وصلتني رسالة تقول إن الأستاذة عزيزة المحمادي مديرة مدرسة في جدة ترقد في غيبوبة في مستشفى الجامعة في غرفة مع مرضى آخرين تسترها عنهم ستارة مهلهلة تقوم ابنتها كلما سقطت بإسنادها تحرجا من أن يرى أمها أحد، كانت الرسالة على قصرها تحمل جملا صادمة، تتساءل عن 28 عاما في خدمة التعليم! وكيف انتهت دون حتى ورقة صغيرة تحمل دعاء في الوقت الذي لو مرض موظف في وزارة أخرى لوجد غرفة خاصة وعناية طبية... إلخ!
مع إيماني بأهمية حصولنا جميعا على رعاية طبية لائقة بنا إلا أنني أردت أولا أن أعرف من هي عزيزة المحمادي، تحدثت مع صديقات يعملن مشرفات في جدة، وكلما كلمت واحدة شعرت بأنني خسرت لقاء امرأة مميزة ومديرة عظيمة، قالت لي إحداهن: إن عزيزة ربت إخوتها الأيتام، وأنفقت عليهم من عملها الذي تفانت فيه حتى إنها لم تكن تغادر المدرسة قبل أن يؤذن العصر، وقالت أخرى: إنها استطاعت أن تصنع من مبان مستأجرة تنقلت فيها مدرستها بيئة تعليمية جيدة نسبيا وذلك من راتبها في أكثر الأحيان، ثم تحدثت مع صاحبة الرسالة فأخبرتني بما قدره الله عليها، وكيف صارت ضحية نقل دم وتجاهل لعمر قضته في التعليم، فأرسلت للأستاذ عبدالله الثقفي، وهو عادة يهتم بكل قضية يُبلغ بها، وربما من المناسب أن أذكر أن طفلي مريم اللذين سبق أن كتبت عنهما تم حل مسألة غيابهما عن الفصل الأول ووضع لهما برنامج خاص للتقوية من قبل الأساتذة في مدرستهما بتوجيه من إدارة تعليم جدة، ليرد الأستاذ عبدالله الثقفي مبديا انزعاجه من هذا التجاهل اللا إنساني ووعده بتصحيح ما حدث بقدر طاقة وقدرة إدارته، وفي اليوم التالي تلقيت عدة اتصالات من قسم البنات أحدها من قيادي فيها قال لي: أستاذة عزة، ما الذي تقترحين أن نفعل؟ لقد كان سؤال الرجل منطقيا، هل من صلاحيات إدارة تعليم جدة بناء مستشفى مثلا للمعلمين والمعلمات والمديرين والمديرات؟ أو نقل الأستاذة عزيزة لمستشفى التخصصي مثلا؟ إن أقصى ما يستطيعونه هو زيارة من العلاقات حاملين معهم مصحفا أو باقة ورد مثلا، سافرت وبقيت عزيزة في ذاكرتي أدعو لها بين الحين والآخر، حتى وجدتني يوما أتصل بالشاكية لتقول بعد تأوه: عزيزة توفيت!
شعرت بحزن شديد عليها، ووددت لو أخبر بناتها أن تاريخها في خدمة التعليم سيبقى في قلوب تلميذاتها.
في إحدى الدول طالب القضاة بمساواتهم بالمعلمين في الرواتب فردت الحكومة هل من المنطق أن نساويكم بمعلميكم؟
إلى متى سيظل المعلمون والمعلمات من بين معظم الموظفين بلا مستشفيات أو تأمين طبي يضمن لهم رعاية تليق بمربي كل السعوديين ومعلميهم؟
إن الأداء المتميز مرتبط بالرضا الوظيفي للمعلم، وما دام المعلم يشعر بأنه مهمش وغير مقدر من بين كل الموظفين فإنك لا تضمن عطاءه، وستظل قصص مثل قصة عزيزة تشعره بأنه آخر اهتمامات هذه الوزارة، فلِمَ يُعطيها كله وهي لا تعطيه بعضها حتى؟!