سلمى الشهري

يشهد العالم أزمة اقتصادية قاسية نتيجة الأوضاع الصحية السيئة التي يعيشها المجتمع الدولي على وقع الأزمة الصحية «Covid-19».

وجاء تحذير المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا من «أن أزمة فيروس كورونا ستحول النمو الاقتصادي العالمي إلى»سلبي بشكل حاد«، خلال عامنا الحالي، وأنه يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ أزمة الكساد الكبير 1929». وأن ثلاثة أرباع العمال في العالم، حدث إغلاق جزئي أو كامل لأماكن عملهم خلال الوباء، مما يتسبب في الاستغناء عن خدماتهم، ويرفع نسبة العطالة. خلال القرن العشرين، والحادي والعشرين، مرّ العالم بأزمات اقتصادية عدة، تتباين في شدتها، وتعدّ أزمة الكساد الكبير التي وقعت نهاية ثلاثينات القرن العشرين، أسوأها وأشدها، وربط جورجييفا تداعيات الأزمة الحالية بتلك الأزمة عن سواها أمر مثير للقلق والتشاؤم.

ولكن بالنظر إلى أزمة الكساد العظيم أوGreat Depression، التي شهدت انهيارا ماليا تعددت أسبابه، كان أبرزها والذي له مدخل في مجمل الأسباب الأخرى، كلٌّ على حدة، النظام الاقتصادي الحرّ أو ما يسمى «النظام الرأسمالي» الذي كان يؤمن به الرئيس المنتخب هربرت هوفر.

وألحقت أزمة الكساد الكبير أشد الضرر بقلب العالم الرأسمالي «الولايات المتحدة الأمريكية» ودول أوروبا التي لها علاقات اقتصادية مع أمريكا.

ولو أخذنا هذا في الحسبان، فحديث جورجييفا هنا لا يشمل جميع الاقتصادات، كما لا يعني أن باقي الأنظمة الاقتصادية، مثل: الإسلامي والاشتراكي المركزي وغيرها، لن تتأثر بالأزمة، بل بالتأكيد سيكون هناك أثر اقتصادي مقارب، ولكن حدّته بالدرجة الأولى على الحكومات لا الأفراد، وبالتالي لن يختلف الوضع بشكل قاسٍ على حاجات الأفراد الأولية.

ثم إن الحكومات -بخبرتها ومعرفتها- قادرة على إداراة الأزمات والخروج منها، بعيدا عن الرأسمالية والاشتراكية، بالنظام الاقتصادي الإسلامي.

رأينا كيف قدمت الحكومة السعودية كثيرا من المبادرات والقرارات، لمواجهة التداعيات الاقتصادية على القطاع الخاص، وضرورة اتخاذ مجموعة من التدابير التي تضمن استمرار الأعمال في مساراتها المخطط لها مسبقا، دون أي تأثير أو تراجع في معدلات النمو الاقتصادي والتنموي في القطاعات الحيوية والمؤثرة، إضافة إلى صدور الأمر الملكي الذي نصّ على تكفل الميزانية الحكومية بـ60 % من رواتب الموظفين السعوديين، وبهذا القرار منعت عددا كبيرا من الموظفين السعوديين من الفصل في مثل هذه الظروف، وأكاد أجزم أنه لو لم يصدر هذا القرار لتجرع كثير من الموظفين السعوديين مرارة الفصل من أعمالهم، ولن يتحمل التاجر والمستثمر مرتباتهم في ظل هذه الظروف، ولكن جاءت هذه القرارات تتلمس كل احتياجات الاقتصاد السعودي، من أفراد أو شركات أو مؤسسات بمختلف أنواعها، وكلفت تلك المبادارات وحزمة دعم القرارات بقيمة تقارب 120 مليار ريال، من أجل خلق توزان، وعدم حدوث ضرر لأي عامل ومؤسسة أو شركة، حتى تتجاوز هذه الأزمة.

ويتضح أن إدارة هذه الأزمة تتم على أعلى مستوى، وباحترافية عالية جدا، سواء من ناحية مواجهة الوباء والاحترازات التي تتم منذ البداية، أو معالجة أي تبعات اقتصادية لذلك.

هذه الأزمة أثبتت -بما لا يدع مجالا للشك- فشل النظام الرأسمالي، أو الاقتصاد الحرّ في إداراة الأزمات، وأنه غير قادر على الخروج والتشافي منها، كما حدث في أزمة الكساد العظيم التي ظلت تداعياتها وأثرها في العالم الرأسمالي 3 سنوات، ثم أخذت بعد ذلك في التشافي شيئا فشيئا، ولم ينته منها كليّا إلا بعد الحرب العالمية الثانية 1948.

بعيدا عن التشاؤم، أنا على ثقة تامة بتجاوزنا الأزمة الحالية، والخروج منها بشكل أقوى، كما خرجنا من أزمة الكساد العظيم بدولة قوية وموحدة.