في أي مؤسسة مالية احترافية، ينبغي إدارة الاستثمارات على أساس توزيع الأصول ما بين سيولة متاحة، وتوفيرات تدار كودائع تعطي عوائد معقولة، وعقارات، وحصص في شركات قائمة
برزت في الآونة الأخيرة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية (GOSI) كمؤسسة مالية استثمارية ناجحة قياساً إلى حسن إدارة أموالها واستثماراتها المحلية والدولية، سواءً في مجال الأوراق المالية من أسهم وسندات، أو تطوير وإدارة عقارات، منها بعض الأبراج السكنية والمكتبية والمجمعات التجارية. كما تبرز مؤسسة التأمينات في طريقة إدارة استثماراتها الاحترافية ومستوى أدائها والعائد على استثماراتها بالمقارنة مع مؤسسات وصناديق عامة أو خاصة، وهي مقارنة عادلة ومعقولة. كل هذا يثير عددا من التساؤلات، من أهمها، ما هي مقومات وعوامل نجاح الاستثمارات بشكل عام؟ وما الذي يجعل استثمارات مؤسسة التأمينات الاجتماعية ناجحة مقارنة بالآخرين؟
تتطلب أساسيات إدارة الاستثمارات وجود سياسات وإجراءات عملية وصارمة لإدارة الاستثمارات، بحيث لا يكون هناك مجال للاجتهادات الشخصية، وإنما قرارات استثمارية مدروسة من قبل فريق عمل احترافي ذي كفاءة عالية وخبرة طويلة، مع إخضاع الاستثمارات للرقابة والمتابعة المنظمة وتوفير شفافية كاملة ودقيقة داخل منظومة المؤسسة ذات العلاقة. كما تتميز المؤسسات الناجحة عن غيرها بمتطلبات تحليل وإدارة المخاطر المرتبطة بالاستثمارات، وهذا يعني بالضرورة عدم النظر في الفرص الاستثمارية على أنها مجال لتحقيق عوائد مالية فقط، وإنما عوائد متوقعة ومتفاوتة ولكن ضمن نسب مخاطر مدروسة ومتوقعة. فعلى سبيل المثال، الدخول في ملكية شركات مبتدئة يعتبر مغريا من حيث وجود عوائد واعدة وكبيرة مقابل استثمارات منخفضة بالمقارنة باستثمارت في شركات قائمة وقديمة أو أوراق مالية، ولكن تختلف الاستثمارات في مشاريع أو شركات مبتدئة عن غيرها في عدد من الخواص، من أهمها: وجود مخاطر عالية مرتبطة بعدم وجود تاريخ مالي سابق وإنجازات ربحية سابقة، مما يعني الاعتماد على وضع توقعات للتدفقات النقدية المستقبلية والأرباح المستقبلية لعدد من السنوات، بحيث يمكن تحديد الجدوى الاقتصادية من الدخول في هذا النوع من الاستثمارات. كما أن نوعية وتاريخ وتجارب مؤسسي وإدارة الشركة في مشاريع وشركات سابقة تعتبر عاملاً مهماً ومؤثراً في تحديد ما إذا كان يمكن الدخول في هذا النوع من الاستثمارات أم لا. والأخير يمثل العامل الفيصل في صناعة القرارات الاستثمارية لأي مؤسسة أو شركة استثمارية. ويضاف إلى العوامل السابقة أهمية إخضاع أي فرصة استثمارية جديدة للسياسات والإجراءات الداخلية الخاصة بالاستثمارات، فقد لا تكون الفرصة المتاحة ضمن المجالات الاستثمارية المحددة للاستثمارات، أو قد لا توفر الفرصة المتاحة شروط ومتطلبات الاستثمارات لدى المؤسسة المعنية.
في أي مؤسسة مالية احترافية، ينبغي إدارة الاستثمارات على أساس توزيع الأصول ما بين سيولة متاحة، وتوفيرات تدار كودائع تعطي عوائد معقولة، وعقارات، وحصص في شركات قائمة، وأوراق مالية من أسهم وسندات وغيرها، وصناديق استثمارية مختلفة سواءً عامة أو خاصة. ويعتمد تحديد نسبة وحجم السيولة المطلوبة على عدة عوامل، من أهمها تقديرات المصاريف التشغيلية السنوية أو الربع سنوية، ونسبة وحجم العوائد المطلوبة على الاستثمار على الأصول المتاحة، فأي مبلغ أو أصل يستقطع لمقابلة المصاريف التشغيلية يعني بالضرورة تخفيض وعاء الأصول المتاحة للاستثمار من ناحية، وتقليل نوعية وفرص وعوائد الاستثمارات المتاحة. كما يتطلب الاستثمار الناجح وجود إدارة استثمارية واعية ومتابعة لما يحدث في العالم، مع تمتعها بحس إدارة المخاطر أكثر من البحث عن الفرص الاستثمارية. وكاختبار لمدى نجاح المؤسسات الاستثمارية يمكن النظر في مدى نجاحها في تحقيق عوائد مالية أثناء الأزمة المالية العالمية لعام 2008 م، أو على أقل التقديرات عدم تكبدها خسائر رأسمالية. وهذا الاختبار قد يوفر نوعاً من الشفافية حول كفاءة وقدرة وخبرة والقراءة المالية المستقبلية لإدارة الاستثمارات.
وما ذكر أعلاه حول متطلبات وأساسيات إدارة الاستثمارات وطريقة توزيع الأصول ما بين سيولة متاحة واستثمارات وعقارات ينطبق أيضاً على الاستثمارات الفردية، فليس من المعقول أو المنطق أن يقوم أي إنسان بالدخول في أي استثمار كان سواءً أسهم أو غيرها بكل ثروته أو حتى الاستدانة أكثر للدخول في مثل هذه الفرص، فهذه الطريقة في الاستثمار هي ضرب من الجنون، وحتى القمار لا ينطبق عليها.
المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مؤسسة عامة تقوم بإدارة مدخرات موظفي القطاع الخاص والمحصلة نتيجة الاستقطاع الشهري لجزء من مرتباتهم، بنسبة تصل إلى (20%) شهرياً، وفي نفس الوقت فهي تقوم بدفع مرتبات تقاعدية شهرية بنسب متفاوتة للمتقاعدين من القطاع الخاص. وما بين تقديرات المبالغ المحصلة والمبالغ المدفوعة تبرز فرص استثمارية تبدأ باستثمار المبالغ المحصلة شهرياً مع الأخذ في الاعتبار تطوير سياسات استثمارية توفر السيولة المطلوبة شهرياً لمقابلة مصاريفها التشغيلية ومنها المدفوعات الشهرية للمتقاعدين. أما ما يميز التأمينات الاجتماعية فهو نوعية وتوقيت استثماراتها سواءً في التطوير العقاري أو شراء حصص في عدد من الشركات المدرجة في سوق المال السعودية، وهي شركات تتميز بوجود قيمة عالية ومتنامية للشركة وتدفقات نقدية مستقبلية وتاريخ مالي جيد نسبياً.
وحسب المعلومات المتاحة وما يتم قراءته في السوق ومناقشة الفرص الاستثمارية المتاحة وطرق مفاوضات ومنهجية اتخاذ القرارات الاستثمارية من قبل الجهات الاستثمارية المختلفة، تبرز دائماً المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من خلال نوعية وحسن أداء استثماراتها، مما ينعكس بالضرورة على نوعية وكفاءة وخبرة إدارة المؤسسات العامة للتأمينات الاجتماعية، وهي شهادة وثناء مستحق. والمؤمل وجود زيادة في الأداء والشفافية للمؤسسة من خلال نشر القوائم المالية ومؤشرات الأداء المالية للمؤسسة، وذلك حتى يطلع الملاك، وهم المستفيدون من خدمات المؤسسة، من ناحية، وحتى تؤسس المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لممارسات شفافية ومقارنات عادلة بين المؤسسات المشابهة.