إسلام أباد: جاسم تقي

تدهورت العلاقات الباكستانية الهندية بصورة كبيرة بعد الهجمات الإرهابية على مومباي في 26 نوفمبر سنة 2008، بعد أن اتهمت الهند منظمة (لشكر طيبة) المحظورة بأنها خططت لتلك الهجمات و طالبت باكستان بمحاكمة قادة الحركة. و بينما ألقت الأجهزة الأمنية القبض فعلا على قادة لشكر طيبة إلا أن القضاء الباكستاني أفرج عنهم بسبب عدم توفر أدلة كافية لإدانتهم، عندها قررت الهند تجميد الحوار المركب بين البلدين لتطبيع العلاقات بينهما. وأعقب ذلك توتر كبير في العلاقات بفعل الملاسنة بين قيادات البلدين و الحملة الإعلامية بينهما. فوصلت العلاقات مرحلة خطيرة إثر تصريحات رئيس أركان الجيش الهندي الجنرال ديبك كابور أن بوسع الهند القيام بحرب في جبهتين في آن واحد ضد باكستان والصين و إنزال هزيمة بهما خلال 96 ساعة. ونتيجة لذلك فقد ترأس رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني اجتماعا خاصا للقيادة الوطنية التي تسيطر على الأسلحة النووية لدراسة تصريحات الجنرال كابور و إعادة النظر بالإستراتيجية العسكرية الباكستانية تجاه ذلك التهديد. و بينما أدانت باكستان والصين تصريحات الجنرال كابور إلا أن الولايات المتحدة آثرت الصمت و لكنها قررت إرسال مبعوث الرئيس أوباما لباكستان و أفغانستان إلى نيودلهي في 17 يناير الجاري لتهدئة الموقف المتوتر بين البلدين.
استراتيجية الهدوء
تؤكد الاستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان على ضرورة هدوء الجبهة الباكستانية- الأفغانية كي يتفرغ الجيش الباكستاني للقيام بدوره المحوري في الحرب ضد فلول القاعدة وطالبان في منطقة القبائل المتاخمة للحدود الباكستانية مع أفغانستان لاسيما في المرحلة الحالية حيث بدأت القوات الأميركية بالانسحاب التدريجي من أفغانستان.
وعلى الرغم من أن السبب الرئيسي في تدهور العلاقات الباكستانية- الهندية هو أزمة كشمير إلا أن المبعوث الأميركي أكد أن الولايات المتحدة لن تتوسط بين الهند وباكستان لحل الأزمة، ولكنها ترحب باستئناف المباحثات الثنائية بين البلدين. وهذا الموقف يتطابق مع الموقف الهندي الذي يرفض وساطة أي طرف ثالث بين الهند و باكستان حول كشمير على أساس أن اتفاقية ( شيملة) الموقعة بين البلدين سنة 1972 تصنف الأزمة على أنها ثنائية.
وفي الوقت الذي أثير نقاش واسع حول تصريحات الجنرال كابور فإن الصحافة الغربية نشرت تقريرا يفيد أن الولايات المتحدة قد دربت مجموعة خاصة للاستيلاء على الأسلحة النووية في حالة تمكن القوى المتطرفة من السيطرة عليها. وجعل ذلك الأمر المؤسسة العسكرية تلوح بأن باكستان ستستخدم جميع الأسلحة للدفاع عن نفسها و ذلك تهديد مبطن باستخدام السلاح النووي.
و مما ساهم في تدهور العلاقات الثنائية أيضا تصريحات رئيس الجمهورية آصف علي زرداري بأن باكستان مستعدة لخوض حرب لمدة 1000 سنة مع الهند حول كشمير و أنها لن تتخلى عن حق الشعب الكشميري في تقرير المصير. وقد استغلت الهند تصريحات زرداري تلك لتزيد من موقفها المتزمت حول كشمير لدرجة أن وكيلة وزيرة خارجية الهند نيروباما راو اتهمت السلطات الباكستانية بأنها ما زالت تدعم المجموعات الإرهابية في الهند.
خلال 2009 توعد المتشدد الإسلامي الياس كشميري في مقابلة صحفية بالقيام بعملية كبرى ضد الهند تفوق عملية مومباي لإذكاء الحرب بين البلدين. كما أعلن كشميري الحرب ضد الهند من خلال إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني توعد فيها بالانتقام من قتل المسلمين الهنود و تدمير مسجد بابري سنة 2002 و الاستمرار باحتلال ولاية جمو وكشمير مؤكدا أن الحرب ستستمر ضد الهند حتى تسحب كامل قواتها من الولاية و تمنح الشعب الكشميري حق تقرير المصير.
ما زالت الهند تشعر بالقلق حتى بعد قتل الياس كشميري لأن لديه أتباعا يبلغ عددهم حوالي 3000 شخص و مدربين جيدا على العمليات الانتحارية و لديه اختراقات أيضا في المؤسسة العسكرية.
كاريزما حنا رباني كهر
دقت ساعة العمل في 26 يوليو عندما زارت حنا رباني كهر وزيرة الخارجية الباكستانية الشابة، نيودلهي و أجرت مباحثات مع نظيرها الهندي أس.أم كريشنا كما التقت رئيس الوزراء مانموهن سنج و وجهت الدعوة الرسمية له لزيارة باكستان. استمرت الزيارة الرسمية لمدة 3 أيام وأحرزت نجاحا منقطع النظير. فقد أولت الصحافة الهندية أهمية كبرى لوزيرة الخارجية التي هي أصغر وزيرة خارجية بتاريخ باكستان (34 عاما) و أبرزت جمالها وملابسها واصفة إياها بأنها أجمل من الأميرة البريطانية كيت ميديلتون وأن جمالها وثقافتها تقارن مع رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو حيث إنها تجمع ما بين الجمال و الثقافة و الثروة و تمتاز بكاريزما خاصة. كما خصصت أجهزة الإعلام الهندية المكتوبة و المرئية مواقع خاصة لصورها. و من ابرز الصور التي نشرتها صورة مع وزير الخارجية كريشنا الذي بدأت الدهشة ظاهرة على وجهه عندما قدمت حنا رباني كهر يدها لمصافحته. فقد جرت العادة أن النساء الباكستانيات لا يصافحن الرجال و لكن وزيرة الخارجية خرقت تلك العادة.
فضمن أجواء انفراج التوتر بين باكستان و الهند صرحت وزير الخارجية أن باكستان حريصة على تطوير العلاقات مع الدول المجاورة كافة ولا تنوي انتهاج سياسة عدائية مع أية دولة لاسيما الهند. وأكدت أن باكستان حريصة على تطبيع العلاقات الثنائية وبدء صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بما يؤدي إلى إقرار السلام و الأمن و الاستقرار في جنوب آسيا. و أكدت أن الأطراف كافة في التحالف الحاكم والمعارضة تؤيد تطبيع العلاقات مع الهند معربة عن أملها أن يؤدي الحوار إلى نتائج إيجابية.
تلطيف الأجواء
وحققت كهر إنجازات مهمة فقد وافقت الهند على استئناف الحوار المركب بين البلدين حول تطوير العلاقات بينهما على المسارات كافة التي جمدت،كما ناقشت قضايا شائكة ومعقدة لاسيما قضية جمو وكشمير وأزمة المياه وترسيم الحدود البحرية وانسحاب القوات الهندية والباكستانية منمرتفعات سياجين الجليدية و إعلانها منطقة منزوعة من السلاح. وفي الموضوع الأمني وافقت باكستان على تعجيل محاكمة المتهمين بالتخطيط لعملية مومباي مؤكدة التزامها بمكافحة الإرهاب و أنها لن تسمح لأية منظمة أو جهة باستخدام الأراضي الباكستانية للقيام بأي عملية تخريبية ضد الهند. وأكدت حنا رباني على موقف باكستان من قضية جمو وكشمير الذي يقوم على أن الولاية متنازع عليها وأنه ينبغي التوصل إلى حل سلمي لها من خلال المباحثات الثنائية.
يجمع المراقبين كافة في الهند و باكستان على نجاح الزيارة بصورة تفوق التوقعات كافة، كما ساهمت في تلطيف الأجواء بين الجانبين وتركت الأمور الأخرى لاجتماع القمة.