الفيروس عموماً هو: كائن ممرض صغير لا يمكنه التكاثر إلا داخل خلايا كائن حي آخر، وعليه فإن الدوغمائية (فيروس إيديولوجي) لا يمكنه التكاثر إلا داخل خلايا دماغ إنسان حي، وخلاصة تعريف الدوغمائية أنها: حالة من الجمود والتعصب الفكري لإصدار أحكام لا تقبل الشك لدى معتقديها، وهي قديمة ومتنوعة حسب أشكال المصابين بها، حيث إنها توجد في مختلف الفرق والأديان والمذاهب على جميع المستويات، وتظهر أيضاً في الأفكار والنظريات العلمية كالاشتراكية والرأسمالية، فتبدأ بأعراض خفيفة تدعو لكراهية الآخر (المختلف دينيا أو عرقياً أو طبقياً) وإقصائه من الفضاء العام كأعراض أولية، وانتهاءً بإقصائه من الحياة نهائياً (القتل)، كما حصل في النازية مع الهولوكوست، أو النظرية المالتوسية التي أدت إلى التعقيم الإجباري للفقراء كي لا ينجبوا، ويمثل داعش آخر سلالة دوغمائية ظهرت على شكل ديني عند البشرية في العصر الحديث، مما جعل العالم يشكل تحالفاً دولياً لمحاربتها في كل بقعة ظهرت فيها، وأصبح تبادل المعلومات حولها قضية عالمية شارك فيها العالم بلا استثناء من أقصى الصين إلى أقصى أمريكا.
كورونا كفيروس سبقه كورونا الإبل، وأيضاً داعش سبقتها القاعدة في كابل، كورونا فيروس جسدي، الدوغمائية فيروس فكري، فهل هناك فائدة ترجى من هذه المقارنة؟ على المستوى الإنساني (نعم) فقد كتب المفكرون عن حقيقة الدوغمائية ونبشوا تاريخها منذ الإغريق وطبيعتها (المتشددة للأفكار والمبادئ والقناعات لدرجة معاداة كل ما يختلف عنها، دون قبول النقاش لتلك القناعات أو السماح بذكر أي دليل يناقضها لأجل مناقشته، وهي تصنع الاستبداد والمعصومية وتنتظر القبول الخانع من قبل الملتزمين)، وقد كتب الروائيون فيها كثيراً، ويمثلها بشكل جلي في الجانب الشمولي رواية جورج أورويل (1984) صدرت عام (1949)، وفي الجانب الديني رواية فلاديمير بارتول (آلموت) صدرت عام (1938)، التي يقول فيها على لسان البطل (شيخ الجبل الحسن بن الصباح) ما نصه: (هكذا فإن السيادة هي ملك ذاك الذي يجعل سلاطين العالم مكبلين بالخوف..) وصولاً لكتاب (إدارة التوحش) كأجندة عملية لفكر القاعدة تؤكد الميلاد الجديد لفيروس الدوغمائية في العصر الحديث.
وقد كتب المفكرون أيضاً عن حقيقة الفيروسات منذ اكتشافها على يد أدولف ماير سنة (1883) وحتى الآن، وصدرت روايات خيال علمي عن خطر الأوبئة، وتعد هذه الأيام رواية (عيون الظلام) للكاتب الأمريكي دين كونتز، صدرت عام (1981) أقرب نموذج يحاكي واقعنا الحالي مع كورونا، في تقاطع لافت ورد في الرواية عن مدينة ووهان الصينية، يحرك وجدان محبي الكهانة والعرافة بأساليب حديثة تأتي على شكل فصل في رواية أو مقطع في قصيدة.
فيروس كورونا يجعل الابن يقتل والده بالعدوى، والعكس، وفيروس الدوغمائية يجعل الابن يقتل والده أيضاً بالعدوى والعكس، فيروس الدوغمائية جعل كل رجال الدين في كل الديانات يعقدون المؤتمرات والندوات يستعرضون قراءاتهم لأديانهم ويراجعونها خشية أن يكونوا مصابين بالفيروس الإيديولوجي دون أن يشعروا، فنراهم يتبرؤون مما يضعف معنى (التعددية في سبيل التعايش المشترك) للوصول إلى معنى (الإنسانية) الواحدة التي إن اشتكى منها عضو تداعى لها سائر الجسد بالسهر والحمى.
ردود أفعال بعض الناس في بداية فيروس كورونا في مدينة ووهان فقط، يذكرنا بردود أفعال الناس في بداية فيروس الدوغمائية عند أول ظهوره في أفغانستان، فقد فرح بالاثنين من كان يظن أن الفيروس البيولوجي والفيروس الإيديولوجي هما سيف من السماء على رؤوس أعدائه في (الدين أو العرق أو الطبقة)، ثم تغيرت اللغة وازداد الوعي مع انتشار الفيروس بنوعيه، فعندما بدأ الفيروس الإيديولوجي (الدوغمائية) بتفجير المساجد وقتل البشر أفرادا وجماعات تفجيرا ودهساً وذبحاً وسبياً، ارتبك الناس وأدركوا أن هناك وباءً حقيقيا يحتاج لعلاج يوحد الشعوب، وكذلك عندما انطلق فيروس كورونا من الصين فرح في البداية كثير من الناس على مستوى العالم ممن يعيشون أعراضا خفيفة لدوغمائية فكرية، ثم عند انتشار الفيروس على مستوى العالم دون استثناء، ارتبك الناس وأدركوا أن هناك وباءً حقيقيا يحتاج لعلاج يوحد الشعوب.
من أغرب ما نجده في فيروس الإيديولوجيا (الدوغمائية الدينية بالذات) أنها تقف في صف الفيروس البيولوجي، فحتى الآن يوجد في عالم بعض المتدينين من يحرم (التطعيم ضد الكوليرا وشلل الأطفال، ومنهم من لا يلتزم بالتعليمات الطبية للحجر الصحي) فالفيروس البيولوجي حليف الفيروس الإيديولوجي منذ بدء التاريخ، ولهذا لا يكتشف الدواء إلا إنسان سليم الجسد والعقل من كليهما، ويبقى الإنسان هو الإنسان منذ عهد الفراعنة قبل خمسة آلاف سنة مع أهرامهم الخاوية على عروشها إلى ناطحات سحاب نيويورك التي يمتلك ترمب أحدها (برج ترمب الدولي)، والتي لن تخرج عن مكر التاريخ الذي لخصه قبل هيجل وماركس بشكل ديالكتيكي (الحكيم العربي عندما سأله الخليفة: هل ترى في قصري المنيف عيباً، فقال: أرى فيه عيبين لا عيبا واحدا، أنه يبلى وأنك تموت).
أخيراً: ذكر توفيق السيف في مقاله بالشرق الأوسط (هل نستطيع التعايش مع الوباء؟) الدعوة إلى الانتقال من حالة المواجهة مع الوباء إلى حالة التعايش، والمشكلة بوجهة نظري تتلخص في أمرين (إدارة أزمة وباء ليس له علاج حتى الآن، وإدارة شعور وطني لم يتعود على الأزمات)، فأعان الله قيادتنا التي لم تخذل شعبها يوماً في كل فترات الفيروسات التي مرت على العقول والأجساد (قديما كان يموت من كل ألف طفل ربعهم تقريباً، ومع نظام التطعيم في الستينات الميلادية انخفض العدد إلى 33 طفلا فقط، (راجع هانس روسلينج في كتابه الإلمام بالحقيقة، وقد أشار إلى أننا تفوقنا على السويد في هذا المضمار ص30).
فما قدمته الدولة كافٍ وزيادة، ولا لوم إن حصل ـــ لا سمح الله ـــ ما يفوق الوسع، وللتذكير فإن السعودية هي الأولى عالمياً في عدد ضحايا حوادث الطرق لعام 2011 ــــ وفق موقع العربية بتاريخ 13 مارس 2013 ــــ وفي صحيفة الاقتصادية لعدد (17 أكتوبر 2014) بلغ عدد وفيات الحوادث (7661) حالة وفاة عام 2013 بما يعادل (21) وفاة يومياً، فهل توقفنا عن قيادة السيارات؟ أم عملنا على معالجة ذلك بمزيد من الضبط والرصد والمتابعة. باختصار لنتعايش مع كورونا بشجاعة وانضباط ولنستعد للموجة العاتية كما يليق بنا كشعب شجاع منضبط في ظل قيادةٍ حازمةٍ حكيمة.
كورونا كفيروس سبقه كورونا الإبل، وأيضاً داعش سبقتها القاعدة في كابل، كورونا فيروس جسدي، الدوغمائية فيروس فكري، فهل هناك فائدة ترجى من هذه المقارنة؟ على المستوى الإنساني (نعم) فقد كتب المفكرون عن حقيقة الدوغمائية ونبشوا تاريخها منذ الإغريق وطبيعتها (المتشددة للأفكار والمبادئ والقناعات لدرجة معاداة كل ما يختلف عنها، دون قبول النقاش لتلك القناعات أو السماح بذكر أي دليل يناقضها لأجل مناقشته، وهي تصنع الاستبداد والمعصومية وتنتظر القبول الخانع من قبل الملتزمين)، وقد كتب الروائيون فيها كثيراً، ويمثلها بشكل جلي في الجانب الشمولي رواية جورج أورويل (1984) صدرت عام (1949)، وفي الجانب الديني رواية فلاديمير بارتول (آلموت) صدرت عام (1938)، التي يقول فيها على لسان البطل (شيخ الجبل الحسن بن الصباح) ما نصه: (هكذا فإن السيادة هي ملك ذاك الذي يجعل سلاطين العالم مكبلين بالخوف..) وصولاً لكتاب (إدارة التوحش) كأجندة عملية لفكر القاعدة تؤكد الميلاد الجديد لفيروس الدوغمائية في العصر الحديث.
وقد كتب المفكرون أيضاً عن حقيقة الفيروسات منذ اكتشافها على يد أدولف ماير سنة (1883) وحتى الآن، وصدرت روايات خيال علمي عن خطر الأوبئة، وتعد هذه الأيام رواية (عيون الظلام) للكاتب الأمريكي دين كونتز، صدرت عام (1981) أقرب نموذج يحاكي واقعنا الحالي مع كورونا، في تقاطع لافت ورد في الرواية عن مدينة ووهان الصينية، يحرك وجدان محبي الكهانة والعرافة بأساليب حديثة تأتي على شكل فصل في رواية أو مقطع في قصيدة.
فيروس كورونا يجعل الابن يقتل والده بالعدوى، والعكس، وفيروس الدوغمائية يجعل الابن يقتل والده أيضاً بالعدوى والعكس، فيروس الدوغمائية جعل كل رجال الدين في كل الديانات يعقدون المؤتمرات والندوات يستعرضون قراءاتهم لأديانهم ويراجعونها خشية أن يكونوا مصابين بالفيروس الإيديولوجي دون أن يشعروا، فنراهم يتبرؤون مما يضعف معنى (التعددية في سبيل التعايش المشترك) للوصول إلى معنى (الإنسانية) الواحدة التي إن اشتكى منها عضو تداعى لها سائر الجسد بالسهر والحمى.
ردود أفعال بعض الناس في بداية فيروس كورونا في مدينة ووهان فقط، يذكرنا بردود أفعال الناس في بداية فيروس الدوغمائية عند أول ظهوره في أفغانستان، فقد فرح بالاثنين من كان يظن أن الفيروس البيولوجي والفيروس الإيديولوجي هما سيف من السماء على رؤوس أعدائه في (الدين أو العرق أو الطبقة)، ثم تغيرت اللغة وازداد الوعي مع انتشار الفيروس بنوعيه، فعندما بدأ الفيروس الإيديولوجي (الدوغمائية) بتفجير المساجد وقتل البشر أفرادا وجماعات تفجيرا ودهساً وذبحاً وسبياً، ارتبك الناس وأدركوا أن هناك وباءً حقيقيا يحتاج لعلاج يوحد الشعوب، وكذلك عندما انطلق فيروس كورونا من الصين فرح في البداية كثير من الناس على مستوى العالم ممن يعيشون أعراضا خفيفة لدوغمائية فكرية، ثم عند انتشار الفيروس على مستوى العالم دون استثناء، ارتبك الناس وأدركوا أن هناك وباءً حقيقيا يحتاج لعلاج يوحد الشعوب.
من أغرب ما نجده في فيروس الإيديولوجيا (الدوغمائية الدينية بالذات) أنها تقف في صف الفيروس البيولوجي، فحتى الآن يوجد في عالم بعض المتدينين من يحرم (التطعيم ضد الكوليرا وشلل الأطفال، ومنهم من لا يلتزم بالتعليمات الطبية للحجر الصحي) فالفيروس البيولوجي حليف الفيروس الإيديولوجي منذ بدء التاريخ، ولهذا لا يكتشف الدواء إلا إنسان سليم الجسد والعقل من كليهما، ويبقى الإنسان هو الإنسان منذ عهد الفراعنة قبل خمسة آلاف سنة مع أهرامهم الخاوية على عروشها إلى ناطحات سحاب نيويورك التي يمتلك ترمب أحدها (برج ترمب الدولي)، والتي لن تخرج عن مكر التاريخ الذي لخصه قبل هيجل وماركس بشكل ديالكتيكي (الحكيم العربي عندما سأله الخليفة: هل ترى في قصري المنيف عيباً، فقال: أرى فيه عيبين لا عيبا واحدا، أنه يبلى وأنك تموت).
أخيراً: ذكر توفيق السيف في مقاله بالشرق الأوسط (هل نستطيع التعايش مع الوباء؟) الدعوة إلى الانتقال من حالة المواجهة مع الوباء إلى حالة التعايش، والمشكلة بوجهة نظري تتلخص في أمرين (إدارة أزمة وباء ليس له علاج حتى الآن، وإدارة شعور وطني لم يتعود على الأزمات)، فأعان الله قيادتنا التي لم تخذل شعبها يوماً في كل فترات الفيروسات التي مرت على العقول والأجساد (قديما كان يموت من كل ألف طفل ربعهم تقريباً، ومع نظام التطعيم في الستينات الميلادية انخفض العدد إلى 33 طفلا فقط، (راجع هانس روسلينج في كتابه الإلمام بالحقيقة، وقد أشار إلى أننا تفوقنا على السويد في هذا المضمار ص30).
فما قدمته الدولة كافٍ وزيادة، ولا لوم إن حصل ـــ لا سمح الله ـــ ما يفوق الوسع، وللتذكير فإن السعودية هي الأولى عالمياً في عدد ضحايا حوادث الطرق لعام 2011 ــــ وفق موقع العربية بتاريخ 13 مارس 2013 ــــ وفي صحيفة الاقتصادية لعدد (17 أكتوبر 2014) بلغ عدد وفيات الحوادث (7661) حالة وفاة عام 2013 بما يعادل (21) وفاة يومياً، فهل توقفنا عن قيادة السيارات؟ أم عملنا على معالجة ذلك بمزيد من الضبط والرصد والمتابعة. باختصار لنتعايش مع كورونا بشجاعة وانضباط ولنستعد للموجة العاتية كما يليق بنا كشعب شجاع منضبط في ظل قيادةٍ حازمةٍ حكيمة.