نعي جيداً كلمة (بعد) وما يترتب عليها من آثار سيئة في الغالب، ويتمثل جزء من هذا الوعي في ترديد بعض الحكم والأمثال والأبيات التي تصور (بعد) وما يأتي معها تصويراً سيئاً، لأنهم يأتون بعد فوات الأوان دائماً، فلا فائدة ترجى منهم، بل لو أن (بعد) لم تأت لكان الوضع أفضل، فهم يقولون أبعد خراب مالطا؟ و بعد ما شاب راح الكتاب.
ورغم كل هذه المعرفة وكل هذا الوعي، إلا أننا لا نستطيع التعاطي مع (قبل) بشكل مرضي، بل ونفشل في تكوين علاقة جيدة معها قد تجنبنا الكثير من المتاعب، حتى على الصعيد الشخصي، فالمدارس الآيلة للسقوط أمام أعيننا، والتي تفتقر إلى أبسط أصول السلامة، لا تحرك فينا اهتماماً ولا إحساساً بالمسؤولية. ولا نكترث ونحن نزج بأطفالنا إلى الموت كل يوم، حتى إذا حدث ما لا تحمد عقباه من حريق أو انهيار تفاعلنا (بعد) فوات الأوان، بشكل إيجابي.
مطاعمنا التي تتسبب بين فينة وأخرى في تسمم الناس بالجملة وتعريضهم للموت بسبب غياب الرقيب المسؤول عن مراعاة وتطبيق اشتراطات السلامة، لا نعبأ بها، وحتى يتم التعامل بحزم مع هذه المطاعم نحتاج إلى كارثة إنسانية يتسبب فيها هذا المطعم أو ذاك، ليتم إغلاقه أو مراقبته.
مستشفياتنا بأخطائها، تتاجر بالموت، لا يُلتفت لها إلا بعد كارثة أخرى، وهذا شأننا في الكثير من أمور حياتنا، لا نلتفت إلى لأخطار المحدقة بنا إلا بعد فوات الأوان، فمتى نسقط من حساباتنا قبل وبعد، ونطبق الخطط الوقائية التي تقوم على افتراض الخلل أو العيب والتعامل معه إيجابياً قبل وقوعه؟
ذلك يتحتم أن يكون في كل أمور الحياة، فهو الذي يجنبنا بعد الله سبحانه، كل الكوارث والمصائب التي مردها إلى الإهمال والتقصير.