بغض النظر عن صحة أو عدم صحة جملة مفيش فايدة التي يقال إن الزعيم المصري سعد زغلول أطلقها بعد أن يئس من التغيير ومن ثم دأبت فلول الأنظمة المتعاقبة منذ 1919 على ترديدها لإضعاف ثقة الشعوب في قدراتها، إلا أن صورة العالم العربي اليوم قد تغيرت بصورة لافتة للانتباه. وأول ملامح هذه الصورة، إيمان هذه الشعوب بقدرتها على التغيير وعلى ترحيل أنظمة الاستبداد التي تقتل شعوبها.
فقد أفرز الربيع العربي ثلاثة عوامل فرضها على قواعد التغيير، وهي نمو ظاهرة الشباب وبزوغ مؤسسات المجتمع المدني، وفعالية شبكات التواصل الاجتماعي. وقد تكاتفت جميع هذه العوامل في إضفاء سمة (الشعبية) على المطالب بحيث أصبح من المستحيل تهميشها، خاصة بعد عدم نجاح نشر ثقافة التخويف التي يراد منها إحباط معنويات الشعوب لإجبارها على التسليم لفكرة عدم القدرة على التغيير.
وعلى غير هوى المخططين للإحباط، قدمت الشعوب العربية درسا بليغا عنوانه: عودة الثقة بالنفس. وهذا يعني أن الإنسان العربي أعاد بناء شخصيته لتكون قوية متيقنة من تحقيق الهدف. ذلك لو أن التونسيين والمصريين استسلموا للإحباط، لما تنفس الليبيون ربيع الحرية التي نذروا أرواحهم بالموت في سبيلها أو النصر لتحقيقها. ومن أجل نفس الهدف، خرج السوريون نافضين عن أنفسهم غبار أربعين عاما من حكم أقلية مستبدة انشغلت بممارسة التخويف والقمع.
واليوم، تطالعنا الساحة السورية بنقطتين مضيئتين لتأكيد عودة الثقة في العالم العربي، الأولى ازدياد أعداد الرافضين لنظام القمع السوري مع كل طلقة رصاص يطلقها شبيحة العسكر وشبيحة العصابات. والثانية القوة المتزايدة في عزيمة السوريين لمواصلة التغيير رغم تخلي المجتمع الدولي عن التدخل العسكري، إذ تظل المملكة ودول الخليج الداعم الرئيس لهم. وفي ذلك دلالة على أن الشعوب العربية قد بدأت تخرج أحسن ما عندها.