سعدت قبل يومين بحضور معرض تشكيلي نظمه فرع جمعية الثقافة والفنون في أبها للتشكيليين التهاميين، جمع أسماء مبدعة ونتاجات أكثر إبداعا، وهذه المعارض التشكيلية فعاليات نادرا ما أفوتها إذ أرى من وجهة نظري أن اللوحة الفنية وما يتموسق فيها من انفعالات مصدر إلهام لمن هم مهتمون بالسرد وبالقصة القصيرة على وجه الخصوص حيث يمتد جسر من العلاقة بين الفنان والقاص يتواصل عبره الاثنان بما يمكن تسميته الحكي الخفي فاللوحة في أصلها حكاية عملت الريشة على إبرازها وفق رؤية إبداعية مختلفة وتقنيات ممنهجة، كما هي القصة ترتكز في البدء على ثيمة الحكي ثم تعلنها للمتلقي بعد توافر اشتراطات كتابتها.
ينقلني هذا الأمر إلى أن القصة القصيرة هذا الفن الذي يرى بعض النقاد اقتراب زواله لا تزال حاضرة – وإن هجرها شداتها- ليس هذا فحسب بل إن أصول الفن وتقنياته هي أكثر إلزامية واحترافية مما نراه في كتابة الرواية أو قل على الأقل في النتاج الذي بين أيدينا، وأنها كما صرح الدكتور الطاهر مكي في إحدى محاضراته عن القصة القصيرة أصعب عملا وجهدا من كتابة الرواية إذا ما التزم الفنان بالعمل على نقلها من مجرد حكاية إلى صراع متعدد ميدانه وحدات الزمان والمكان والحدث، مشيرا إلى أن الرواية حكاية طويلة متشعبة الحدث والمسارات، وبالعودة إلى الفن التشكيلي هناك ما يسمى بـالمصغرات وهي لوحات صغيرة المساحة تقترب من مساحة اليد الواحدة تحمل موضوعات يمكن وصفها باللقطات الحادة وبمقارنة يسيرة بينها وبين الفعل السردي أجدها أشبه ما تكون بالقصة القصيرة جدا إذ تعتمد الومضة الفنية والالتقاطة السريعة المؤثرة والموضوع الممتد.
وعلى هذا أذهب إلى أن للقصة القصيرة عودة حميدة إلى المشهد؛ لأنها الأكثر احترافية واشتغالا ومواكبة للتسارع الزمني الذي نعيشه، فمجموعة قصصية رصينة تكثف المشهد من حولك وتومئ إلى الموضوع باحترافية خير من رواية – وليس كل الروايات كذلك- تجدف بك في أمواج متلاطمة من الأحداث والشخوص والأزمنة حتى إذا أجهدك التجوال خرجت كما ولجت عدا بعض الهمهمات التي لا تزال تدوي في رأسك جراء ملاحقة الصور والربط بينها.
القصة القصيرة محك ومختبر للكاتب، والرواية تأتي تباعا فالقاص الجيد يملك أدوات الاشتغال على الرواية، فيما ليس لكاتب استهل نشاطه بكتابة رواية – ليركب الموجة – أن يكتب قصة فنية واحدة تتوافر فيها المقومات والاشتراطات بعضها أو جلها وإن اجتهد.