كانت منذ البداية جميلة، الرحلة التي لم تستغرق يومين، ولكن آخرها كان تعيسا، أول اللقاءات كان مع القامة الشامخة كشموخ أجا وسلمى، الدكتور رشيد العمرو، مدير تعليم حائل الأسبق، الشخصية اللطيفة، تحاورنا في صالة المطار قبل المغادرة للرياض، ودار حديثنا حول الثقافة والإبداع، واقتطعه بود الدكتور سعود النايف وكيل جامعة حائل، وعاد العمرو يوقظني ويوصيني: «العمل الإداري يسرق الإبداع فلا تجعلوه يسرق إبداعكم».
عند وصولنا إلى مطار الملك خالد تبادلنا الأماني بالتوفيق، ووجدت الشمالي المتفائل أبا فواز «خلف القيران»، قدم للتو من عرعر ممتشقا كل الأسئلة التي قد يجد لها إجابات على مسرح مركز الملك فهد الثقافي.
طال انتظارنا في بهو الفندق للحصول على غرفة، ولكن «مهند» قطع الانتظار وأعطانا الضوء الأخضر لنحط رحلنا ونرتاح قليلا قبل معاودة الركض بين الوجوه، ومحاولة كسب الزمن الذي يتسرب كماء منهمر.
كان «داهية» القصيم أبو منصور «سليمان الفايز»، من أول الذين التقيهم بعد غياب نيف من السنين، عرفني على محمد الهويمل، وبدأت قصص المسرح السعودي المناضل، أو المسرح الأعور والأعرج برواية الهويمل الذي واجه ناقدا قبل سنوات وصف المسرح السعودي بالأعرج لغياب المرأة، والأعور لغياب الموسيقى، وانضم إلى الحوار المخرج والمؤرخ المسرحي على السعيد الذي كان يتحدث عن قناته على يوتيوب «شماريخ»، وقبل توجهنا إلى حافلة موكل لها نقلنا إلى مركز الملك فهد الثقافي، بدأت رحلة البحث في الوجوه، من لم يحضر..؟ كلهم حضروا: فهد ردة، و«اللا مسرحي» نايف البقمي، ماجد ناشيء، فيصل الخديدي، إبراهيم الحارثي، عبدالعزيز عسيري، محمد آل صبيح، على كزمان، أحمد السروي.. وكثير وكثير. إنها ليلة أصدقاء الأمل والجهاد.
عندما «امتطينا» الحافلة وجدت مقعدا شاغرا بجانب المخرج أحمد الأحمري، ففضلت الجلوس جواره، سمعته يتحدث عن «مدحت» فسألت.. الكاشف؟ ووجدت تاريخا يعود إلى 12عاما، عندما جاء في «أدبي حائل» ليقدم دورة في فنون المسرح، تعانقنا وعاصفة الذكريات تحيط بنا، وعدنا نمجد اللحظات والحدث الذي يجمعنا. كنا في الطريق ولا أحد يعرف ماذا تخبئ لنا وزارة الثقافة التي تستضيفنا لتعلن عن انطلاق المسرح الوطني.
كان في استقبالنا مهندس الثقافة وخبيرها سلطان البازعي، ومعه رئيس المسرح الوطني عبدالعزيز السماعيل، وبدأت تهطل وجوه أخرى كأنها جرعة نشوة لانتصار تحقق للتو، محمد التونسي، حبيب الحبيب، بشير الغنيم، محمد الطويان، وما أجمل ذلك النحيل الذي يقف كنخلة بين الجموع منتظرا بدء «مسرحنا»، فعلي الغوينم ما زال يطل على نوافذ الأمل، متأهبا لدخول مرحلة تحقيق الأحلام، ولم يكن وحده المتعطش، بل الكل ظامئ لبداية عمل مؤسسي ينهي تهميش عجاف السنين. والكل في نفسه شيء من «إن مت فلا نزل القطر».
بدأت البشائر، وزير الثقافة يلقي كلمته، ويعد بمستقبل مبهر لـ«أبو الفنون»، ومن بعده يعزز السماعيل الآمال، ويرفع سقف التطلعات في كلمة أخرى.
الآن، تنطلق الأقلام لتكتب مع بداية أول عرض مسرحي في وزارتنا الفتية، ولك أن تأخذ من الرسائل التي تضمنها العرض ما تشاء، المسرح الأعرج الأعور تعافى، ها هي المرأة حضورها يطغى على المكان، تمثل وتغني وتتراقص، والموسيقى تجوب الآذان وتتنقل في الفضاء، كان الممثل حبيب الحبيب يجلس خلفي ومعه أحد أصدقائه، وروح الكوميديا حاضرة في تعليقاتهم، ولكن خلفهم المرعب وعريس الليلة، هالتني حالة الغضب والسخط التي كان يبدو عليها صراخه، لولا الموسيقى الصاخبة لكان صراخه مسرحية أخرى، أخطأ أحد فنيي الإضاءة، وجاء مخرج العرض فطيس بقنه مزمجرا كبحر هائج، فالليلة لا تحتمل الأخطاء، كنت سعيدا وأنا أراه يحترق غضبا، فالعمل الذي تجري أحداثه على خشبة المسرح يحتاج إلى رجل دقيق بارع، وكان هو.
بعد العرض مباشرة، تسللت مع محمد عابس، فالحافلة سيطول سيرها، وقادنا إلى الفندق الذي كان ممتلئا بالشكوى من العرض المسرحي، في كل مائدة طعام كنت أجد من ينتقد العرض، وهذا أمر طبيعي من وجهة نظري، فالمسرحيون يحتاجون إلى زمن حتى يتقبلوا من يختلف عنهم وعن طرحهم، ومن يدخل في عرينهم لن يعود سالما. الجدل الكبير حول المسرحية كنت أراه نجاحا رغم كل الآراء التي قيلت، وعندما ظفرت بلحظات مع مخرج العرض «بقنة»، نقلت له استمتاعي بالعرض وبعضا من النقد الموجه إليه.
فكثير رأى أن مشاهد التشفي التي تضمنها العرض لم تكن في سياقها، ولا تتناسب مع المرحلة، وأن على المسرح أن يكون متسامحا لا مثيرا للتشفي، وكأنه ينقل حقدا دفينا، وكان لبقنة رأيه وتبريره المعقول.
وجدت على طاولة العشاء عتاولة الإخراج والفن، الكل يشتكي من تسرع الشباب وحبهم للظهور قبل تعلم مبادئ التمثيل، ويبدو أنهم نسوا أن لروح الشباب جموح وطموح صعب لجامه، تناقشوا كثيرا عن الشروط الجديدة للأعمال الفنية التي تفرضها الجهات المعنية بإنتاج الأعمال الفنية، واشتكوا دون أن يبحثوا عن حل لشكواهم. عندما جهزت حقيبتي للعودة، وجدت شابا يبتسم في وجهي، عرفت أنه لديه ما يقوله، سلّمت عليه وشكرته على حسن التنظيم والضيافة، فجاء منسكبا بحديث القلب للقلب. هل تعلم يا أستاذ أنني أحببتك، تعاملك جميل واسمك يشبه اسم جدي، قلت له مستحضرا شطر بيت لفهد عافت «على اسم جدي والأسامي وصايا» ومضيت.
في المقعد الأمامي في الطائرة، وأنا استعد لربط الحزام، طلب مني شاب حاسر الرأس جلس جواري، أن يتصل من هاتفي بأخيه ليستقبله في مطار حائل، وبدأ يتحدث دون أن أسأله: «منحونا إجازة أسبوع كامل، وكان من المستحيل منح الطلاب المتدربين في القطاعات العسكرية إجازة أثناء الدورة، ولكن مرضا معديا انتشر، ورأوا أن بقاء الطلاب قد يسهم في زيادة المعرض، إنه مرض بسيط «العنقز»، وبسببه ها أنا عائد إلى أهلي.
كان بين كل جملة وأخرى يسعل، وحين أدرك أنني خفت من انتقال العدوى، قال: المرض في الكتيبة الثانية ونحن في الثالثة، لم يصب أحد به، وظل يسعل ولم أجد أمامي إلا أن أحضر له مناديل، وحاولت تجنب تنفس الهواء رغم قصر المسافة بيننا، كنت أفكر في أطفالي، ما ذنبهم لأنقل لهم «الجدري المائي»، رغم أنه من أسهل الأمراض المعدية علاجا؟ ولكنني قلقت، وعندما هبطت الطائرة كنت أتشوق إلى تنفس الهواء النقي وكتابة هذه الأحداث، أما «العنقز» فالله أعلم.
عند وصولنا إلى مطار الملك خالد تبادلنا الأماني بالتوفيق، ووجدت الشمالي المتفائل أبا فواز «خلف القيران»، قدم للتو من عرعر ممتشقا كل الأسئلة التي قد يجد لها إجابات على مسرح مركز الملك فهد الثقافي.
طال انتظارنا في بهو الفندق للحصول على غرفة، ولكن «مهند» قطع الانتظار وأعطانا الضوء الأخضر لنحط رحلنا ونرتاح قليلا قبل معاودة الركض بين الوجوه، ومحاولة كسب الزمن الذي يتسرب كماء منهمر.
كان «داهية» القصيم أبو منصور «سليمان الفايز»، من أول الذين التقيهم بعد غياب نيف من السنين، عرفني على محمد الهويمل، وبدأت قصص المسرح السعودي المناضل، أو المسرح الأعور والأعرج برواية الهويمل الذي واجه ناقدا قبل سنوات وصف المسرح السعودي بالأعرج لغياب المرأة، والأعور لغياب الموسيقى، وانضم إلى الحوار المخرج والمؤرخ المسرحي على السعيد الذي كان يتحدث عن قناته على يوتيوب «شماريخ»، وقبل توجهنا إلى حافلة موكل لها نقلنا إلى مركز الملك فهد الثقافي، بدأت رحلة البحث في الوجوه، من لم يحضر..؟ كلهم حضروا: فهد ردة، و«اللا مسرحي» نايف البقمي، ماجد ناشيء، فيصل الخديدي، إبراهيم الحارثي، عبدالعزيز عسيري، محمد آل صبيح، على كزمان، أحمد السروي.. وكثير وكثير. إنها ليلة أصدقاء الأمل والجهاد.
عندما «امتطينا» الحافلة وجدت مقعدا شاغرا بجانب المخرج أحمد الأحمري، ففضلت الجلوس جواره، سمعته يتحدث عن «مدحت» فسألت.. الكاشف؟ ووجدت تاريخا يعود إلى 12عاما، عندما جاء في «أدبي حائل» ليقدم دورة في فنون المسرح، تعانقنا وعاصفة الذكريات تحيط بنا، وعدنا نمجد اللحظات والحدث الذي يجمعنا. كنا في الطريق ولا أحد يعرف ماذا تخبئ لنا وزارة الثقافة التي تستضيفنا لتعلن عن انطلاق المسرح الوطني.
كان في استقبالنا مهندس الثقافة وخبيرها سلطان البازعي، ومعه رئيس المسرح الوطني عبدالعزيز السماعيل، وبدأت تهطل وجوه أخرى كأنها جرعة نشوة لانتصار تحقق للتو، محمد التونسي، حبيب الحبيب، بشير الغنيم، محمد الطويان، وما أجمل ذلك النحيل الذي يقف كنخلة بين الجموع منتظرا بدء «مسرحنا»، فعلي الغوينم ما زال يطل على نوافذ الأمل، متأهبا لدخول مرحلة تحقيق الأحلام، ولم يكن وحده المتعطش، بل الكل ظامئ لبداية عمل مؤسسي ينهي تهميش عجاف السنين. والكل في نفسه شيء من «إن مت فلا نزل القطر».
بدأت البشائر، وزير الثقافة يلقي كلمته، ويعد بمستقبل مبهر لـ«أبو الفنون»، ومن بعده يعزز السماعيل الآمال، ويرفع سقف التطلعات في كلمة أخرى.
الآن، تنطلق الأقلام لتكتب مع بداية أول عرض مسرحي في وزارتنا الفتية، ولك أن تأخذ من الرسائل التي تضمنها العرض ما تشاء، المسرح الأعرج الأعور تعافى، ها هي المرأة حضورها يطغى على المكان، تمثل وتغني وتتراقص، والموسيقى تجوب الآذان وتتنقل في الفضاء، كان الممثل حبيب الحبيب يجلس خلفي ومعه أحد أصدقائه، وروح الكوميديا حاضرة في تعليقاتهم، ولكن خلفهم المرعب وعريس الليلة، هالتني حالة الغضب والسخط التي كان يبدو عليها صراخه، لولا الموسيقى الصاخبة لكان صراخه مسرحية أخرى، أخطأ أحد فنيي الإضاءة، وجاء مخرج العرض فطيس بقنه مزمجرا كبحر هائج، فالليلة لا تحتمل الأخطاء، كنت سعيدا وأنا أراه يحترق غضبا، فالعمل الذي تجري أحداثه على خشبة المسرح يحتاج إلى رجل دقيق بارع، وكان هو.
بعد العرض مباشرة، تسللت مع محمد عابس، فالحافلة سيطول سيرها، وقادنا إلى الفندق الذي كان ممتلئا بالشكوى من العرض المسرحي، في كل مائدة طعام كنت أجد من ينتقد العرض، وهذا أمر طبيعي من وجهة نظري، فالمسرحيون يحتاجون إلى زمن حتى يتقبلوا من يختلف عنهم وعن طرحهم، ومن يدخل في عرينهم لن يعود سالما. الجدل الكبير حول المسرحية كنت أراه نجاحا رغم كل الآراء التي قيلت، وعندما ظفرت بلحظات مع مخرج العرض «بقنة»، نقلت له استمتاعي بالعرض وبعضا من النقد الموجه إليه.
فكثير رأى أن مشاهد التشفي التي تضمنها العرض لم تكن في سياقها، ولا تتناسب مع المرحلة، وأن على المسرح أن يكون متسامحا لا مثيرا للتشفي، وكأنه ينقل حقدا دفينا، وكان لبقنة رأيه وتبريره المعقول.
وجدت على طاولة العشاء عتاولة الإخراج والفن، الكل يشتكي من تسرع الشباب وحبهم للظهور قبل تعلم مبادئ التمثيل، ويبدو أنهم نسوا أن لروح الشباب جموح وطموح صعب لجامه، تناقشوا كثيرا عن الشروط الجديدة للأعمال الفنية التي تفرضها الجهات المعنية بإنتاج الأعمال الفنية، واشتكوا دون أن يبحثوا عن حل لشكواهم. عندما جهزت حقيبتي للعودة، وجدت شابا يبتسم في وجهي، عرفت أنه لديه ما يقوله، سلّمت عليه وشكرته على حسن التنظيم والضيافة، فجاء منسكبا بحديث القلب للقلب. هل تعلم يا أستاذ أنني أحببتك، تعاملك جميل واسمك يشبه اسم جدي، قلت له مستحضرا شطر بيت لفهد عافت «على اسم جدي والأسامي وصايا» ومضيت.
في المقعد الأمامي في الطائرة، وأنا استعد لربط الحزام، طلب مني شاب حاسر الرأس جلس جواري، أن يتصل من هاتفي بأخيه ليستقبله في مطار حائل، وبدأ يتحدث دون أن أسأله: «منحونا إجازة أسبوع كامل، وكان من المستحيل منح الطلاب المتدربين في القطاعات العسكرية إجازة أثناء الدورة، ولكن مرضا معديا انتشر، ورأوا أن بقاء الطلاب قد يسهم في زيادة المعرض، إنه مرض بسيط «العنقز»، وبسببه ها أنا عائد إلى أهلي.
كان بين كل جملة وأخرى يسعل، وحين أدرك أنني خفت من انتقال العدوى، قال: المرض في الكتيبة الثانية ونحن في الثالثة، لم يصب أحد به، وظل يسعل ولم أجد أمامي إلا أن أحضر له مناديل، وحاولت تجنب تنفس الهواء رغم قصر المسافة بيننا، كنت أفكر في أطفالي، ما ذنبهم لأنقل لهم «الجدري المائي»، رغم أنه من أسهل الأمراض المعدية علاجا؟ ولكنني قلقت، وعندما هبطت الطائرة كنت أتشوق إلى تنفس الهواء النقي وكتابة هذه الأحداث، أما «العنقز» فالله أعلم.