محمد بن صقر

يقول الفيلسوف وعالم المنطق والرياضيات الأمريكي «تشارل ساندرز»، إن الفكرة التي يشعر بها الفرد تعدّ مشروعا أو خطة عمل، وإن هذه الفكرة ليست بالضرورة أن الجميع يفكرون بها أو يؤمنون بها أو يتقبلونها.

وعلى الرغم من أن الفيلسوف شارل ذكر هذا الأمر في سياق يختلف عن السياق الذي أريد أن أطرحه مع القارئ الكريم، إلا أني أتقاطع مع ما طرحه بشكل كبير، خاصة أن الافكار عبارة عن مشاريع في عقل صاحبها، وأن هذه المشاريع تحتاج إلى تنفيذ وخطة عمل لنجاحها.

فالأفكار تحتاج إلى جسر عبور لإنجازها، وطريقة عرض مبهرة لتقبلها، خاصة في مراحلها الأولية، مراحل ولادتها، ثم تأتي قصة نجاحها في المرحلة الثانية، وأيضا انتشارها في المرحلة الثالثة.

ولكن، قبل هذه المراحل الثلاث نجد أن هناك مسلمات وتحديات لا بد أن نؤمن بها قبل أن نطرح أفكارنا، تتمثل في مدى تقبل الفكرة لدى الجميع، فلا يمكن أن ينجح مشروع أو فكرة ما لم تجد لها مؤيدين ومناصرين ومقاتلين من أجلها.

فالفكرة كاليتيم الذي يحتاج إلى رعاية وتبنٍّ، كما أن رفض الفكرة لا يعني بالضرورة فشلها أو عدم اكتمالها، أو حتى عدم منطقيتها، بل يعني أنها في مرحلة الاختبار الأولية من قِبل صاحبها لإنضاجها، ومعرفة مدى صمودها في عقليه صانعها، ولعلنا نسوق مثالا لشخصية قاتلت من أجل فكرتها، حتى استوت على عرش النجاح، فالتفوق ليس أمرا سهلا، وفي الوقت نفسه ليس أمرا مستحيلا، فهو يتطلب السقوط والتعثر والرفض مرارا، ثم النهوض بهمة وإصرار، ويتطلب إيمانا مطلقا بما تؤمن به.

شخصية ميلتون هيرشي ملك الشوكولاتة الذي عمل 6 سنوات دون عوائد مالية، وخسر جميع ما يملك، وفقد ثقة كثيرين ممن حوله، بسبب فشله المتكرر، والوضع المادي السيئ الذي وصل إليه، إلا أن الفكرة التي في ذهنه ومشروعه وخطة العمل التي تدار في عقله، كانت ترى النجاح، وكأن إصراره أكبر من أن يهدم أو يحطم أو يقلل منه، وأعظم من أن يدفن.

وبرغبة صادقه في تحقيق حلمه، تمكّن من أن يجد متبنّيا لفكرته وداعما لها ومؤمنا بها، من أحد المستثمرين، ليمده بالمال فيبدأ عملا جديدا توصّل فيه بعد التجارب إلى وصفته السرية «كريستال هيرشي»، حلوى الكراميل التي أعجبت مستوردا بريطانيا، فتقدم إلى ميلتون بطلبية كبيرة من حلوى الكراميل، استطاع بعدها أن يطور شركته لتكون أحد أكبر شركات الكراميل بالولايات المتحدة.

هذه القصة تبيّن لنا أن نجاح أفكارنا وابتكاراتنا ستجد من يتبناها، حين يكون هناك إصرار، وألا نتوقف عن إيماننا بجودة الفكرة متى ما شعرنا أنها ذات أثر مميز، حتى لو واجهت محاولة للتقليل من شأنها أو تحطيمها، فالتجارب التاريخية كثيرة وكبيرة، لتعلمنا كيف نؤمن بأفكارنا ونحقق أحلامنا.