة سلمت القوات الأمريكية العمليات الليلية للأمن الأفغاني في سبيل تهيئة الشرطة الأفغانية وإعدادهم للتعامل مع العمليات بأنفسهم. ما حدث في كابول والمدن الأفغانية الأخرى كان تحديا لإظهار مدى استعداد قوات الأمن الأفغانية. هم ربما تغلبوا على المهاجمين، لكن التحدي الأكبر بالنسبة لهم كان انعدام المعلومات الأمنية، الأمر الذي سمح لـ20 انتحاريا بدخول كابول وحدها. إجمالي عدد المهاجمين الذين قتلوا كان 37 انتحاريا في معركة عنيفة مع قوات الأمن يوم الأحد، لكن الناس لا يزالون يريدون معرفة كيف استطاع كل هؤلاء المهاجمين أن يدخلوا العاصمة دون أن تلاحظهم أجهزة الأمن، ودون أن تستطيع اكتشاف مصدر حصولهم على كل تلك المعدات القتالية الثقيلة التي استخدموها في هجومهم.
لا تزال هناك مجموعة من الأسئلة التي تحتاج إجابات، لكن القلق الأمني يبقى الهم الأكبر بعد رحيل القوات الأمريكية في عام 2014، حيث عاد هذا القلق إلى مركز الاهتمام مرة أخرى. يوم السبت، قبل يوم واحد فقط من الهجمات، عين الرئيس الأفغاني كرزاي السيد صلاح الدين رباني كرئيس للمجلس الأعلى للسلام. الرئيس السابق للمجلس، البروفيسور رباني اغتيل منذ ستة أشهر في كابول، ومنذ ذلك الوقت توقفت محادثات السلام، وقبل يوم واحد من الهجمات على كابول والمدن الأفغانية الأخرى، قام الرئيس كرزاي بتعيين نجل البروفيسور المرحوم رباني للتعبير عن استعداده لاستئناف عملية السلام. الهجوم الأخير زاد من الشكوك حول مدى فائدة هذه المحادثات وفيما إذا كانت ضرورية أساسا.
أحد الانتحاريين الذين تم القبض عليهم قال للسلطات الأفغانية إنه تلقى التدريب لدى شبكة حقاني التي أرسلته إلى كابول. هل يمكن اعتبار هذه الهجمات فجوة مفتوحة بين عناصر طالبان أيضا، حيث إن جزءا منهم يؤيدون عملية السلام والمفاوضات وقسما آخر لا يعتقدون إلا بالقتال والمقاومة؟