كم أريق من حبر في الكتابة عن غازي القصيبي الشاعر والروائي والكاتب السياسي والدبلوماسي ورجل الإدارة التنويري، كل هذه الألقاب نالها الراحل في حياته، لكنها رغم ثقلها المعنوي والنفسي لم تنقص ذرة من تواضعه الجم.
لذلك لم يكن بدعة أن يقول عنه الكاتب الألماني حنا لابونتيه وهو يتحدث عن نزول الشاعر والوزير إلى أحد محلات الهامبورجر بجدة ليقف مع العمال مرتديا بزتهمومن خلال وقوفه لبيع الهامبورجر أراد الوزير أن يسلط الضوء على الموقف المتعالي لمواطنيه، الذين كانوا يستنكفون العمل في مثل هذه الوظائف، وقال القصيبي آنذاك: لا توجد لدينا دماء زرق تميزنا عن الشعوب الأخرى. ويضيف الكاتب الألماني لقد كان الحب والتابوهات وأحوال الدول العربية من أهم موضوعات أعماله، ولم ينفك في رواياته وقصائده عن تناول العلاقة بين الغرب والثقافة العربية، وانتقد بالتفصيل القبول غير المدروس بالبضاعة الفكرية والثقافية والاستهلاكية للثقافات الأخرى. وبشكل خاص في رواية سبعة يشجب النخبة المتعلمة في الغرب، التي تشعر بتفوقها على الإنسان البسيط، بدلاً من أن تسخر معرفتها. لقد نجح القصيبي خلال حياته في مواجهة الموازنة الصعبة بين الإصلاح وتقاليد المجتمع السعودي
ما من أحد قابل غازي القصيبي إلا وراوده السؤال الملح: كيف توفق بين إدارتك لوزارتين وهذا الإنتاج الغزير في الأدب والسياسة والإدارة؟، وكان رد القصيبي دائما تقليديا فهو أستاذ في الإدارة وكتبه تعتبر مراجع لطلبة علم الإدارة في الجامعات السعودية والعربية، لكنه بالتأكيد فوق كل هذا كان عبقريا في إدارة الوقت.
في مثل هذه الأيام وتحديدا يوم 15 أغسطس فقدنا هذه العبقرية النادرة، وقد حبر محبوه وأعداؤه آلاف الصفحات عنه وعن حياته، لكني لم أقرأ لأحدهم يصفه بأنه كان مثل شجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، لكنها شجرة مثقلة بالحب فمالت كثيرا نحو القلب.