عباس العصيمي

بداية أشكر الإخوة القائمين على مراجعة لائحة الوظائف التعليمية الجديدة لأخذهم ببعض الملاحظات والمناشدات التي تطرقنا لها في مقالاتنا السابقة في تعديلاتهم الأخيرة، ومن أهمها: خفض التقديرات المطلوبة للترقية من مستوى إلى المستوى الذي يليه إلى جيد بدلا من جيد جدا، ومراعاة بعض حملة الشهادات العليا عند التسكين على الرتب، وأيضا استجابتهم لمناشدتنا بتأجيل اللائحة، لمحاولة تلافي ومعالجة بعض السلبيات الواردة فيها.

ولكن الغريب منذ صدور اللائحة، هو التركيز على تحطيم نفسية المعلم، وإشعاره بأن زملاءه الآخرين من مديرين ووكلاء، ومشرفين أفضل منه!، طبعا نقصد بالمعلم هنا معلمي المواد داخل الفصول، الذين يعدون أحد الأضلاع الثلاثة الرئيسة التي ترتكز عليها العملية التعليمية (المعلم، الطالب، المنهج).

كنت منذ البداية ضد التمييز بين شاغلي هذه الوظائف التعليمية، لأنه من خلال عملي في التعليم أكثر من أربعين عاما، أرى أن المتاعب في هذه المسميات متقاربة، وإن كانت من وجهة نظري تصب في مصلحة المعلم صاحب المواجهة المباشرة الدائمة مع الطالب، والمقيّد بمكان محدد (الفصل)، الذي يؤدي مع تقادم السنين إلى الملل والضجر، ومن لم يعش هذا التقييد، لا يدرك حجم معاناته، كما أن المعلم هو عراب العملية التعليمية، وصاحب الأثر المباشر فيها. لذا من الأولى أن يكون هو الأحق بالحوافز.

وأيضا هذه المسميات غير ثابتة، فقد يمارس المعلم مهمة الوكالة، أو الإدارة، أو الإشراف، ثم يعود أدراجه، إما مديرا، أو وكيلا، أو معلما كما بدأ، إما مكرها، أو بمحض إرادته، وهذا أمر واضح جدا لا يخفى على كل من عاصر التعليم. وقد سبق أن أبديت امتعاضي من هذه التفرقة، ولكن لم أخصها بمقال منفرد، لأن هذه المزايا التي خصصت لهؤلاء المشرفين غير ثابتة، بل عبارة عن مكافآت مقطوعة، تنتهي بانتهاء وجودهم عليها.

ولكن للأسف مع التعديلات الأخيرة أصبح من حق المشرفين المعينين قبل 19 /4 /1441 التعيين على رتبة «معلم متقدم»، وفي هذا التعديل إجحاف كبير بحق المعلمين الذين تجاوزت خدماتهم 20 عاما، وربما جاوزت الثلاثين، فلربما تكون خدمات هذا المشرف لا تتجاوز 10 سنوات، فهل رتبة «معلم متقدم» تمنح بناء على الخبرة، أو المؤهل، أو بناء على المسمى فقط!، وهنا يبدو سؤال مهم للغاية يحتاج إلى توضيح، لو تم إعادة المشرف إلى مدير، أو وكيل، أو معلم، هل يفقد رتبته الجديدة أم يبقى محتفظا بها؟.

لا ننكر دور الوكلاء، والمديرين، والمشرفين في تطوير العملية التعليمية كمنظومة، ولكننا ضد هذه التفرقة التي لا مبرر لها، والتي ربما أدت إلى تنافس غير محمود داخل المنظومة التعليمية. وربما تبدأ النزاعات والاحتجاجات بصورة واضحة فيما بينهم بعد مقالي هذا، لكي يثبت كل منهم أن مهمته هي الأصعب، وهو الأحق، وهذا ما لا أتمناه، وأرجو ألا يحدث، وربما يتهمني البعض بالتحيز.

وللمعلومية فأنا قد عملت في كل مجال أكثر من عقدين، وأدركت أن في كل مجال مزاياه ومعاناته وتأثيره، فلا يزايد أي أحد منهما على الآخر، بل المساواة بينهما هي من وجهة نظري الأمر المنصف لهم جميعا، وإن كنت أرى أن المعلم هو الأحق، ولكن منعا للتفرقة كما سبق أن ذكرت ووضحت، إلا إذا كان لدى الوزارة توجه لتحطيم شخصية المعلم ونفسيته لأسباب نجهلها، كما هو المتبادر إلى ذهني منذ أن رأيت لائحة الوظائف الجديدة، وتركيزها الدائم على استنقاص المعلم، وذلك بتفضيل غيره لتزهيده في مهنته، وكأنهم لا يعلمون أن جميع القصائد التي قيلت، قيلت في مدح المعلم، ولم أر قصيدة واحدة قيلت في مدح هؤلاء الذين فضلوهم بالمزايا.

كما أرجو أن يقتصر ترشيح المشرفين على حملة الشهادات العليا، ومن ثم أصحاب الخبرة الطويلة، فمتى ما كانت التوجيهات للمعلم من شخص يفوقه مؤهلا، أو خبرة، كلما كانت أحرى بالقبول.

وأخيرا هذه مجرد وجهة نظر فرضت علي أمانة القلم أن أكتبها بكل حيادية، وأرجو أن يؤخذ بها، إدراكا مني للضرر المتوقع منها على نفسية المعلم وعطائه، وبناء على الفترة الطويلة التي قضيتها سابقا في التعليم في كلا المجالين، وليس لدي الآن تحيز لأي منهما، بل كل ما يهمني هو خلق الجو المريح للمعلم المتفاني في عمله، وعدم إشعاره بالاستنقاص، لكي يظهر كل ما لديه من إبداع، لا سيما وأنه الشخص الوحيد من هذه المنظومة الذي يعتبر من الركائز الأساسية في عملية التعليم، وهذه هي قناعتي إذا كان تطور التعليم هو الهدف المنشود من هذه اللائحة الجديدة، أما المعلم المقصر، ففي اللائحة القديمة والجديدة ما يكفل تقويم تقصيره، وليس في مقالي هذا ما يبرر له.

همسة صادقة: الصراحة والشفافية كلاهما مر، ولكن عاقبتهما بإذن الله إلى خير وتقدم.