فتح سماسرة ومجهولون باب الهروب أمام العاملات المنزليات، مع اقتراب رمضان، بمغريات الرواتب العالية في ظل أزمة الاستقدام التي بدأت أخيرا.
وتزايدت مخـاوف عائـلات عـدة في مناطـق المملكـة من وصول هذه العروض خلسة إلى عاملاتهـن، الأمر الذي اسـتـعد له البعض بكامـيرات المراقبة وتشديد المتابعة خشية تسرب من يحملن تعب المطابـخ أيـام الصـوم.
وكشف مدير مركز رعاية شؤون الخادمات بالرياض طارق الزهراني أمس لـالوطن أن المركز سجل في رجب الماضي 570 عاملة هاربة، وهو رقم مرشح للارتفاع في الأيام المقبلة.
أما في جدة فبدا جوني وهو سمسار يتخذ من منفذ لبيع الخضراوات في جدة مقرا له، مستعدا لتأمين رواتب شهرية لمن يلجأن إليه من العاملات، تصل إلى 1700 ريال شهريا، أو 150 ريالا في الساعة.
خلف بوابة مركز رعاية شؤون الخادمات الواقع بالقرب من الطريق الدائري شمال الرياض، لن يخرج المشهد عن مجموعة من الخادمات اللاتي يجلسن بجوار أمتعتهن والحيرة بادية على وجوههن، وأخريات لم يجدن مكاناً فلجأن لتوسد حقائب السفر بانتظار إنهاء إجراءاتهن، بينما يقف رب أسرة أمام الواجهة الزجاجية التي يجلس خلفها أحد الموظفين لمتابعة معاملته.
وأمام المركز تقف سيارات الجوازات والشرطة، التي تأتي يومياً حاملة على متنها عشرات العاملات المنزليات المحملات بالقصص والروايات التي دفعتهن للهروب من مخدوميهن. وفي الدور العلوي للمركز، تجتمع عاملات منزليات من جنسيات متعددة بأعداد تقدر بالمئات، خلف الجدران بانتظار مصيرهن.. بوابة السفر، أو منزل رب العمل مرة أخرى.
أسباب الهروب
وتختلف دوافع العاملات للهروب، وفقاً لأسباب اجتماعية ونفسية وأخرى اقتصادية، وفي معظم الحالات التي سجلها المركز، حسب حديث مديره طارق الزهراني إلى الوطن: الرغبة في العودة إلى بلادها والشوق إلى أهلها بعد قضائها فترة زمنية قصيرة، بينما يشكل إجبار الخادمة من قبل أسرتها على القدوم والعمل رغما عنها دافعاً آخر، بجانب اختلاف العادات والتقاليد، ومنها إرغام الكفيل للخادمة على ارتداء لبس معين أو ارتداء النقاب أو الحجاب. وتزداد دوافع الهروب عند حرمان العاملة المنزلية من التواصل مع أفراد أسرتها، أو منعها من قضاء إجازتها الأسبوعية، إضافة إلى سوء المعاملة، وبحث العاملات عن مكان آخر للعمل بطريقة مخالفة بغرض الحصول على مرتب أعلى. ويشير مدير مركز الرعاية إلى مسببات أخرى للهروب بقوله هناك حالات يكون للسماسرة فيها دور رئيسي في هروب الخادمات، بحيث يتفقون فيما بينهم على الهروب من الكفيل بعد قضاء فترة زمنية قصيرة لديه، والانتقال لعمل آخر بطريقة غير نظامية مقابل عمولة معينة. وتتكرر العملية أكثر من مرة بهدف الحصول على عمولة أعلى.
المركز والجهات المساندة
ويعمل مركز رعاية شؤون الخادمات بالرياض التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع عدة جهات مساندة تتمثل في شرطة وجوازات منطقة الرياض وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويتمثل دور الشرطة في البحث عن كفلاء الخادمات وتطبيق التعليمات الخاصة بإلزامهم بتسديد ما عليهم من مستحقات، في حين تقدم الجوازات خدماتها المرتبطة بتطبيق البصمة على الخادمات عبر المكتب التنسيقي التابع لها بمقر المركز. من جانبها، يقتصر عمل الهيئة على مرافقة بعض الحالات التي تتطلب مراجعة جهات خارج المركز، مثل حالات تحويل المبالغ لبلد الخادمة، ولا يسمح بخروج أي خادمة إلا بوجود الهيئة ومندوب الشرطة والشؤون الاجتماعية.
تصنيف الخادمات
ويستقبل المركز بشكل يومي العاملات المحالات من سفارات بلادهن، والمقبوض عليهن من قبل الجهات الأمنية، إضافة إلى الخادمات اللاتي يمكثن في المطار لأكثر من 12 ساعة دون أن يستلمهن الكفلاء، وفي حالات أخرى يأتي بعض الكفلاء بالخادمات للمركز بعد عمل المخالصة النهائية وتسليم المستحقات لهن لحين انتهاء الإجراءات النظامية لسفر الخادمة رغبة منهم في عدم بقائهن في منازلهم خلال هذه الفترة.
إجراءات الاستلام
وتتطلب إجراءات استلام المركز للهاربات وجود محضر تحقيق أولي من مركز الشرطة، يتضمن معلومات الكفيل وبيانات الاتصال إن وجدت، إضافة إلى تقرير طبي يفيد بعدم تعرض الخادمة للاعتداء وخلوها من الأمراض المعدية، وفي حالة اكتشاف وجود أمراض تُعاد إما لمندوب السفارة أو للكفيل. وأوضح مدير المركز طارق الزهراني أن هناك بعض الحالات التي تأتي فيها الخادمة للمركز بمفردها، لكن المركز في هذه الحالة لا يستقبلها، ويسلمها لمندوب السفارة التي تنتمي إليها.
ويعمل المركز بعد استلام الخادمات الهاربات على البحث عن الكفلاء عبر المكتب الأمني بالمركز التابع لشرطة الرياض. وفي حالة الوصول للكفيل وعدم التزامه بدفع المستحقات أو مماطلته تتخذ بحقه الإجراءات التي نص عليها تعميم وزارة الداخلية، وتتضمن المنع من الاستقدام لفترة تصل إلى 3 سنوات، وتعليق سجله في الحاسب الآلي المتعلق بالاستقدام لحين سداد ما في ذمته أو يعمم عليه جنائيا.
وفيما يختص بالخادمات الرافضات للعمل، يحضر الكفيل الخادمة، بعد استيفاء كامل شروط المخالصة، التي تتضمن خطاب رفض العمل وورقة المخالصة وتذكرة سفر. وإذا اتضح للمركز تعرض الخادمة لاعتداء أو إصابتها بمرض، يطلب من الكفيل تحويلها إلى أحد المستشفيات المعتمدة، وإحضار تقرير طبي.
وحول مدى تعاون الكفلاء أشار الزهراني إلى أن البعض يتجاوب ويبادر لإنهاء الإجراءات المتعلقة بخادمته ويسلم مستحقاتها، في حين يماطل البعض الآخر، ويتأخر لفترات طويلة عن سداد المستحقات، ويتعذر بعدم قدرته على السداد، مما يطيل فترة بقاء الخادمة.
أبرز المعوقات
وعن المعوقات التي يواجهها المركز لفت الزهراني إلى أن أبرزها يتمثل في عدم حمل الخادمات الهاربات في معظم الأحيان أية أوراق ثبوتية، إضافة إلى عدم معرفتهن بأية بيانات تقود إلى الكفيل، مثل اسمه الكامل أو عنوانه أو رقم الاتصال به، وأضاف ما يزيد الأمر سوءاً الخادمات اللائي لم يطبق عليهن نظام البصمة، إما لوصولهن قبل تطبيق النظام، أو تجاوز الإجراءات النظامية، مضيفاً أن المشكلة الأخرى تكمن في أن بعض الخادمات تعمد إلى تغيير اسمها مما يجعل الوصول إلى كفيلها أمراً أشبه بالمستحيل، نظراً لعدم تطابق الاسم مع الموجود في بلاغ الهروب.
وتابع الزهراني نتيجة لذلك، عملنا على توعية الكفلاء بضرورة البصمة، ووضعنا ملصقات على الجوازات تبين أهميتها، وفائدتها الأمنية، بخلاف عدد من وسائل التوعية الأخرى. وأضاف إن إشكالية اللغة تعد إحدى المعوقات التي تصادف بعض الحالات في المركز، حيث لا تستطيع الخادمة التعبير عن مشكلتها بشكل جيد، ولعلاج الإشكالية وفرنا مترجمين لبعض الجنسيات، إضافة إلى الاستعانة بمندوبي السفارات.
خادمات المطار
وحول الإجراءات التي يتبعها المركز فيما يتعلق بخادمات المطار، بين الزهراني أن الخادمة التي تتجاوز فترة بقائها في المطار المدة النظامية وهي 12 ساعة، دون أن يستلمها كفيلها تحال من قبل الجوازات إلى المركز، وبدورنا نبلغ الكفيل عن وجود الخادمة، وفي حال مرور 30 يوماً دون تسلمها، يحق للمركز نقل كفالتها لشخص آخر، وحفظ مبلغ نقل الكفالة ليسلم للكفيل السابق عند مراجعته.
وحول أسباب تأخر الكفلاء في استلام خادمات المطار، قال الزهراني إما لعدم استطاعة المكتب الوصول للكفيل وإبلاغه، أو وفاة الكفيل وتأخر إجراءات حصر الميراث.
نظام الإعارة
وحول إلغاء نظام الإعارة، أشار الزهراني إلى أن الهدف الرئيسي للنظام كان لتوفير قيمة تذكرة الخروج للخادمة غير معلومة الكفيل حتى لا تطول فترة بقائها في المركز، وعلاجاً لمشكلة التكدس، وكانت تستفيد منه بعض العائلات المحتاجة للعمالة المنزلية، وفق شروط معينة.
وأضاف شُكلت لجنة لإعادة صياغة آلية نظام الإعارة، إلا أنها رأت فيما بعد ضرورة إيقاف النظام، وإحالة مهمة معالجة تسفير الخادمات إلى لجنة تسوية أوضاع شؤون الخادمات التابعة لمكتب وزير الشؤون الاجتماعية التي تقوم بسداد بعض المستحقات على الكفيل في حال لم يدفع، وتصبح بعد ذلك دينا عليه وتتخذ الإجراءات النظامية معه وإيقاف كافة الخدمات الأخرى إلى أن يسدد ما عليه من مبالغ.
معدل الهروب
ويبلغ عدد الخادمات الهاربات في المركز أكثر من 394 في حين يصل عدد خادمات المطار إلى 233، فيما يتراوح معدل الخادمات الهاربات ما بين 30 إلى 50 خادمة يومياً. ويصل معدل خادمات المطار في مواسم الصيف من 180 إلى 250 يوميا، وفي الحالات الاعتيادية يبلغ المعدل 70 إلى 100 يوميا.
أطول حالة بقاء
وتتفاوت مدة بقاء الخادمات في المركز، بحسب الإجراءات، وسرعة الكفيل في تأدية مستحقات الخادمة، ويبلغ الحد الأدنى لبقاء الخادمة في المركز فترة أسبوع، هي المدة التي يتطلبها إنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بسفر الخادمة، وفي حالات أخرى يطول بقاء الخادمة فترات تمتد لأشهر، وتعود الأسباب لكون الكفيل مجهولا، أو مماطلا، أو أن الخادمة تطالب بمبالغ كبيرة جدا فتبقى في المركز إلى أن يسدد الكفيل مستحقاتها، وفي حالة خادمات المطار فعادة لا تتجاوز مدة بقائهن أكثر من 3 أيام. وعن أطول حالة بقاء في المركز قال الزهراني: هي حالة نادرة، حيث وصلت للمركز منذ بداية عام 1431 إلى الآن، بسبب وفاة الكفيل، واختلاف الورثة الذي حال دون إتمام إجراءات حصر الميراث بشكل عاجل.
معالجة المشاكل
وحول آلية معالجة المشاكل المتعلقة بالخادمات الهاربات والرافضات للعمل، أوضح الزهراني أن لجنة تسوية شؤون أوضاع الخادمات التابعة لوزير الشؤون الاجتماعية تقيم أوضاع الخادمات، وقالفي حالة الخادمة التي تطالب كفيلها بمستحقات متراكمة، وهو يرفض سدادها تسدد اللجنة المبلغ على أن يبقى في ذمة الكفيل إلى أن يفي بما عليه، وتتخذ بحقه الإجراءات النظامية، بينما يفصل القضاء بين الخادمة وكفيلها إذا كان هناك اختلاف في المبالغ المالية.
المعنفات
ووصف الزهراني حالات تعنيف الخادمات بـالنادرة جداً، مبيناً أن الخادمة التي تدعي تعرضها للتعنيف تحال للمركز الطبي للكشف عليها، وإعداد تقرير بالحالة، مشيراً إلى حالة واحدة تلقاها المركز مؤخراً لخادمة هندية ادعت أن كفيلتها اعتدت عليها بالضرب، لكنها لم تستطع الاستدلال على كفيلتها أو توفير أي بيانات عنها. وأضاف إجراءات الخادمة المعنفة تختلف عن الحالات الأخرى، حيث لا بد من تحرير محضر تحقيق جنائي، وحضور مندوب السفارة، وضبط الأقوال وإعداد تقرير طبي عن الحالة. وأشار الزهراني إلى أن مهمة المركز تنتهي بتسليم الخادمة للكفيل لإنهاء إجراءات السفر، أو يحضر خطاب إحالة من مركز الشرطة لمركز الرعاية ليتولى الإجراءات. ولفت إلى أن مهمة المركز تنتهي باستلام الكفيل للخادمة، مضيفاً أن النظام يطبق بصرامة عالية، حيث لا يمكن أن تسلم الخادمة لكفيلها إلا بطوعها واختيارها، مع اشتراط تسليمها كافة حقوقها كاملة، وقال لا يمكن أن تسلم أي نزيلة لدينا لكفيلها بضغط من أي موظف أو مسؤول إلا بعد أن تنال كافة حقوقها، وإذا رغبت الخادمة في العودة للكفيل مرة أخرى بعد المصالحة فلها حرية الاختيار.
سعة المركز
وعن سعة المركز الاستيعابية بيّن الزهراني أن معدل وجود الخادمات الهاربات في المركز يتراوح ما بين 200 إلى 900، مشيراً إلى أن أقصى عدد كان 1300 خادمة عام 1429، في حين يبلغ عدد الموظفين في المركز قرابة 51 موظفاً وموظفة، منهم 13 موظفاً أعمالهم إدارية، و38 موظفة للإشراف على إيواء الخادمات، وتقديم الخدمات لهم.
اضطرابات
ولم ينف مدير مركز رعاية الخادمات حدوث اضطرابات في فترات سابقة، مشيراً إلى أنها حدثت بسبب رغبة الخادمات في السفر والتذمر من طول مدة البقاء في المركز على الرغم من أن مدة البقاء في ذلك الوقت لم تكن طويلة حيث كانت المدة أقل من شهر. ووصف الزهراني الوضع الحالي للخادمات بالممتاز، وأن الأعداد في انخفاض والإجراءات تسير بيسر وسهولة.
وتمثل الجنسية الإندونيسية أعلى نسبة من الخادمات الموجودات في المركز، في حين تحتل السريلانكية المرتبة الثانية، تليها الفلبينية، والكينية والإثيوبية بأعداد أقل.
وفيما يتعلق بخدمات الإعاشة التي يقدمها المركز للخادمات، أفاد الزهراني بأن إحدى الشركات المتعاقدة مع الوزارة تتولى عملية تموين الطعام والشراب، ويفصل المركز الجنسيات داخل السكن، ويوفر معملا فنيا مزودا بالمواد الخام لممارسة الهوايات والترفيه.
مواقف لا تنسى
وفي حديثه عن أبرز الحالات التي تلقاها المركز قال مدير مركز رعاية شؤون الخادمات من ضمن الحالات التي وردتنا قبل عدة أشهر، خادمة توقفت عن العمل بشكل مفاجئ بعد قضاء أكثر من 15 سنة مع الأسرة التي تعمل لديها، فأحضرها كفيلها، وسلمها مبلغ 65 ألف ريال وهدية تقديرية عبارة عن طقم من الذهب، وحضر مع أبنائه وزوجته لتوديع الخادمة. وأردف بلغ أعلى أجر متراكم لإحدى الخادمات أكثر من 81 ألف ريال، بما يعادل مستحقاتها لفترة 10 سنوات، وهي الحالة الأعلى التي سجلت مؤخراً.
ومن المواقف الطريفة حضور خادمة من المطار برفقة ابنتها وترغب في تشغيلها لدى نفس الأسرة التي عملت معها مسبقا وذلك بعد تقدمها في السن وعجزها عن العمل.