نجران: صالح آل صوان

فيما انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أخيرا، الكثير من مقاطع الفيديو لبعض يهود اليمن الذين هاجروا إلى إسرائيل خاصة يهود صعدة، وجهوا من خلالها رسائل الشوق لمسقط الرأس. وأكد محافظ صعدة الشيخ هادي بن طرشان أن الطائفة اليهودية شاركت بفاعلية في الحوار الوطني اليمني، وأن حاخام صعدة أكثر وطنية من زعيم ميليشيا التمرد الإيرانية عبدالملك الحوثي.

الحنين إلى الوطن

«نتمنى العودة إلى اليمن حتى نقتل الحوثي»، بهذه الجملة بدأ أحد اليهود اليمنيين من وسط تل أبيب كلامه عن الشوق والحنين إلى وطنه الأم، فيما قال آخر وهو يمضغ مادة القات مع عدد من اليهود اليمنيين ويستمعون إلى الفنان اليمني فؤاد الكبسي داخل إسرائيل: إن حبنا لليمن وأهله لا يغيره زمان أو مكان. وتحدث يهودي يمني في مقطع جديد عن المضايقات التي كانوا يتعرضون لها، ومن أهمها عدم تدريس كتاب التوراة في مدارس التعليم العام بمحافظات ومديريات اليمن، كما وجه رجل مسن سلامه إلى كل أبناء وطنه في اليمن، وذكر القرى التي عاش فيها وتعامل مع أهلها مثل صعدة وحرف سفيان وريدة، مقدما التهنئة لهم بقرب حلول شهر رمضان.

مخلصون لليمن

أوضح محافظ صعدة الشيخ هادي بن طرشان الوايلي في تصريح إلى «الوطن» أن يهود آل سالم كانوا لعدة عقود، يعيشون في أمن وسلم وسلام واحترام للقانون والدستور اليمني، وقال: الحقيقة أن يهود آل سالم كانوا يتواجدون في قرية آل سالم ومدينة صعدة القديمة، يمارسون عباداتهم وطقوسهم الدينية بكل يسر وسهولة، حتى مارس معهم الحوثيون أسوأ أساليب التعامل غير الإنساني، من خلال تضييق الخناق عليهم واقتحام منازلهم دون مبرر وفرض الجزية المالية عليهم بمبالغ طائلة لم يكن في وسعهم سدادها، نظرا لحالتهم المادية المتردية. وأوضح الوايلي بالقول: لا أخفي سرا أن يهود صعدة كانوا مخلصين لليمن والدولة ووطنيين أكثر من الحوثيين أنفسهم، الذين ضربوا أبشع صور الكراهية وعدم تطبيق ما نص عليه القرآن والأحاديث النبوية التي تنص على احترام أهل الذمة وكافة الأديان السماوية.

يهود صعدة

إذا كانت «قاع صنعاء» و»ريدة»، قد شكلت تجمعات يهودية كبيرة خلال النصف الأخير من القرن العشرين، كقاعدة لليهود في اليمن، فإن محافظة صعدة قد مثلت ثالث أكبر هذه التجمعات التي اتخذت من المدينة والهجر في حيدان، وعدد من قرى سحار مثل سبهلة المهاذر والصحن وغراز، إضافة إلى مناطق شعبان وآل علي في رازح، وبعض مناطق ساقين وآل سالم، كمناطق تكتلات كبيرة يمارسون فيها طقوسهم الدينية المختلفة. وكفلت لهم حكومة الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح كامل حقوقهم القانونية والحياة الكريمة حتى سيطر الحوثيون على كامل محافظة صعدة ومديرياتها من الجبل إلى السهل والوادي لتبدأ بعدها معاناة يهود صعدة، حيث مارست الميليشيات الإيرانية المتمردة أقسى ألوان التنكيل والقهر والعذاب.

أعمالهم المهنية

اتخذ يهود صعدة من الأعمال المهنية حرفا لهم لتحقيق العوائد المادية اليسيرة التي تؤمن لهم أبسط مقومات المعيشة والمأكل والمشرب والملبس لهم ولأسرهم، وفي مقدمتها صناعة الفضة، وصناعة الثياب المصنوعة من الفراء، ودباغة الجلود، وصناعة السجاد والأحذية، فقد كان اليهود رواد تلك الحرف في عموم اليمن.

صناعة الحلي

تميز يهود صعدة في صناعة الحلي من الفضة، مثل الخواتم والحلق والمكاحل والمباسم التي كانوا يبيعونها في دكاكين خاصة بهم بمدخل مدينة صعدة القديمة عند باب اليمن لتكون هذه المهنة آخر الحرف التي عمل بها اليهود قبل هجرتهم بصفة نهائية إلى إسرائيل عام 2016 نتيجة الانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون، عندها حمل هؤلاء الفارين من البطش معهم فنون وخبرة صناعة الحلي ومطابع الفضة إلى موطنهم الجديد إسرائيل، مخلفين وراءهم العديد من المصنوعات والتحف الفضية والحلي التي كان أهالي المحافظة يعتمدون عليها في تزيين النساء قبل أن تحل المصنوعات الذهبية بدلا عنها.

مشاركتهم في الحوار

كشف طرشان أن يهود اليمن ومنهم يهود صعدة شاركوا بصفة مباشرة في مؤتمر الحوار الوطني 2014، وقد طالب حينها أحد الحاخامات من الحوثيين على الأقل تطبيق شريعة النبي محمد فيهم، والتوقف عن ممارسة الانتهاكات الحيوانية بحقهم، لكنهم كعادتهم لا تلزمهم المواثيق ولا يوفون بالوعود، وتابع: التقيت عددا منهم أثناء إيوائهم من قبل حكومة الرئيس السابق علي عبدالله صالح في المدينة السياحية بجوار السفارة الأمريكية في صنعاء، وأبدى العيلوم المسؤول فيهم غضبه الشديد من تصرفات الحوثيين الهمجية.

عملية بساط الريح

يطلق عليها أيضا عملية «على جناح النسر» هي عملية تم خلالها تهجير سري نفذتها الوكالة اليهودية لترحيل نحو 49 ألف يهودي من يهود اليمن إلى إسرائيل في الفترة من يونيو 1949 إلى سبتمبر 1950، على متن طائرات أمريكية وبريطانية عبر عدن، وبلغت تكاليف هذه العملية حوالي 425 مليون دولار حيث استخدمت حينها تم طائرات نقل أمريكية وبريطانية، فيما يقارب 380 رحلة سرية من اليمن إلى إسرائيل، ولم يتم الإعلان عنها إلا بعد عدة أشهر من انتهائها.

إيران على الخط

مع سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، تفاقمت المخاطر الأمنية المحدقة باليهود اليمنيين، بعد أن صدرت الأوامر من داعم الإرهاب الأول إيران إلى ذراعه الإرهابية في اليمن جماعة الحوثيين، بأن يكون اليمن خاليا من اليهود، من خلال تضييق الخناق عليهم، خاصة المتواجدين في صعدة وعمران، ليبدأ الحوثيون في تنفيذ الحلقة الأخيرة من مخطط التهجير عبر سياسة إظهار العداء لإسرائيل في العلن وعقد الصفقات السرية مع الموساد الإسرائيلي لنقل يهود اليمن من صنعاء إلى تل أبيب. وفي عام 2016، أعلنت إسرائيل تمكنها من إخراج 17 يهوديا من اليمن ووصولهم إلى تل أبيب في عملية كشفت زيف الشعارات التي ترفعها جماعة الحوثي الإرهابية، وضلوعها بصفة مباشرة في عقد صفقة لتهجير آخر المتبقين من إحدى أقدم المجموعات اليهودية في العالم.

طرد قسري

شهد العام 2007 أول الانتهاكات العلنية من قبل الحوثيين والطرد القسري بحق يهود صعدة، عندما وزعت الميليشيات الإيرانية دون مبررات، منشورات على الأقلية اليهودية التي اتخذت قرية آل سالم مسكنا لها، وتضمنت تلك المنشورات تهديدا صريحا لحياة اليهود في تلك القرية، تطالبهم بالخروج فورا من صعدة إلى صنعاء برفقة عائلاتهم، وإلا فإنهم سيواجهون مصير القتل الجماعي. واضطر يهود آل سالم إلى الخروج مجبرين من قريتهم إلى المدينة السياحية بالعاصمة اليمنية، بناء على تدخل السفارة الأمريكية وسط استهجان واسع من قبل عدد من منظمات حقوق الإنسان، وفي يوم الثلاثاء الموافق 2010/3/30 وخلال احتفال اليهود اليمنيين بأول أيام عيد الفصح، دعا حاخام اليهود بالمدينة السياحية يحيي يوسف -وهو من اليهود المنقولين من آل سالم بصعدة- إلى ضرورة التعايش السلمي بين كافة أطياف الشعب اليمني وتغليب مصلحة الوطن فوق كل أجندة.