• ذو الحسّ العالي يعيش دوما في مأزق النوع. عناية الاختيار تتعمق فيه حد المأساة، تجعله مسؤولاً وضائعاً في الوقت ذاته، ما بين صلابة مواقفه ورهافة شفافيته وذائقته، وكلما ازدادت الأمور تعقيداً عليه، واقترب من الاختناق بصرامته، عاد فطريا إلى منطقة الشك في جدوى هذا كله، ليوبخ نفسه بكل صراحة، ويقول لها؛ إن حمل الحياة على هذا القدر من الحزم لهو شيءٌ تافه وأحمق. من يعش على هذا النحو فهو بالتأكيد شخصٌ مهووس بشنق نفسه بالحبل الذي يسميه؛ العمق. يا للمغالطة!. الذين نالوا أثمن ما في الحياة، بل وغيروها، هم أولئك الذي خاضوها، ليس أنت الذي تقف جانباً منها بحجة التثقف، دون أن تجيد شيئاً غير الحديث المقزز عن ملاحقة الحقائق اللعينة. انظر لحالك، ها أنت لا تعرف حتى كيف تمشي في سوق. وشراء حلوى أو قضمة ساندويش بين الناس تمثل لك قصةً وفزعاً سخيفين. أفّ منك!
• يحدث أن يذهب صاحبنا بعيداً في العيش، وليلةً بعد أخرى يقنع نفسه أن عليه أن يتوغل أكثر، أن ينضم للآخرين من جديد.. ومع قهقهة كل مغامرة يهتف داخلياً كل هذا يفوت من الحياة كي أبقى بين الكتب! يغرق في ملذاته، وأخيراً يدخل إلى مأزق الضياع نفسه، وكلما ازدادت الأمور تعقيداً عليه، واقترب من الهاوية، عاد إلى منطقة الشك في جدوى حياته، ليوبخ نفسه بكل صراحة، ويقول لها؛ إن ما تفعله ليس سوى امتهان حقيقي لمعناك، ها أنت لا تطيق رؤية كتاب، إنك الآن بهيمة حقيقية، اخجل من نفسك يا طبل، وارجع فوراً إلى أهميّتك.
• ذو الحسّ العالي؛ بالضرورة إنسانٌ متطرف، لا يمكنه ألا يمشي في الأشياء لأقصاها، مهما كانت نقيضة، مهما كانت على طرفي الغرابة من السموّ والرداءة، وهذا ما يجعله خلاّقاً.. إنها حركة هذا البندول الرهيب في داخله، الذي يذهب في ناحية لآخرها، ثم يعود ليندفع إلى الناحية المقابلة أيضاً لآخرها. أجل.. هذه الكارثية النفسية التي يعيشها هي ما يجعله عميقاً وأخاذاً، وهي ما يمنحه الحساسية العجيبة تجاه الأشياء من حوله، ويمنحه هذا التجول الداخلي، مع تعمق تجاربه، القدرة والإرادة أن ينقذ نفسه في اللحظة المناسبة.. ألا يؤذي نفسه ولا الآخرين.
http://youtu.be/1pSyYhRYeIM
• طيب.. انتبهوا للمتطرّف، في الدين أو في غيره، إنه ليس سيئاً دائماً، ومناقشته قبل أن توقظوه، تجعلكم مضحكين. رشّوا ماء الحياة بوجهه، واكتشفوا هذا البنْدول الجوّاني فيه، وستحصلون على إنسانٍ يزيد الحياة اتساعاً وجمالاً وعبقرية.