ـ 1 ـ
على الرغم من اشتغال كثير من النقاد على مصطلحي الرؤية والرؤيا في الدراسات النقدية إلا أن المسألة ظلت نخبوية، ولعل سبب ذلك دخولهم في التراكيب اللغوية الخاصة التي يتطلبها النقد، ما جعل المتلقي العادي يكتفي بالنص الذي يستشف بفطرته ما هو موجود بين مفرداته. وتبقى الرؤيا النابعة من حالة الحلم بالمستقبل، مع الرؤية الواقعية البصرية المنطلقة مما هو كائن، من الأمور الملتصقة بالإنسان أينما كان.
ـ 2 ـ
اتّكأ أتباع المدرسة السريالية في الكتابة الأدبية منذ نشأتها بدايات القرن العشرين على الحلم في حالة من اللاوعي المتداخل مع العقل الباطن فأنتجوا نصوصا غريبة لم يتقبلها معظم الناس آنذاك وما زالت المجتمعات لا تستسيغ الكتابة السريالية، فالتصوير غير الواقعي وإطلاق الخيال وتكريس الأحلام اعتمادا على نظريات فرويد لم تكن في حالتها الأدبية متوهجة كما في حالتها الفنية التشكيلية، فـأندريه بريتون وصحبه لم يحققوا المنجز أدبيا، فيما كان وجود مبدع مثل الإسباني الراحل سلفادور دالي من أهم عوامل الانتشار الفني للسريالية. فالرسم يعتمد على التكوينات الجمالية التي وإن كانت مبهمة إلا أن البصر يتقبل تجانس ألوانها ولمسات الريشة فيها، فتنتقل الحالة إلى الذهن ليفكر ويخترق الحلم.
ـ 3 ـ
قبل ذلك، لم تغب الأحلام عن علماء ومفكري العرب والمسلمين، وأصدروا كتبهم التي لا تبدأ بتفسير الأحلام لمحمد بن سيرين ولا تنتهي بما أنجزه ابن خلدون الذي ذهب إلى تحليل الأحلام انطلاقا من أسبابها ومصادرها، مؤسسا منهجا للمراحل اللاحقة.
ـ 4 ـ
أما في الألف الثالثة قبل الميلاد، وقتَ نقش مبدعٌ سومري ملحمة هي الأجمل في التاريخ، فإن جلجامش انطلق مع صديقه أنكيدو في رحلة لمواجهة الوحش خمبابا في غابة الرز، فانتابت جلجامش كوابيس وأحلام عدة أثارت الهلع في قلب أنكيدو، إلا أنه أخفى ما يعتريه عن صديقه مؤكدا له أن معاني النصر كامنة في أحلامه.
ـ 5 ـ
ولأن الحلم جزء من تكوين الإنسان فهو حين يعجز عن تحقيق حلمه في الواقع، يلجأ إلى أحلام اليقظة، فربما تنتعش أعماقه قليلا وإن كان بعالم الخيال.
ـ 6 ـ
الكابوس في اللغة هو الحلم المزعج، وهو الجُثام والجاثوم الذي يجثم على الإنسان وهو نائم.
ـ 7 ـ
ثمة أنظمة قمعية جثمت كالكوابيس عقودا على صدور شعوبها، أما الشعوب الثائرة فلن تهدأ حتى تنجز حلم الحرية وتحقق رؤياها.